لإبعاد الخطر الأميركي عنها
إيران تناور لإخراج الولايات المتحدة من العراق
أجرى الرئيس الإيراني، حسن روحاني، زيارة مدتها ثلاثة أيام للعراق وسط شهر مارس الماضي، كانت تهدف إلى فتح فصل جديد في العلاقات الاستراتيجية بين العراق وإيران. وخلال سلسلة من الاجتماعات مع القادة السياسيين والدينيين العراقيين، كان روحاني يحاول تعزيز التحالف الإيراني العراقي، الذي يهدف إلى إبراز قوة إيران في المنطقة بعد هزيمة تنظيم «داعش». ويمكن لإيران أن تستخدم خطة في العراق من شأنها تقويض السياسة الأميركية، أو أن تحل مكانها وتتمثل باستغلال الميليشيات الشيعية، التي فرضت عليها وزارة الخزانة الأميركية عقوبات في شهر مارس الماضي.
وخلال ندوة أجريت في الجامعة الأميركية بالعراق، في السليمانية، بداية شهر مارس تحدث الرئيس العراقي، برهم صالح، عن المخاوف من أن التوتر بين إيران والولايات المتحدة من شأنه أن يؤثر في العراق. وأكد أن القوات الأميركية الموجودة في العراق هدفها تدريب القوات العراقية على محاربة الإرهاب، وأنه ليست هناك قواعد دائمة في العراق للقوات الأميركية، وأن القوات الأميركية يجب ألا تقوم بأي نشاطات أخرى غير تدريب القوات العراقية. وهذه هي المرة الثالثة على الأقل التي يحاول فيها برهم صالح تذكير القوات الأميركية بدورها في العراق، بعد أن قال الرئيس دونالد ترامب، في ديسمبر الماضي، إن الولايات المتحدة ستراقب إيران من العراق.
ضغوط كبيرة
وتشكل تعليقات برهم جزءاً من ضغوط كبيرة على دور الولايات المتحدة في العراق. وأكد تلفزيون «برس»، المؤيد للحكومة الإيرانية، أن أعضاء البرلمان في العراق يحاولون الضغط على الولايات المتحدة لسحب جنودها من العراق. وقال رئيس ثاني أكبر حزب في العراق، هادي العامري، إنه حارب في صفوف ألوية الحرس الثوري الإيراني في ثمانينات القرن الماضي ضد نظام صدام حسين، وبعد ذلك عارض الوجود الأميركي في العراق، في أعقاب الغزو الأميركي عام 2003. ومع أنه كان قائداً لأكثر عناصر ميليشيات الحشد الشعبي أهمية، التي تشكلت عام 2014 لمحاربة «داعش»، تظل وجهات نظره أقل تطرفاً من بقية قادة الميليشيات السياسية.
وهدد زعيم ميليشيات ما يسمى «عصائب أهل الحق»، قيس الخزعلي، قوات الولايات المتحدة وطالبها بمغادرة العراق. وهددت حركة «حزب الله» القوات الأميركية أيضاً. وتدرك وزارة الدفاع الأميركية، وكذلك القادة السياسيون، ذلك. وأشار تقرير المفتش العام حول عملية القضاء على «داعش»، في فبراير 2019، إلى أنه في الوقت الذي «لعبت فيه وحدات الحشد الشعبي دوراً مهماً في هزيمة (داعش) في العراق، فقد سمح الدعم الإيراني للعديد من عناصر وحدات الحشد الشعبي لإيران بالاحتفاظ بنفوذ في العراق، كما أن الحكومة العراقية أصبحت عاجزة عن السيطرة الكاملة على وحدات الحشد». وأشار التقرير إلى أن الولايات المتحدة تراقب النشاطات الإيرانية في العراق، وأنها قامت بفرض عقوبات على أربع من الميليشيات العراقية، لأنها تعمل نيابة عن حزب الله وقوات الحرس الجمهوري. وفي 5 مارس، فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على حركة «حزب الله».
ورد المتحدث باسم الحركة على عقوبات الولايات المتحدة، بمقابلة في وكالة «فارس نيوز» الإيرانية، وتحدث عن مقاومة قوية للولايات المتحدة وإسرائيل، تمتد عبر العراق وسورية وحزب الله في لبنان. وكانت تعليقاته تلخص وجهة نظر شائعة بين قادة الميليشيات الشيعية، وهي مؤيدة لإيران. وتهدف إلى توضيح العلاقة بين العراق وإيران، في حين تقدم الولايات المتحدة باعتبارها قوة خارجية.
القرب من إيران
وتسلط زيارة روحاني إلى العراق الضوء على مدى قرب معظم السياسيين المتنفذين في العراق من إيران. وهي تظهر قدرة إيران على نسج علاقاتها داخل العراق، إذ عمد الرئيس روحاني إلى لقاء قادة القبائل العراقيين، وعلي السيستاني وآخرين. وتأتي الزيارة بعد تلقي إيران سلسلة من التعليقات الإيجابية، إثر الندوة التي تحدث فيها برهم. وكان وزير الخارجية الإيراني، جواد ظريف، الذي هدد بالاستقالة الشهر الماضي، قد مهد الطريق لزيارة روحاني للعراق، وقال الولايات المتحدة لن تستطيع «إيقاف العلاقات الإيرانية العراقية».
