خوفاً من العقوبات الأميركية
الصين تبتعد عن شراء النفط الإيراني رغم العلاقات القوية بين البلدين
يصعب توقع ما سيحدث في سوق النفط مع تشديد العقوبات الأميركية على إيران. وفي الوقت الحالي، يبدو أن الهند واليابان وكوريا الجنوبية وتركيا ستكف عن شراء النفط الإيراني. وكانت هذه البلدان، إلى جانب الصين، المصدر الرئيس للنقد الأجنبي لإيران. ومن غير المرجح في الوقت الحالي أن تكسر الهند واليابان وكوريا الجنوبية وتركيا الحصار الأميركي على إيران. لقد أوضحت أنها لا تريد التجرؤ على الولايات المتحدة عندما رفضت منحها إعفاءات جديدة. وقالت الحكومة الهندية إنها ستعيد تقييم مشتريات النفط الإيراني الرخيص بعد الانتخابات. ومن المحتمل أن تستأنف الهند بعض عمليات الشراء، لكن بالتأكيد ليس بالقدر الذي يكفي لمنع انهيار الاقتصاد الإيراني.
ومع اقتراب الموعد النهائي لفرض العقوبات الأميركية الشهر الماضي، اشترت هذه الدول كميات هائلة من النفط من إيران لدعم مخزونها الاحتياطي. وبلغت إيرادات تصدير النفط 50 مليار دولار أميركي للسنة المالية الإيرانية 2018-19 (المنتهية في 20 مارس). وأسهم قطاع النفط في 70% من صادرات إيران. هذا الدخل ضروري لإدارة الحكومة الإيرانية ودفع رواتب 4.6 ملايين موظف، حيث إن النفقات السنوية للحكومة تصل إلى نحو 24 مليار دولار. ومع توقف المبيعات إلى الهند واليابان وكوريا الجنوبية وتركيا، ستواجه إيران وقتاً عصيباً للغاية بشأن زيادة العائدات للحفاظ على تماسك اقتصادها. وقد بدأ مخزون صندوق التنمية الوطنية واحتياطيات العملة يستنفد بالفعل.
طريق الحرير الجديد
لطالما كانت إيران تأمل أن تواصل الصين شراء نفطها لمنع انهيار الاقتصاد والحكومة. وهناك سببان يجعلان الصين تتجاهل العقوبات الأميركية ومواصلة شراء النفط الإيراني. يتمثل الأول في حقيقة أن نفط إيران رخيص ويناسب المصافي الصينية. والثاني يتعلق بموقع إيران الحيوي على طول حزام الصين وطريقه، وكذلك مبادرات سلسلة اللؤلؤ. وليس من المناسب للصين أن تسود الفوضى في إيران، أو تأتي حكومة في طهران موالية للولايات المتحدة. ومن المقرر أن تمر الطرق والقطارات وخطوط الأنابيب، والتي تمثل البنية التحتية لمبادرة الحزام والطريق، من الأراضي الصينية عبر آسيا الوسطى إلى إيران، ثم إلى غرب آسيا وعبر تركيا إلى أوروبا. ولا ينبغي التقليل من أهمية إيران في هذا المشروع.
في الأشهر القليلة الأولى من عام 2019، اشترت الصين نحو نصف صادرات إيران من النفط الخام. وأصبحت دعامة أساسية لإيران، التي يقول دبلوماسيوها بصراحة إنه إذا لم تعد الصين تشتري نفط إيران أو تستثمر فيها، فستستفحل مشكلات هذا البلد.
إن عمليات الشراء الضخمة للنفط الإيراني من قبل الصين، في الأسابيع التي سبقت نهاية الإعفاءات الأميركية، ليست دليلاً على استمرار هذه العلاقة. فقد أمرت شركات النفط الصينية بشراء طلبيات كبيرة لتخزين النفط تحسباً لانخفاضه. ويشير محللو النفط إلى أن المستوردين الصينيين الرئيسين للنفط، شركة الصين للبتروكيماويات، وشركة الصين الوطنية للبترول، لم يدخلا في أي عمليات شراء منذ انتهاء سريان الإعفاءات الأميركية.
لماذا لا تشتري الصين النفط الإيراني؟
تواصل الصين، المستهلك الأسرع نمواً في العالم للنفط، شراء النفط من الولايات المتحدة، أسرع منتج للنفط نمواً في العالم، على الرغم من أن هاتين الدولتين تخوضان حرباً تجارية، أدت إلى ارتفاع الرسوم الجمركية على مجموعة كبيرة من المنتجات، من الصلب إلى فول الصويا. ولم تفرض الصين أي تعريفات على واردات الولايات المتحدة من النفط الخام، لكنها خفضت مشترياتها من النفط الأميركي بنسبة 80%. وعلى الرغم من انسحاب الصين من سوق النفط الأميركية، فإنها لم تغلق الباب أمام عمليات الشراء المستقبلية.
وفي الوقت نفسه، زادت الصين مشترياتها النفطية من المملكة العربية السعودية بنسبة 43% في أبريل. وتشير كل الدلائل إلى أن الصين ستواصل زيادة مشترياتها من المملكة خلال هذا العام، لتحل محل مشترياتها من النفط الإيراني، وربما النفط الأميركي أيضاً. كما زادت الصين ببطء وارداتها من الغاز الطبيعي من أستراليا، وهو اتجاه من المتوقع أن يرتفع.
