حملة شعبية لرفض «تمثال ديليسبس» في مدخل قناة السويس
أطلقت حملة «أصدقاء قناة السويس المصرية» بقيادة منسقها الشاب البورسعيدي هيثم طويلة، موجة جديدة من الحراك الشعبي لرفض وضع تمثال فرديناند ديليسبس في مدخل قناة السويس، معتبرة أن وضع التمثال بهذه الكيفية، هو «احتفال بالمحتل» و«إهالة للتراب على حقبة نضالية»، و«إهانة للشعور الوطني»، وكشفت الحملة التي أقيمت أولى فعالياتها الجديدة في مقر نقابة الصحافيين المصريين الأحد الماضي، أن مقاومتها لمحاولة تنصيب التمثال ستتواصل بعد صدور قرار وزاري بأنه «أثر»، وستمضي الحملة في مسارات قضائية وإعلامية وسياسية وبحثية متوازية.
وقال الكاتب الصحافي، مؤرخ المقاومة الشعبية محمد الشافعي، في تقديمه للاحتفال، إن «دعوة إعادة تنصيب تمثال ديليسبس على قاعدته في مدخل قناة السويس، تتجدد بشكل دوري منذ عام 1974 وتقف وراءها جمعية فرنسية موجودة في فرنسا ومصر اسمها (جمعية أصدقاء ديليسبس) تملك أموالاً ضخمة تنفقها بلا حساب، وشبكة علاقات محلية وعالمية، وتستقطب تنفيذيين وشعبيين وإعلاميين وقانونيين، ووصلت إلى استقطاب بعض رموز المقاومة الشعبية التاريخيين في منطقة قناة السويس، بعضهم من أبناء من شاركوا في تحطيم التمثال عام 1956، وحاولوا تزييف وعيهم، لولا أن حركة مقاومة وضع التمثال كانت يقظة وذهبت إليهم وشرحت لهم الحقائق والأبعاد، فعادوا إلى موقفهم الوطني المبدئي».
الاحتفال خيانة
ونوه الشافعي بأن «الاحتفال بديليسبس يعني خيانة دماء 125 ألف شهيد سقطوا في حفر قناة السويس، وخيانة لدم أجدادنا الذين سقطوا في الثورة العرابية، بعد أن خدع ديليسبس عرابي وأوهمه بإغلاق قناة السويس، بل وقال له إنه سيأتي بجندي فرنسي في مقابل كل جندي إنجليزي من حملة الاحتلال، بينما كان يتآمر عليه، وكان هذا أهم الأسباب التي أدت إلى احتلال مصر، بل خيانة حتى لمبدأ الاستقامة، حيث كشف التاريخ بأدلة وتوثيق أن ديليسبس لم يكن صاحب فكرة حفر القناة، وإنما هي فكرة السان سمونيين، ولم يكن مهندساً وإنما كان سمساراً، وأنه مات عام 1894 بعد أن حكم عليه بالسجن في تهمة نصب شهيرة عرفت باسم (قضية بنما)، ولم يقم له أي تمثال في فرنسا نفسها بسبب إدانته القانونية والأخلاقية».
وقال أستاذ العلوم السياسية بجامعة قناة السويس، والمستشار السياسي السابق لمحافظ بور سعيد، د. جمال زهران، إن «الجمعية الفرنسية المسماة بـ(أصدقاء ديليسبس) لم تتوان لحظة عن محاولة استقطاب كل المؤثرين في الحياة العامة ببورسعيد، علاوة على التنفيذييين، لإقناعهم بوضع التمثال على قاعدته في مدخل القناة، وقد صمت كثيرون أمام نفوذ الجمعية، والبعض تواطأ، لكن للشهادة أمام التاريخ هناك من قاوموا وعلى رأسهم محافظ بورسعيد السابق اللواء مصطفى كامل».
