ترامب يدعم نتنياهو بتأييد تشريعــات تـدعم ضمَّ إسرائيل للجولان المحتل
قبل شهر من الآن.. ظهرت لوحات عملاقة في تل أبيب والقدس، يظهر فيها رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو والرئيس الأميركي، دونالد ترامب، وهما يتصافحان، وعلى وجهيهما ابتسامة، وتحتهما عبارة «صداقة مختلفة»، مزدرية ضمنياً عبارة «هاوٍ»، التي درج خصوم نتنياهو على إطلاقها عليه. وقبل ساعات من إعلان المدعي العام الإسرائيلي عزمه توجيه تهم بالفساد لنتنياهو، أخبر ترامب الصحافيين في فيتنام بأن الزعيم الإسرائيلي «قوي وذكي وشجاع»، و«قام بعمل رائع كرئيس للوزراء». وفي ما بعد أعلنت وزارة الدفاع «البنتاغون» نشر قوات أميركية مؤقتة صغيرة في إسرائيل. وبعد فترة قصيرة من ذلك، قام نتنياهو - الذي يمنعه القانون من استغلال الجنود الإسرائيليين كدعاية لحملته الانتخابية - بنشر شريط فيديو ولقطات تبينه وهو محاط بالقوات الأميركية.
كل ذلك من شأنه أن يصب في صالح نتنياهو، في ما يتعلق بالانتخابات في إسرائيل، حيث تظهر استطلاعات الرأي أن ترامب يحظى بالإعجاب في إسرائيل، أكثر من أي بلد آخر تقريبًا. ولدى الإسرائيليين سبب وجيه للنظر إلى ترامب على نحو إيجابي، فقد أمطرت إدارته نتنياهو بالهدايا السياسية، بما في ذلك نقل السفارة الأميركية إلى القدس، وقطع المساعدات مرارًا وتكرارًا عن السلطة الفلسطينية، والاعتراف بحجة إسرائيل بأن ملايين الفلسطينيين يجب ألا يتم اعتبارهم كلاجئين.
علاقة غير مسبوقة
ويقول دبلوماسيون مخضرمون إنه في الوقت الذي كانت فيه العلاقات بين الرؤساء ورؤساء الوزراء السابقين وثيقة مع نظرائهم الأميركيين، فإن علاقة ترامب - نتنياهو ليست لها سابقة في تاريخ بلادهما، فهي تعكس أوجه تشابه عميق في سياستهما، وصراعات وفضائح مماثلة، وتشابهاً كبيراً في القدرة على تشويه سمعة المعارضين. كما أفادت هذه العلاقة ترامب، أيضاً، في الوقت الذي تنفر فيه سياسات نتنياهو الديمقراطيين اليهود، حيث إن هذه العلاقة تساعد ترامب على تصوير الجمهوريين كأنهم المصدر الأميركي الوحيد الموثوق، الذي يقدم دعمًا غير مشروط لإسرائيل. إلا أن الفترة القصيرة لما قبل انتخابات 9 أبريل في إسرائيل، يمكن أن تكون آخر فرصة لهما معًا.
احتمالات الهزيمة
ويبدو أن هزيمة نتنياهو الآن هي الأكثر احتمالاً، إذ إن حزبه يأتي في ذيل حزب قائد الجيش السابق الأكثر شعبية، بيني غانتز، في صناديق الاقتراع. حتى لو فاز نتنياهو، فقد لا يكون قادرًا على تشكيل حكومة، لأن غانتز تعهد بعدم الدخول في ائتلاف معه في الوقت الذي يواجه فيه هو - أي نتنياهو - لائحة اتهام. وإذا تمكن نتنياهو من الحصول على أغلبية حاكمة، فمن المحتمل أن تكون هذه الأغلبية من أقصى اليمين، التي قد تعمل على تعقيد أو حتى إخراج خطة ترامب لحل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني عن مسارها.
وفي الولايات المتحدة، فإن تحالف نتنياهو الجديد مع حزب إسرائيلي عنصري يسهل الأمر بالفعل على الديمقراطيين، للتنديد به دون خوف بشأن رد فعل الجمهوريين. وفي غضون أشهر، يمكن للقضية الجنائية ضد نتنياهو أن تزيحه عن السلطة إلى الأبد. ومع ذلك، فإن الإدارة الأميركية لاتزال مستمرة في عطائها للحكومة الإسرائيلية في الوقت الحالي، فقد توقف وزير الخارجية، مايك بومبيو، في إسرائيل خلال جولة له في الشرق الأوسط، بدأت منذ 18 مارس.
