التلوّث البلاستيكي يتسلل إلى مــاء الشرب.. والطعام.. والهواء
صادف الثامن من هذا الشهر اليوم العالمي للبيئة، ولاتزال النتائج المترتبة على إنتاج المواد البلاستيكية بشكل كبير واستهلاكها والتخلص منها تزداد سوءاً يوماً بعد يوم، وتشكل معضلة على صحة البيئة، لاسيما في المحيطات التي يتدهور وضعها بسبب التلوث البلاستيكي.
ويقول عالم الأحياء البحرية ومدير حملة المحيطات في منظمة «غرين بيس» بالولايات المتحدة الأميركية، جون هوسيفار، إن مشكلة المواد البلاستيكية جديدة نسبياً، ولكنها خطرة.
ويعتقد أن الإنتاج الضخم للبلاستيك ظهر في الخمسينات، واستمر في التوسع بشكل كبير منذ ذلك الحين، وكل البلاستيك الذي تم صنعه تقريباً «لايزال موجوداً على ظهر الأرض حتى هذا اليوم»، لأنه لا يتحلل مثل المواد العضوية، بل يتفكك إلى ما يسمى بالبلاستيك الجزئي، وهي جسيمات يقل قطرها عن خمسة ملليمترات، وتظل موزعة في جميع أنحاء الأرض.
وتؤكد المديرة التنفيذية لائتلاف التلوث البلاستيكي، ديانا كوهين، أنه تم إنتاج أكثر من 8.3 مليارات طن متري من البلاستيك على مستوى العالم خلال السنوات السبعين الماضية. ويقول هوسيفار: «يوجد الكثير من البلاستيك في البيئة في هذه المرحلة، فهو موجود في الماء الذي نشربه، والكثير منه موجود في الطعام الذي نأكله، وحتى الهواء الذي نتنفسه».
8 ملايين طن
في كل عام، يدخل ثمانية ملايين طن متري من البلاستيك إلى المحيط، وفقاً لدراسة أجريت عام 2016 ونشرها المنتدى الاقتصادي العالمي، وهذا يعني أن شاحنة قمامة مملوءة بالبلاستيك يتم إلقاؤها في المحيط كل دقيقة، وإذا لم يتوقف العالم عن هذه الممارسة، فقد يرتفع هذا العدد إلى أربع شاحنات من البلاستيك تدخل المحيط كل دقيقة، كما توقعت الدراسة. معظم البلاستيك لا يتم إلقاؤه عن قصد في المحيط، لكنه ينجرف في المصارف بفعل مياه الأمطار، أو تحمله الريح الى داخل المسطحات المائية، نظراً لأن البلاستيك خفيف الوزن، وأن الكثير من البلاستيك الموجود في مقالب القمامة لا يظل هناك لأنه خفيف الوزن، بل ينجرف بفعل عوامل كثيرة من مكان الى آخر.
وينتهي معظم البلاستيك في المحيط عبر الأنهار، خصوصاً سبعة أنهار في آسيا، كما تقول الباحثة في المواد البلاستيكية في المحيطات بجامعة نورث كارولينا والمديرة التنفيذية لمشروع بلاستيك المحيطات، بوني مونتيليوني. وتضيف أن «الرسالة لجميع أنحاء العالم هي أن قارة آسيا لسوء الحظ سبب المشكلة». ويجد البلاستيك طريقه إلى المحيط بغض النظر عن المكان الذي يعيش فيه الشخص الذي يستخدمه، وفقاً للخبراء. حتى إذا كان هناك من يستخدمون البلاستيك ويعيشون على قمة جبل، أو إذا كانوا على مستوى الأرض، فهناك احتمال كبير أن تحمله الرياح تجاه البحر أو تجرفه مياه الأمطار إلى هناك. على سبيل المثال، إذا كانت هناك بقايا بلاستيك في واشنطن العاصمة، يمكن أن يمر عبر مصارف المجاري التي تتدفق في نهر أناكوستيا، ومن هناك، يتدفق في نهر بوتوماك، ثم إلى خليج تشيسابيك، ثم إلى المحيط الأطلسي. وهذا طريق نموذجي للقمامة البلاستيكية للعديد من المناطق الساحلية. ويوجد حالياً خمسة تريليونات قطعة من النفايات البلاستيكية في محيطات العالم، وفقاً لمجموعة أوشان كلين آب، وهو مشروع مخصص لتخليص المحيط من النفايات.
كمية كبيرة
ويقول خبراء إن السبب في صعوبة تنظيف المحيطات من البلاستيك ينبع من حقيقة وجود كمية كبيرة من هذه المادة حالياً في هذه المحيطات، وإنه لا توجد طريقة حتى الآن لتنقية المياه من هذا الكم الهائل من هذه المواد، خصوصاً المواد البلاستيكية الدقيقة. وما يجعل الأمور أكثر تحدياً هو أن كل البلاستيك لا يطفو على سطح الماء، فقد تم العثور على البلاستيك في أبعد المناطق في المحيط، وفي أعماق مياه خندق ماريانا، وحتى في القطبين الشمالي والجنوبي.
