أحداث عدة تؤكد ذلك
العراق يتخلص تدريجياً من تبعيته لإيران
بديهي القول في هذه الأيام أن إيران تسيطر على جارتها الغربية العراق. وفي 27 أبريل الماضي، على سبيل المثال، أطلق وزير الخارجية البحريني خالد بن أحمد، تغريدة قال فيها إن «النظام الإيراني يسيطر على العراق». وكان مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون قد شبه قبضة طهران على العراق، بالسيطرة الخانقة للاتحاد السوفييتي على أوروبا الشرقية خلال نهاية أربعينات القرن الماضي.
وعندما كانت نيكي هيلي سفيرة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة، تهاجم طهران في سبتمبر الماضي، كونها تعمل على «إنشاء حكومة عراقية تحت السيطرة الإيرانية».
نفوذ واسع
نعم إيران تمتلك نفوذاً واسعاً على العراق. وهي ثالث أكبر شريك تجاري لها، حيث تبلغ قيمة التجارة بين البلدين نحو 12 مليار دولار تقريباً. وفي انتخابات 2018، فاز أنصار إيران في العراق بـ48 مقعداً، أي 14.6% من المقاعد في البرلمان العراقي، بحيث أصبحت ثاني أكبر كتلة في البرلمان. وسلَّحت إيران الميليشيات الشيعية، التي كانت تسيطر على أجزاء من الاقتصاد العراقي، وهي مسؤولة عن أمن بعض المناطق حتى بعد هزيمة تنظيم «داعش».
وفي أواخر عام 2018، أجرى الرئيس الأميركي دونالد ترامب، زيارة غير معلنة إلى قاعدة الأسد الجوية في العراق. واعتبر ذلك احتقاراً للسيادة العراقية، واحتج أعضاء برلمانيون يتبعون ائتلاف الفتح الموالي لإيران، على هذه الخطوة، من خلال تعزيز الجهود الرامية إلى طرد 2500 جندي أميركي لايزالون موجودين في العراق.
ويتمتع تحالف الفتح بدعم القائد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي، الذي دعا العراق إلى طرد قوات الولايات المتحدة في أسرع وقتٍ ممكن.
رفض سني شيعي
ولكن على الرغم من مطالبة تحالف الفتح، إلا أنه لم يتم تنفيذ خطوة طرد الجنود الأميركيين، ورفضت الأحزاب السنية والكردية دعم هذه الخطوة، ودون دعم بعض هذه الأحزاب لن يكون بالإمكان تنفيذ هذا القانون.
وفي مارس الماضي سافر رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي إلى واشنطن، للتشديد على تقدير العراق للوجود العسكري الأميركي في العراق. وفي نهاية أبريل الماضي التقى الرئيس العراقي إبراهيم برهم مع السناتور الجمهوري تامي داكوروث، التي خسرت ساقيها وهي تحارب في العراق، بهدف «تكريمها على تضحياتها».
وفي اليوم التالي، اعترف مسؤول كبير من تحالف الفتح، بأن موضوع طرد الجنود الأميركيين غير ممكن. وقال نسيم عبدالله من تحالف الفتح «لا أعتقد أن ثمة رغبة حقيقية من الكتل السياسية في إخراج القوات الأجنبية من العراق، خصوصاً أن عدداً من التحالفات تظهر موقفاً أمام الإعلام، في حين أنها تكشف عن موقف مختلف وراء الكواليس».
ومما يؤشر أيضاً إلى مقاومة النفوذ الإيراني هو المعركة الدائرة حول الوظائف المهمة في وزارة الداخلية في الحكومة العراقية.
وكافح رئيس الحكومة عادل عبدالمهدي ليتمكن من إكمال حكومته منذ نحو ثمانية أشهر.