وبلغ النشاط السياسي بين نتنياهو وترامب ذروته، أخيراً، حيث التقى نتنياهو الرئيس ترامب، قبل توقيعه على مرسوم يقضي باعتراف واشنطن بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان السورية، التي احتلتها إسرائيل في حرب يونيو 1967.
لقد وصل الأمر إلى نقطة جعلت المحللين، الذين يتعقبون المساعدات الأميركية لحملة نتنياهو، يخمنون ما قد يرميه ترامب بعد ذلك في فم نتنياهو، مجرد مزيد من الإحسان، أو ربما عظمة أكبر، مثل تأييد التشريعات التي يرعاها الجمهوريون للاعتراف بالسيادة الإسرائيلية فوق مرتفعات الجولان. ويقول المفاوض المخضرم في الشرق الأوسط، الذي عمل تحت رئاسة ديمقراطيين وجمهوريين، آرون ديفيد ميلر، إن «بعض الباقات الكبيرة ومجموعة من الأشياء الجيدة، هي جزء من اللعبة من جانب ترامب كي يساعد على إعادة انتخاب بيبي».
ولا يوجد شيء غير معتاد عن محاولة الرؤساء الأميركيين التأثير في الانتخابات الإسرائيلية: الرئيس السابق، جورج بوش الأب، علق ضمانات القروض ليساعد إسحق رابين على هزيمة إسحق شامير جزئياً بسبب تمرد شامير. ورتب الرئيس السباق، بيل كلينتون اجتماع قمة عربية إسرائيلية وزيارة إلى البيت الأبيض، في محاولة فاشلة لمساعدة رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، شيمون بيريز، على هزيمة نتنياهو عام 1996. وأسهمت علاقة نتنياهو الضعيفة مع كلينتون، الذي كان ينظر إليه على أنه مؤيد للفلسطينيين، في هزيمته هو بعد ثلاث سنوات فقط من رئاسته، كما يقول مؤلف كتاب «بيبي» أنشيل فايفر، وهي السيرة التي لقيت قبولاً حسناً.
لا توجد سابقة
ولكن لا توجد سابقة للعلاقات بين ترامب ونتنياهو. ومن الصعب معرفة ما إذا كانت عبارة «مطاردة الساحرات»، المصطلح الذي يستخدمه كلاهما لتشويه سمعة التحقيقات التي تكتنف إدارتيهما، يتم طرحه أكثر من قبل نتنياهو باللغة العبرية أم ترامب باللغة الإنجليزية. نتنياهو لا يكلف نفسه عناء وصف أخبار الصحف بـ«أخبار وهمية» في تواصلاته الاجتماعية المتكررة. ويصف ترامب بعض المنظمات الإخبارية بأنها «أعداء الشعب»، بينما يستعرض نتنياهو إعلانات موجهة خصوصاً للصحافيين الإسرائيليين، متعهداً بأنهم «لن يقرروا» الانتخابات. حتى استراتيجيته «الرجل الذي لا غنى عنه» تستدعي إلى الأذهان خطاب ترشيح ترامب لعام 2016: «أنا فقط من يستطيع إصلاح الأمور».
وحقق هذا التفاعل ما يسمى «تأثير المرآة» قبل أسبوع، عندما غرد نتنياهو حول جزء من برنامج «فوكس والأصدقاء»، وهو البرنامج المفضل لترامب على قناة فوكس نيوز، انتقد معلق أميركي قضية الفساد الإسرائيلية التي تستهدف نتنياهو، مستخدماً نقاط الحوار التي استطاع نتنياهو أن يمليها بسهولة على مقدم البرنامج. وقال لأتباعه: «شاهدوا ما يقولون في أحد أكثر البرامج مشاهدة في الولايات المتحدة، حول القضية المرفوعة ضدي».