الأبحاث التي أجريت على ما يعرف بـ«غريت باسيفيك غاربدج باتش»، وهي جزيرة بلاستيكية ضخمة عائمة بين كاليفورنيا وهاواي، أكدت أن حجم البلاستيك المايكروسكوبي بلغ سبعة أضعاف ما اكتشفه العلماء في مدن كبيرة مثل لوس أنجلوس وميامي ونيويورك. وقد ركزت بعض جهود التنظيف الناجحة على مصبات الأنهار في مسعى لالتقاط أكبر قدر ممكن من البلاستيك، قبل أن يتدفق في مياه المحيطات المفتوحة.
مشكلة السلاحف
أكثر من 800 نوع من الحيوانات البحرية تتأثر بالبلاستيك، والنظام البيئي البحري بأكمله ملوث الآن، وفقاً لما أكده مدير برنامج بحار خالية من القمامة، نيك مالوس. ويشكل البلاستيك مشكلة «ضخمة» للسلاحف البحرية، والحيتان، حيث تم اكتشاف الكثير من الرصاص والبلاستيك في أمعاء وخياشيم هذه الحيوانات البحرية الميتة التي تحملها التيارات الى الشواطئ. معظم السلاحف البحرية اليافعة تبتلع البلاستيك ومعظم الطيور البحرية تأكل البلاستيك وتغذي صغارها بالبلاستيك، وأن الأسماك من جميع الأحجام تأكل البلاستيك، حيث تمثل هذه الأسماك السلسلة الغذائية للبشر. وغالباً ما تموت الحيوانات التي تتغذى على البلاستيك «ميتة بطيئة ومؤلمة»، غالباً بسبب الجوع، لأن بطونها مملوءة بهذه المادة التي لا تنهضم أبداً.
ويقول خبراء إن أفضل وسيلة لمنع البلاستيك من الوصول الى المحيط هو عدم إنتاج الكثير منه، وإن «اللعبة ستتغير» عندما يعمل السياسيون والمسؤولون التنفيذيون في الشركات جنباً الى جنب مع المدافعين عن البيئة لسن سياسات لكوكب أكثر صحة. ويقول هوسيفار: «الخبر السار هو أن الجميع يدرك أن هناك مشكلة، وأنه لا يمكننا الاستمرار في هذا النهج، ومن المنطقي للناس عدم الاستمرار في صنع أدوات وأوانٍ يستخدمونها لمرة واحدة». ومع ذلك، سيتطلب ذلك نقلة كبيرة في كل من الصناعة والممارسات الفردية، وفقاً للخبراء. ويؤكد مالوس أن الشركات ستحتاج إلى «إعادة تصميم» منتجات التعبئة والتغليف البلاستيكية «جذرياً»، وأن البنية التحتية لجمع ومعالجة المواد البلاستيكية القابلة لإعادة التدوير ستحتاج إلى تحسين كبير.
ويضيف مالوس أن هذا يخص أيضاً الحكومات، التي ينبغي أن تسن تشريعات بشأن البلاستيك، على غرار الولايات المتحدة، التي فرضت بعض ولاياتها مثل كاليفورنيا وهاواي ونيويورك الحظر على إنتاج وتوزيع الأكياس البلاستيكية. وبهذه الطريقة «قد لا نكون قادرين على إزالة كل البلاستيك بالفعل من البيئة، ولكن يمكننا منع هذا من أن يصبح أكثر سوءاً».
إعادة التفكير في الطريقة التي يتم بها استخدام البلاستيك وإعادة استخدامه ستحدث فرقاً زلزالياً في كمية البلاستيك التي تنتهي في المحيطات، وفقاً للخبراء. ويقول هوسيفار إن هذا ينبغي أن يتضمن أشخاصاً يقولون «لا» للأكياس البلاستيكية، ويستخدمون بدلاً من ذلك العناصر القابلة لإعادة الاستخدام، والقابلة لإعادة التعبئة بشكل متزايد، بدلاً من استخدام العبوات القابلة للاستخدام مرة واحدة فقط.
تنظيف الشاطئ
بالإضافة إلى ذلك، تعتبر عمليات تنظيف الشاطئ أكثر فاعلية في كثير من الأحيان مما قد يظن الناس، وقد يتساءل البعض عن جدوى تطوعهم لتنظيف الشاطئ عندما ينتهي المطاف بهذه القمامة مرة أخرى الى الشاطئ نفسه. إلا أن هذه الطريقة واحدة من أفضل الطرق لتقليل كمية النفايات التي تدخل المحيط. وتقول مديرة برنامج التخلص من الحطام البحري التابع للإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي بأميركا، نانسي والاس، «ما نحتاج الى إنجازه فعلاً هو منع المزيد من النفايات من دخول محيطاتنا، هذا شيء يمكننا أن نحققه بالفعل».