جهود فاشلة
وبذل تحالف الفتح جهوداً مضنيةً لإيصال فالح الفياض، الذي يعمل الآن رئيساً لقوات التعبئة الشعبية، وهي ائتلاف من الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران، إلى منصب وزير الداخلية. وكان عبدالمهدي قد رشحه للمنصب في ديسمبر الماضي، ولكن عدداً من البرلمانيين من التحالف الصدري رفضوا المصادقة عليه، حيث كان هذا التحالف الذي يقوده الزعيم الشيعي مقتدى الصدر قد طرح نفسه باعتباره حركة قومية لمحاربة النفوذين الأميركي والإيراني.
وقال البرلمانيون الصدريون، إن «قرارنا عراقي»، في إشارة إلى فياض، الذي التقى مع الرئيس الإيراني حسن روحاني بداية العام الجاري.
وفي مارس الماضي انسحب فياض من ترشيحه لمنصب وزير الداخلية، ولايزال المنصب شاغراً حتى الآن. وتظهر كل هذه الأحداث مدى ضعف حلفاء إيران العراقيين في إيصال مرشحيهم إلى المناصب المهمة في الحكومة.
وثمة مؤشر آخر على مدى استقلالية العراق وهي الزيارة التي أجراها روحاني إلى بغداد في مارس الماضي، والتي تلاها في الشهر اللاحق زيارة عبدالمهدي ووفد كبير يتألف من 12 وزيراً إلى المملكة العربية السعودية. وخلال تلك الزيارة وقعت الحكومة العراقية 13 اتفاقاً مع الرياض. وفي الشهر ذاته أعادت الرياض فتح قنصلية العراق في الرياض للمرة الأولى منذ 30 عاماً.
وفي نهاية المطاف، هناك الشعب العراقي الذي يجب أخذه في الحسبان. وأظهر استطلاع للرأي نشرته صحيفة «واشنطن بوست» حدوث تراجع بمقدار 41 نقطة مئوية في تقبل الشيعة العراقيين لإيران في الفترة بين 2015 و2018. وإضافة إلى ذلك، وفي ظل انقطاع التيار الكهربائي، ووجود 10 آلاف حالة تسمم نتيجة التلوث الصيف الماضي، خرج العراقيون إلى الشوارع احتجاجاً وغضباً من الحكومة المركزية لإهمالها الكبير للمواطنين. وألقى بعض المحتجين باللوم على إيران أيضاً، إضافة إلى حرق مكتب لميليشيا عصائب أهل الحق المدعومة من إيران. واقتحم العراقيون في البصرة القنصلية الإيرانية، وحطموا الأثاث قبل أن يشعلوا النار فيها. وكان إشعال النار في قنصلية إيرانية موجودة في إحدى أهم المدن الشيعية العراقية مؤشراً واضحاً إلى ما وصل إليه النفوذ الإيراني.
صراع نفوذ
وفي الواقع فإن الادعاء بأن إيران تسيطر لوحدها على العراق يتجاهل تصارع النفوذ للعديد من القوى الدولية، بما فيها الولايات المتحدة. وتحتفظ تركيا أيضاً بنفوذ كبير في العراق حيث يوجد لها نحو 10 قواعد عسكرية، وشنت مئات الضربات العسكرية على المنطقة الكردية.
وعلى الرغم من نفوذ طهران الكبير على بغداد إلا إن طموحاتها في العراق بدأت تفشل في العراق مراراً وتكراراً. وبالنظر إلى أن رئيس الحكومة عبدالمهدي كان مرشحاً توفيقياً بين الصدريين وتحالف الفتح، إلا أنه ليس تابعاً لإيران. ويؤكد رفضه الموافقة على إخراج القوات الأميركية من العراق على تفهمه بأن بغداد يجب أن تحتفظ بعلاقات وديّة مع العديد من القوى المتنافسة.
هارون مجيد كاتب عراقي
ثمة مؤشر على استقلالية العراق، يتمثل في زيارة روحاني إلى بغداد في مارس الماضي، والتي أعقبها بزيارة قام بها عبدالمهدي ووفد كبير يتألف من 12 وزيراً إلى السعودية. وفي الشهر ذاته أعادت الرياض فتح قنصلية العراق في الرياض للمرة الأولى منذ 30 عاماً.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news