وزير الخارجية الألماني يفشل في إنقاذ الاتفاق النووي مع إيران
ذهب وزير الخارجية الألماني، هيكو ماس، إلى طهران خالي الوفاض، وعاد منها خالي الوفاض، هكذا قال المحللون. لم تحدث «معجزة في طهران»، بمعنى أنه لم ينقذ الاتفاقية النووية، كما ظل التصعيد في المنطقة كما هو. وعلى أي حال، لا ينبغي أن يتوقع أحد أن تتمخض زيارته هذه إلى «منطقة الأزمة» عن توقعات كبيرة، كما وصفها المتحدث باسم ماس. الطرف المسؤول فعلاً عن التصعيد في الخليج، وهو الولايات المتحدة، لم يكن أصلاً موجوداً على طاولة المناقشات. وأجرى ماس محادثات مع نظيره الإيراني، جواد ظريف، في طهران، في محاولة لتخفيف التوترات في الخليج العربي، إلا أن الخبراء يعتقدون أن الزيارة من غير المرجح أن تكون قد حققت أي تقدم، إذ إن حملة «الضغوط القصوى» التي تقوم بتنظيمها واشنطن تهدف إلى خنق الاقتصاد الإيراني. وبالفعل فقد انهارت صادرات النفط، ونتج عن ذلك تضخم حاد في البلاد، وظلت العملة في حالة سقوط حر، وتصاعد الضغط أيضاً على السياسة الداخلية الإيرانية، والنتيجة هي أن الصبر الاستراتيجي الإيراني بدأ في النفاد، ويبدو أن طهران تسعى للحصول على مساعدة ملموسة لمقاومة العقوبات الأميركية عليها، أو تعليقها على الأقل، وإلا، كما هددت من قبل، فإنها ابتداءً من السابع من يوليو، ستنتهك بعض التعهدات الخاضعة للرقابة في الاتفاقية النووية، خصوصاً تجاوزها الحد المسموح به في تخصيب اليورانيوم.
ليس لدى الأوروبيون ما يقدمونه
في طهران، أكد ماس على أهمية الاتفاق النووي، قائلاً إنه «مهم للغاية» بالنسبة لأمن أوروبا. وقال أيضاً إن ألمانيا وشركاءها الأوروبيين «بذلوا أقصى جهد للوفاء بالتزاماتهم»، لكن إيران تفكر بطريقة أخرى، حيث قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، عباس موسوي «حتى الآن لم نر خطوات عملية وملموسة من الأوروبيين لضمان مصالح إيران.. طهران لن تناقش أي مسألة تتجاوز الاتفاق النووي». وأضاف «ما نتوقعه من الاتحاد الأوروبي هو أن يتصرف وفق التزاماته»، لكن الدبلوماسي الألماني الكبير لم يستطع أن يفعل أكثر من مجرد الإشارة إلى قناة التبادل التجاري الأوروبية «نستكس» كوسيلة للالتفاف على العقوبات المالية الأميركية، وعلى الرغم من ذلك لم تتم حتى الآن معاملة واحدة عبر هذا النظام.
الأوروبيون يدعمون الاتفاق النووي بحسن نية، لكنهم لا حول لهم ولا قوة بشأن إبقاء الاتفاق على قيد الحياة، خلافاً لإرادة الإدارة الأميركية، ولا يمكنهم تسهيل التبادل الاقتصادي والتجارة الذي وعدوا به إيران مقابل تخليها عن برنامجها النووي. وتخشى البنوك، على وجه الخصوص، والشركات التي لديها استثمارات في الولايات المتحدة، من أن تصبح هدفاً للسلطات المالية الأميركية.