والسؤال المطروح هنا ما إذا كانت إيران وحلفاؤها في البرلمان العراقي سيستخدمون نفوذهم للدفع نحو إجبار القوات الأميركية على مغادرة العراق. وهذا يضع واشنطن في موقف صعب، إذ إن الولايات المتحدة استثمرت بشدة في حرب «داعش»، وقامت بتدريب وتزويد الجيش العراقي، إضافة إلى قوات البشمركة الكردية. وحذرت الولايات المتحدة، العام الماضي، من أن إيران مسؤولة عن أي هجوم تتعرض لها قواتها من أحد وكلاء إيران.
وتوجد، الآن، توترات بين أعضاء الميليشيات الشيعية في الأنبار وقرب الموصل. وهو الأمر الذي تتداوله وسائل الإعلام الإيرانية والعراقية. وإضافة إلى ذلك، وعندما واجه العراق تحدي توسيع دور هذه الميليشيات وعلاقاتها مع إيران، كانت هناك معارضة لهذا التوجه. لكن في عام 2017، وصف رئيس الحكومة السابق، حيدر العبادي، وحدات الحشد الشعبي بأنها أمل الدولة والمنطقة. وعمل العبادي على جعلها قوة رسمية، في معارضة للدعوات من أجل تفكيكها بعد الحرب ضد «داعش».
وعلى الرغم من أن المسؤولين الأميركيين، في السابق، وصفوا هذه الميليشيات الشيعية بأنها نموذج من «حزب الله» ومدعومة من إيران، فإنها أصبحت الآن أكثر خطراً من حزب الله. وأصبحت هذه الميليشيات قوى رسمية، كما أن علاقاتها المميزة مع وزارة الداخلية، التي تديرها منظمة «بدر»، التي يترأسها العامري منذ سنوات، تجعلها تلعب دوراً أساسياً في قوات الأمن. وهذه الميليشيات ليست على الهامش كما يبدو حزب الله في لبنان، وإنما من المؤكد أنها ستكون مثل قوات الحرس الجمهوري في إيران، وليس حزب الله في لبنان. وكما فعلت قوات الحرس الجمهوري، ستعمل هذه الميليشيات على تشكيل شبكة من المجموعات المؤيدة لإيران، تمتد عبر سورية ولبنان.
وفي الحقيقة، فإن تعليقات برهم، التي تحدث فيها عن دور إيراني إيجابي على العراق، تشكل تحدياً كبيراً ليس على الولايات المتحدة، وإنما على شركائها وحلفائها في العراق. لكن حتى الآن من غير الواضح كيف ستبدو الضغوط على وجود الولايات المتحدة في العراق. وربما تأتي من البرلمان، على عكس التهديدات الأخرى. وكانت تعليقات السيستاني أمام روحاني تشدد على الحاجة إلى «التوازن» في السياسات الدولية والإقليمية. وكان الاقتصاد حاضراً أيضاً في زيارة روحاني، حيث تريد إيران والعراق زيادة التجارة بينهما إلى 20 مليار دولار. ويحتاج العراق إلى استثمارات في عملية إعادة البناء، لذلك فإن التوترات مع الولايات المتحدة يمكن أن تقوض وصول الاستثمارات. وهذا صحيح لأن الولايات المتحدة ساعدت على تشجيع العلاقات السعودية العراقية، التي بدأت عام 2017.
ويعتبر العراق مهماً جداً من الناحية اللوجستية بالنسبة للولايات المتحدة في سورية، كما أن المراقبة والملاحقة الأميركية لأخطار «داعش» في المنطقة الصحراوية الحدودية بين العراق وسورية ضروريتان لمنع التنظيم من إعادة تجميع قواته. وهذا صحيح، خصوصاً أن نحو 30 ألف مقاتل من «داعش» كانوا موجودين في باغوز، خلال المعركة التي اندلعت في الشهور الماضية. ويعتقد البنتاغون أنه يمكن أن يكون عشرات الآلاف من قوات «داعش»، قد انتشروا في سورية والعراق. وبناء عليه، فإن العراق له تأثير كبير في دور الولايات المتحدة بسورية، تماماً كما أن العراق لايزال بحاجة إلى الوجود والاستثمارات الأميركية، لكن ذلك قد يعود بالضرر على العراق، إذا قامت الميليشيات الشيعية بعمل معادٍ للولايات المتحدة، وقررت تنفيذ تهديداتها التي تطلقها منذ سنوات عدة.
تعليقات برهم، التي تحدث فيها عن دور إيراني إيجابي على العراق، تشكل تحدياً كبيراً ليس على الولايات المتحدة، وإنما على شركائها وحلفائها في العراق.
العراق له تأثير كبير في دور الولايات المتحدة بسورية، كما أنه لايزال بحاجة إلى الوجود والاستثمارات الأميركية.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news