كندا تتخذ خطوة جريئة للحد من أضرار البلاستيك
أعلنت كندا أنها ستحظر استخدام البلاستيك «الضار» الذي يستخدم مرة واحدة، في عام 2021 في محاولة للحد من النفايات البلاستيكية التي تذهب الى المحيطات. وتأتي هذه المبادرة على غرار تشريع مماثل أقره الاتحاد الأوروبي ودول أخرى العام الماضي. وستضع كندا أيضاً «أهدافاً» للشركات التي تصنع أو تبيع المواد البلاستيكية، لتكون مسؤولة عن نفاياتها البلاستيكية.
ويتم حالياً إعادة تدوير أقل من 10٪ من البلاستيك المستخدم في كندا. ووصف رئيس الوزراء الكندي، جاستن ترودو، مشكلة التلوث البلاستيكي بأنها تمثل «تحدياً عالمياً».
ولم تتخذ الحكومة الكندية بعد قراراً بشأن المنتجات البلاستيكية ذات الاستخدام الفردي، التي سيتم إدراجها في القائمة، لكنها قد تستهدف الأكياس البلاستيكية والسكاكين واللوحات وعصي التحريك البلاستيكية. وتنتج كندا نحو ثلاثة ملايين طن من النفايات البلاستيكية كل عام. ويقول ترودو: «إننا كآباء نأخذ أطفالنا إلى الشاطئ، وعلينا أن نبحث عن قطعة من الرمل لا تتناثر فيها القطع أو القوارير البلاستيكية». ويضيف «هذه مشكلة، علينا أن نفعل شيئاً حيالها».
جهود للحد من التلوّث البلاستيكي
وافقت حكومات 187 دولة على إدارة حركة النفايات البلاستيكية بين الحدود الوطنية، في محاولة منها للحد من المشكلات التي تنتج عن البلاستيك في العالم، إلا أن الولايات المتحدة ليست من بينها. ووافقت هذه الدول على إضافة البلاستيك إلى اتفاقية بازل، وهي معاهدة تنظم حركة المواد الخطرة من بلد إلى آخر، من أجل مكافحة الآثار الخطرة للتلوث البلاستيكي في جميع أنحاء العالم. وتمت إجازة الاتفاق في نهاية اجتماع دام أسبوعين للاتفاقيات التي تدعمها الأمم المتحدة في جنيف بسويسرا.
الولايات المتحدة واحدة من دولتين فقط لم تصدقا على هذه الاتفاقية. ويعني هذا القرار أن المواد الملوثة ومخاليط النفايات البلاستيكية، ستحتاج إلى موافقة مسبقة من الدول المستقبلة قبل الاتجار فيها.
على الرغم من أن الولايات المتحدة خارج هذه الاتفاقية، إلا أن الأمر ينطبق عليها عندما تصدر النفايات البلاستيكية إلى أي بلد في العالم، فقد أرسلت الولايات المتحدة نفاياتها البلاستيكية إلى بلدان مختلفة في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك الصين وماليزيا، لكنها واجهت في الآونة الأخيرة إجراءات صارمة في تلك البلدان، أثناء محاولتها التعامل مع كميات الفيضانات البلاستيكية عبر حدودها.
خلال العام الماضي، اتخذت دول أخرى في جنوب شرق آسيا، مثل تايلاند وفيتنام والهند خطوات لتقييد استيراد نفايات البلاستيك الأجنبية، الأمر الذي تسبب في تراكم حاويات من البلاستيك في موانئ أميركية في انتظار وجهتها. وقال الصندوق العالمي للحياة البرية إن هذه الخطوة الدولية الجديدة «خطوة مرحب بها للغاية نحو معالجة هذا الخلل، واستعادة النظام العالمي قدراً من المساءلة لإدارة النفايات البلاستيكية».
هذا الأسبوع وقّع ما يقرب من مليون شخص على عريضة عالمية تحث الحكومات الموقعة على «اتفاقية بازل» على التحرك، من خلال منع الدول الغربية من «إلقاء ملايين الأطنان من النفايات البلاستيكية داخل البلدان النامية بدلاً من إعادة تدويرها».
ورحبت المجموعات البيئية بهذه الخطوة. ويؤكد المنسق العالمي للتخلص من البلاستيك، فون هرنانديز، أن «هذه خطوة أولى حاسمة نحو الحد من استخدام الدول النامية كمكب للنفايات البلاستيكية في العالم، خصوصاً تلك القادمة من الدول الغنية». وأضاف أن «الدول في الطرف المتلقي من نفايات البلاستيك المختلطة، وغير المصنّفة من مصادر أجنبية لديها الآن الحق في رفض هذه الشحنات التي تنطوي على مشكلات، وهذا بدوره يجبر دول المصدر على التعامل معها».
5
تريليونات قطعة من
النفايات البلاستيكية
توجد حالياً في
محيطات العالم.