مشروع سياحي
وقال رئيس اللجنة الإفريقية بالبرلمان المصري، عميد معهد الدراسات الإفريقية السابق د. سيد فليفل، إن «هناك ثلاث فئات متورطة أو يتم استقطابها اليوم من جمعية (أصدقاء ديليسبس)، مجموعة المنتفعين الذين تعود عليهم علاقتهم بالجمعية بالنفع المادي أو المعنوي، ومجموعة رجال المال والاستثمار التي تتصور أن تنصيب التمثال مشروع سياحي مثمر ستتدفق بعده موجات من آلاف السياح الفرنسيين والأوروبيين إلى بورسعيد، بما يحمل لها من رخاء ويمكنهم أيضاً من إقامة مشروعات على هامش هذا الرواج لفائدتهم وفائدة المدينة معاً، ومجموعة ثالثة (لا ناقة لها ولا جمل) في المشروع، لكنها لا تملك الوعي الكافي وتنطلي عليها أفكار من نوع العولمة والانفتاح الثقافي». وقال د.فليفل إن «التكريم الحقيقي لذكرى حفر قناة السويس هو وضع تمثال للزعيم جمال عبدالناصر مؤمم القناة، أو تمثال للفلاح المصري الذي استشهد وهو يحفرها».
وقالت أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس د. هدى زكريا، إن «محاولة تنصيب تمثال ديليسبس على القناة، هي هجمة على التاريخ لأن التاريخ عدو لا يمكن قهره، وهي خطوة تتلوها خطوات».
معركة تتجدد
من جهته، قال منسق مبادرة «أصدقاء قناة السويس المصرية»، صاحبة الفضل الأساسي في إثارة المعركة، الشاب البورسعيدي هيثم طويلة، إن «معركة تنصيب تمثال ديليسبس، قائمة منذ عام 1974، وتتجدد دورياً كل خمس سنوات بشكل أو بآخر، ويعتبر شباب بور سعيد التصدي لها امتداداً لتراث المقاومة الشعبية، الذي قام به الآباء وتركوا لنا سجلاً مشرفاً فيه، ولذا التحق به مقاومون وأبناء مقاومين بشكل طبيعي، لأن المعركة على هوية بورسعيد وتاريخها النضالي وذاكرتها ووجدانها، علاوة على تاريخ مصر بطبيعة الحال». وقال طويلة إن «الطرف الآخر يخوض المعركة بلا كلل، وعلى سبيل المثال كيف جُمع تمثال محطم ومهمل في مخزن ما، ورمم وأعيد إلى الحياة؟ وما هذا الإصرار الغريب على مخاطبة المحافظ تلو المحافظ، والمسؤول تلو المسؤول دون توقف، وتوالي المفاجآت، وإحداها مثلاً انعقاد مؤتمر صحافي منذ عام ونص العام بمقر المحافظة، وخروج صحيفة الوفد بمانشيت في مارس 2017 لا يُنسى يقول (ديليسبس جزء عظيم من تاريخ مصر، ويجب أن يعود إلى قاعدته)».
وقالت عضو مبادرة «قناة السويس المصرية» آمال عسران، ابنة المقاوم الشعبي الراحل سيد عسران الذي فجر تمثال ديليسبس بعد قرار عبدالناصر بتأميم شركة قناة السويس عام 1956 «إننا لا نعرف في بورسعيد شيئاً اسمه (تمثال ديليسبس)، نحن خرجنا وتربينا وكبرنا والتمثال قد أزيل، ونحن نسمي هذه المنطقة وسنظل نسميها (حجر سيبس) ولا نريد في حياتنا وحياة أجيالنا أن تأخذ أي اسم آخر. إنني لن أجرؤ أن أزور قبر والدي، محطم التمثال، إذا نجح (أصدقاء ديليسبس) في تغيير هذا الوضع، وأنا حتى أختلف مع الزملاء والأصدقاء الذين يقترحون وضع تمثال لرمز وطني أو للفلاح المصري على القاعدة، أنا مع تركها خالية كما وجدناها، لنخلد ذكرى تحطيم التمثال إلى الأبد».
- البعض يرى أن
الاحتفال بديليسبس
يعني خيانة دماء
125 ألف شهيد
سقطوا في حفر
قناة السويس.