أما من ناحية الشخصية والسياسة، فلا يوجد في الواقع إلا القليل من القواسم المشتركة بين الرجلين. نتنياهو قارئ نهم ومولع بالتاريخ، أما ترامب فليس كذلك. ونتنياهو، كما يقول منتقدوه، رجل دولة ذكي، أقام علاقات مع دول كانت معادية لإسرائيل في السابق؛ وعلى النقيض من ذلك، فإن السياسة الخارجية لترامب، والتي كانت مهيمنة على السياسة الخارجية لبلاده، أدت إلى عزل الحلفاء الأميركيين في العالم منذ زمن طويل. وتماماً مثلما توقع المغني «مايك جاغر» في أغنيته «المياه العكرة»، كان نتنياهو يثير الجماهير الإسرائيلية بمزيج من الشعبوية والشعور بالاستياء العرقي وتقريع وسائل الإعلام، قبل 20 عاماً من احتضان ترامب هذا النوع من السياسة لأول مرة.
صياغة الرأي العام
مثلما ناشد ترامب الطبقة العاملة الأميركية البيضاء، خلال الحملة الانتخابية لكي تدعمه، استطاع نتنياهو أن يصيغ اليهود الإسرائيليين المتطرفين والمهاجرين العلمانيين الروس، وناخبي منظمة مزراحي من الطبقة العاملة، الذين عاش أسلافهم في العالم العربي – أن يصيغهم في قاعدة سياسية متعطشة لكي يحددوا المصائر الانتخابية للمتعلمين والليبراليين، المتحدرين من أصول غربية في تل أبيب، كما يقول كاتب العمود السابق، أري شافيت، الذي ظل يتابع نتنياهو طوال حياته المهنية. ويمضي شافيت، قائلاً: «كلاهما ناجح ومتميز، استطاعا أن يقودا تمرداً ضد النخبة». وذكرت السيرة الذاتية، التي كتبها فايفر عن نتنياهو 1999 حملة انتخابية، اتهم فيها نتنياهو وسائل الإعلام بالتواطؤ مع اليسار لإسقاطه، وقاد الحشد وهو يهتف «هم خائفون». ويقول فايفر في مقابلة «لقد كان بالضبط مثل نمط اسجنها»، في إشارة إلى هتافات ترامب ضد هيلاري كلينتون. وكان نتنياهو، الذي اختاره الجمهوريون في استطلاع عام 2015 بأنه الزعيم العالمي الأكثر إعجابًا بهم، قلقًا في البداية من فوز ترامب في نوفمبر 2016، وفقًا لأشخاص اطلعوا على أفكاره في ذلك الوقت. وبقدر ما كان يكره ترامب السيدة كلينتون، كان نتنياهو يتوقع الشعور نفسه من ترامب. وكان ترامب بالفعل لا يمكن توقع ردات فعله. لكن الظروف سرعان ما خدمت نتنياهو، فقد أصبحت له علاقة شخصية مع صهر ومستشار ترامب، غاريد كوشنر.
قد لايزال نتنياهو مسيطراً على الأمور حتى التاسع من أبريل، لكن بالنظر إلى وعد غانتز برفضه الدخول في ائتلاف معه، فإن نتنياهو سيضطر إلى اللجوء إلى اليمين للحصول على أغلبية حتى لو اضطر إلى الذهاب لأقصى اليمين. ويقول السفير الأميركي لدى إسرائيل في عهد الحكومة السابقة، دانييل شابيرو، إن أي اقتراح مستقبلي للفلسطينيين سيكون أمراً بغيضاً لمثل هذه الحكومة، والعكس صحيح. ويمضي قائلاً «قد يخبر ائتلافه بأنه استخلص الشروط الأكثر ملاءمة، التي قدمتها له الإدارة الأميركية لكنَّ الفلسطينيين سيرفضونها». ويختتم حديثه «أعتقد أن السيناريو الأكثر احتمالاً، في الواقع هو أنه لن يقدم أبداً أي خطة».
- تصعب معرفة ما إذا كانت
عبارة «مطاردة الساحرات»،
المصطلح الذي يستخدمه
كلاهما لتشويه سمعة
التحقيقات التي تكتنف
إدارتيهما، يتم طرحه أكثر
من قبل نتنياهو باللغة العبرية
أم ترامب باللغة الإنجليزية.
- مثلما توقع المغني
«مايك جاغر» في
أغنيته «المياه
العكرة»، كان نتنياهو
يثير الجماهير
الإسرائيلية بمزيج من
الشعبوية والشعور
بالاستياء العرقي،
وتقريع وسائل
الإعلام، قبل 20 عامًا
من احتضان ترامب
هذا النوع من
السياسة لأول مرة.