سفاح نيوزيلندا يأسف لأنه لم يعد هناك نازيون حقيقيون
لابد لكل من سمع بجريمة القتل التي تمت في كرايستشيرش في 15 مارس الجاري أن يشعر بالحزن والألم، ويحس بأن أخوة لنا في الإنسانية كانوا يعيشون بيننا قبل وقت قريب تعرضوا للإبادة الوحشية.
وهناك العديد من الجرائم التي نتذكرها دائماً لأنها هزت الضمير العالمي، والتي شاهدناها على التلفزيون أو سمعنا عنها عبر الإذاعة، ولكن المذبحة التي وقعت في كرايستشيرش كانت عملية إرهابية يقصد منها نشر أيديولوجية القاتل عبر الإنترنت، فقد نشر القاتل على الإنترنت بياناً قبل عملية القتل، وقرأته وتمعنت فيه وفهمت مقصده.
وعندما سمعت أخبار المجزرة كنت جالساً في مكتبي أحاول الكتابة عن رهاب الإسلام. وللمفارقة، كانت آخر جملة كتبتها أن الإسلام كان يعني بالنسبة للغرب هو الآخر غير الأوروبي وليس البيض، إنهم أولئك السمر أو السود من غير المسيحيين الذين عارضوا الغرب، وقوته.
وكانت الفكرة السائدة على خطاب قاتل كرايستشيرش اللاذع ضد المسلمين والمؤلف من 74 صفحة، هي تفوق الأوروبي الأبيض والمعاداة للمهاجرين والتطهير العرقي. وكان الإسلام يبدو عرضياً بالنسبة له وإن كان لديه خليط من الهواجس يلمح من خلاله إلى العرب والصليبيين، وفرسان الهيكل، والأتراك، وحصار فيينا، والكثير من هذه الأخبار.
وكان القاتل يركز على العرق، إذ إنه كان يفتخر بتطرفه العرقي والفاشي، كما أنه كان معجباً بالنازيين الجدد، وهو يأسف لأنه لم يعد هناك نازيون حقيقيون الآن. وهو يقول إنه يجب حرق جحور الأفاعي، كما أن الأطفال غير الأوروبيين الذين يعيشون على «أرضنا» يجب قتلهم، دون أي رادع من مشاعر. ويركز القاتل برينتون تاران، على الآخر من غير البيض، الذي يريد إبادة البيض.
اندفاع لاعقلاني
ولا ينبغي أن يقودنا هذا الاندفاع اللاعقلاني إلى الاعتقاد الخاطئ الذي مفاده أن الجنون الفردي هو سبب هذه المذبحة، أو أن هذه الدوافع غير مشتركة مع آخرين. وفي أعقاب مجزرة أوسلو عام 2011، التي ارتكبها المتطرف العنصري اندريس بريفيك، كتبت أنا والكاتب جورج مورغان أن هذا القتل الجماعي، الذي قام به شاب نرويجي متطرف، يظهر البصمة الواضحة للسياسة القومية المتشددة والانتقامية، التي ازدادت شعبيتها في أجزاء عدة من دول العالم الغربي الحالية.
وفي الوقت الذي هرعت فيه منظمات اليمين المتطرف إلى إدانة ما قام به بريفيك، كان واضحاً أنه استند إلى منطقهم السياسي كي يشرعن ويبرر عمله الإجرامي. ويأتي عضو الكونغرس الأسترالي اليميني المتطرف فريزر انينغ، الذي أشار إلى أن الهجرة هي سبب مجزرة كرايستشيرش من هذا المعسكر ذاته. ودعا انينغ، باحتقار، إلى إيجاد «حل نهائي» لما سماه «قضية المسلمين».
وكان المدون النيوزيلندي اليميني المتطرف كاميرون سلاتر، قد ذكر في عام 2015 قول رئيسة الوزراء الإسرائيلية السابقة غولدا مائير، وهي تشتم العرب وتتهمهم بأنهم لا يحبون أطفالهم، وكتب عن الإسلام متسائلاً: «هل هو دين السلام؟ أبداً إنه دين الموت، ولذلك يجب أن نقتلهم قبل أن يقتلونا» وبناء عليه وصلت رسالة هذا الرجل في جريمة كرايستشيرش. إن سلاتر وفريزر يبيعان البضاعة ذاتها.