إن تكنولوجيا المراقبة الحديثة للناقلات، وانخفاض أسعار النفط، وفرض مزيد من القيود على تسوية الفواتير، جعلت من الصعب تهريب النفط إلى خارج إيران. وفي العام الماضي، بلغ مجموع كميات النفط المهربة من إيران 0.3 مليون برميل في اليوم. وهذا لا يكفي لتعويض مشتريات النفط التي أوقفتها دول شرق وجنوب آسيا. والعقوبات الأميركية، في هذا المناخ، جعلت مالكي الناقلات وشركات التأمين يتهربون من حمل النفط الإيراني.
وأصبحت الشركات الصينية عرضة لهذه الضغوط. ومع ذلك، يقال إن الناقلة التي تحمل العلم الليبيري «باسيفو برافو» قد حمّلت النفط الإيراني بعد انتهاء الإعفاءات وتتجه إلى الصين. وحتى كتابة هذه السطور، كانت الناقلة قبالة ساحل سريلانكا، وعندما تصل إلى الصين وتفرغ حمولتها، فإن الولايات المتحدة سترد بالشكل الذي تراه مناسباً.
محور إيران - العراق - سورية
كان وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف في بغداد يوم 26 مايو. والتقى نظيره العراقي محمد الحكيم، الذي قال إن الحكومة العراقية لا تعتقد أن «الحصار الاقتصادي» - أي العقوبات الأميركية - كان جيداً للمنطقة. «نحن ندعم إيران في موقفها»، وفي وقت سابق من شهر مايو، قال وزير النفط العراقي، ثامر الغضبان، إن بلاده ستواصل شراء الغاز الطبيعي الإيراني، وهو أمر ضروري لشبكة الكهرباء العراقية. وكان هذا على الرغم من الضغوط الأميركية لخفض مشتريات الغاز الطبيعي من إيران، واستبدالها من خلال صفقة بقيمة 14 مليار دولار مع شركات الطاقة الأميركية (بما في ذلك جنرال إلكتريك). وثمة مؤشرات إلى أن العراق لن ينحني للضغوط الأميركية في هذا الوقت. كما أن العراق لن يمنع النفط الإيراني من الذهاب إلى سورية بالشاحنات، وهو مصدر ضروري للطاقة في سورية.
درع الصين
أوضحت الصين أنها يمكن أن تشتري النفط الإيراني إذا كانت تستطيع الدفع باليوان أو اليورو، لكنها لا تريد أن تجعل إيران جزءاً من نزاعها مع الولايات المتحدة. الرغبة في جلب إيران إلى طاولة المفاوضات مع الولايات المتحدة غير موجودة في بكين. كما أن بكين ليست على استعداد لتزويد إيران بدرع وقائية. ولكن تتعرض الصين لضغوط بسبب مصالحها الخاصة في المنطقة. وقامت الصين ببناء ميناء كبير في جوادر بباكستان، والذي يهدف إلى معالجة عمليات النقل الطويلة للبضائع (والنفط) من الخليج العربي عبر مضيق ملقا إلى بحر الصين الجنوبي. ولكن هناك توترات في هذه المنطقة، حيث تتصاعد هجمات جيش تحرير بلوشستان على أهداف صينية.
وعلى بعد نحو 150 كيلومتراً إلى الغرب من جوادر يوجد ميناء تشابهار الإيراني، الذي تم تطويره بمساعدة هندية. وسمحت الولايات المتحدة، بناءً على طلب من الحكومة الأفغانية، باستمرار مشاركة الهند في إنشاء ذلك الميناء، والذي يشمل خطوط نقل إلى الحدود الأفغانية عبر إيران. وأشارت إيران إلى أنها ستكون مهتمة بإعطاء الصين دوراً في هذا الميناء، إذا بدأت الهند في الابتعاد عنها.
وزادت الصين وجودها في غرب آسيا، ولكن ليس إلى حد الوقوع في صراع يجر عليها المآسي. وهذا يعني أن إيران لا يمكنها الاعتماد بشكل كامل على الصين. ومع ذلك، فإن الصين هي الترياق الوحيد لإيران التي تتعرض للخنق من قبل الولايات المتحدة.
إنتاج النفط العالمي في ارتفاع مستمر، وبالمثل مخزونات النفط. وبالتالي فإن أسعار النفط تشهد انخفاضاً ملحوظاً، ومن المرجح أن تنخفض أكثر بسبب انخفاض الطلب العالمي. ومن المفترض أن تطلق أسعار النفط المنخفضة الإنذارات في طهران، حيث ستنخفض العائدات الخارجية الإيرانية، وكذلك أهمية إيران بالنسبة للمستوردين الصينيين. ولعل السبب الوحيد الذي يجعل الصين تقدم الحماية لإيران هو مبادرة الحزام والطريق، وليس النفط.
• ليس من المناسب للصين أن تسود الفوضى في إيران، أو تأتي حكومة في طهران موالية للولايات المتحدة. ومن المقرر أن تمر الطرق والقطارات وخطوط الأنابيب، والتي تمثل البنية التحتية لمبادرة الحزام والطريق، من الأراضي الصينية عبر آسيا الوسطى إلى إيران، ثم إلى غرب آسيا، وعبر تركيا إلى أوروبا.
• زادت الصين مشترياتها النفطية من المملكة العربية السعودية بنسبة 43% في أبريل. وتشير كل الدلائل إلى أن الصين ستواصل زيادة مشترياتها من المملكة خلال هذا العام، لتحل محل مشترياتها من النفط الإيراني، وربما النفط الأميركي أيضاً. كما زادت الصين ببطء وارداتها من الغاز الطبيعي من أستراليا، وهو اتجاه من المتوقع أن يرتفع.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news