عامل مشترك
والسؤال المطروح الآن ما المشترك بين جريمة الكراهية والإرهاب؟ وإن كانت جريمة كرايستشيرش تمثل الجهتين، إنها تستهدف مجتمعات أبعد من مجرد التي يرتكبون بها جرائمهم بصورة مباشرة، بهدف إرسال رسالة معينة. وفي ما يتعلق بالتركيز على التطهير العرقي كان القاتل يوضح تماماً أن الجيوش الحليفة له «إذ إنه يعتقد أنه جندي يقاوم (الغزاة) عن طريق قتل المدنيين بمن فيهم الأطفال»، ستواصل القيام بما فعله حتى يعود الغرباء إلى أرضهم. وهو يريد التركيز على «هم» و«نحن» ويجب ألا نسمح له بذلك.
وهناك من علق ساخراً حول المفارقة التي يرتكبها هذا المهاجر «الأبيض الأسترالي» الغاضب على مهاجر آخر، وينصب نفسه المدافع عن «أرضنا» التي يتخيلها أنها جزء بسيط من أوروبا. وعلى الرغم من أن القاتل مهووس بـ«العرق» إلا انه لم يذكر خلال خطابه المؤلف من 74 صفحة السكان الأصليين، سواء في البلد التي ولد فيها أو التي جاء إليها في ما بعد، ويذكره تفوقه العرقي الأبيض بأوروبا ذات العرق النقي، وهذا يختلف عن التفوق الأبيض في الولايات المتحدة الذي يتبناه الرئيس الأميركي دونالد ترامب، حيث يستخف من خلاله بالأميركيين السود أو اللاتينيين، إذ إنه يعتبر الولايات المتحدة والبرازيل أيضاً كدول ميؤوس منها ولا يمكن إصلاحها. وفي الحقيقة فإن هذا القاتل العنصري لم يعد مهتماً بإرثه العرقي في الأميركتين حيث العبودية، وإنما باستعماره الاستيطاني الذي حل فيه مكان السكان الأصليين.
في الحقيقة أشعر بأني ملطخ على نحو غريب لكوني ورطت نفسي بهذه القذارة. كما أني منزعج بشدة ولكني ملتزم بمبدأ منهجي بأخذ هذا النوع من الشهادة بجدية، بهدف توضيح وشرح هذه الجريمة، ولأجد طرقاً لمكافحة هذا النوع من الأيديولوجيات. ويوجد العديد من هؤلاء المتشددين العنصريين على شبكة الإنترنت، وهم يجندون ويبشرون داخل مجتمعاتنا، وهم يفتخرون بذلك، ويخاطبون اتباعهم ويلقون عليهم التعليمات.
وأحد تلك التعليقات التي قرأتها عن المجزرة كانت ما ذكره رئيس الحكومة الباكستاني عمران خان، الذي قال إن الإرهاب ليس له أي دين، وكان خان له هدف سياسي عالمي يريد ايصاله، وهو على صواب في ذلك. وقبل انتخابه رئيساً للحكومة، كان الشعب في باكستان يعاني الإرهاب الممنهج الناجم عن الطائرات الأميركية بلا طيار باسم محاربة الغرب للإرهاب، وكان عمران قد قام بحملة قوية ضد ذلك قبيل انتخابه، وتعين عليه أيضاً التعامل مع التعصب القومي الهندي من ناحية أخرى إضافة إلى الإرهاب المتصاعد في بلاده أيضاً.
وشاهدت لاحقاً بإعجاب لم أكن أتوقعه رئيسة حكومة نيوزيلندا جاسيندا آردرن وهي تتحدث بصورة مؤثرة ورباطة جأش، وبتعاطف مع عائلات الضحايا وهي تعلن أنها ستقدم المأوى لمن يحتاجون إليها، كما تقتضي القيم النيوزيلندية.
ديلان توماس - كاتب زائر لمركز الدراسات الإسلامية والحضارة
على الرغم من أن القاتل مهووس بـ«العرق»
إلا أنه لم يذكر خلال خطابه المؤلف من 74 صفحة
السكان الأصليين، سواء في البلد التي ولد فيها
أو التي جاء إليها في ما بعد، ويذكره تفوقه
العرقي الأبيض بأوروبا ذات العرق النقي.