ويزداد الوضع تعقيداً بسبب حقيقة أن واشنطن لا يبدو أن لديها وسائل محددة في ما يتعلق بتحقيق أهدافها بالفعل في إيران، هل هي تغيير النظام، كما يشير إلى ذلك مستشار الأمن القومي، جون بولتون؟ أم مجرد «صفقة أفضل» من صانع الصفقات، الرئيس الأميركي، دونالد ترامب؟ وإذا كانت الولايات المتحدة حريصة حقاً على إجراء مزيد من المحادثات، كما قال كل من ترامب ووزير خارجيته، مايك بومبيو، فلماذا تم مزج هذا العرض فوراً مع تشديد آخر للعقوبات، كما حدث يوم الجمعة الماضي؟ وعلى أي حال، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا يجب أن تثق طهران بأي وعود جديدة تخرج من البيت الأبيض، في الوقت الذي ترفض فيه الولايات المتحدة بالفعل الاتفاق الذي تم التفاوض عليه مسبقاً؟
كل القنوات مهمة
ومع توجه حاملات الطائرات والجنود وأسراب الطائرات المقاتلة، بالفعل نحو الخليج، فمن الأفضل أن يتوجه الدبلوماسيون إلى هناك أيضاً، الوضع خطر للغاية، ولا يريد أي من الطرفين الحرب ــ مع استثناء محتمل للصقر بولتون ــ لكن الجميع يستعدون لها ويتوقعونها، وفي هذه الحالة، يمكن أن يؤدي سوء التفاهم إلى كارثة محتملة. كل قنوات الاتصال لا تقدر بثمن، خصوصاً إذا كانت واشنطن والرياض متصلتين أيضاً بهذه القنوات في مكان ما، كما هو الحال مع زيارة رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي إلى طهران، بناءً على طلب ترامب، أو زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، إلى برلين.
لكن في النهاية، لا مفر من ضرورة إجراء محادثات مباشرة بين طهران وواشنطن. إن العالم بأسره لديه مصلحة في هذه المحادثات، وقدم ماس هذا الطرح في طهران، لكن إيران لن تجلس على طاولة المفاوضات في الوقت الذي يمسك سكين العقوبات بخناقها.
بعد أن خرجت الولايات المتحدة عن الاتفاقية النووية الموقعة مع إيران، وفرضت العقوبات عليها، هددت الحكومة في طهران بالانسحاب من الصفقة النووية ما لم يقدم الموقعون الآخرون المساعدة في وقف بدأ فيه تأثير العقوبات الأميركية يظهر واضحاً عليها. وفي مايو، قالت طهران إنها ستبدأ تخصيب اليورانيوم قريباً من مستويات صنع الأسلحة، إذا لم تتوصل أوروبا إلى شروط جديدة للصفقة بحلول السابع من يوليو. وفي ظل هذه الخلفية، حاول وزير الخارجية الألماني إنقاذ الاتفاق عن طريق رفع العقوبات الدولية عن طهران، وينظر إلى رحلة ماس في الشرق الأوسط، التي استغرقت أربعة أيام، والتي زار خلالها الأردن والعراق والإمارات العربية المتحدة، على أنها مهمة دبلوماسية كبرى من جانب ألمانيا، لتخفيف حدة التوترات، وربما تجنب مواجهة عسكرية في الشرق الأوسط.
صراع أوسع
لم تعد التوترات بين واشنطن وطهران مقصورة على الاتفاق النووي الإيراني، لقد تصاعدت بشكل كبير خلال الشهر الماضي، حيث تتهم الولايات المتحدة إيران بمواصلة نشاطها الخبيث، والتهديدات غير المحددة ضد الولايات المتحدة وحلفائها. وزادت واشنطن أيضاً من وجودها العسكري في المنطقة، من خلال نشر مجموعة حاملة طائرات وصواريخ وسرب من طراز B-52.
ويقول الصحافي الإيراني والمحلل السياسي الإيراني، مهدي مهدوي آزاد «من وجهة نظر إيران، ستخسر طهران كل النفوذ ضد الولايات المتحدة إذا تخلت عن اليمن وسورية، وتخلت عن برنامجها الصاروخي». وقال إن ماس ينظر إلى هذه التنازلات على أنها «تنازلات صغيرة»، لكن بالنسبة لطهران، فهي «بطاقات رابحة حقيقية» ضد واشنطن. وأشار إلى أن تحقيق التوازن هو «التحدي الأساسي» الذي يواجهه ماس، «لهذا السبب أصبح من الواضح منذ البداية أن زيارة وزير الخارجية الألماني ستواجه بالفشل». ماس لديه الآن مهمة صعبة، فبينما تريد السلطات الإيرانية أن تقتصر المحادثات على الصفقة النووية فقط، فإن برنامج تطوير الأسلحة في إيران ودعمها للجماعات الشيعية في الشرق الأوسط يظلان مصدر قلق، ليس فقط في واشنطن، بل في العواصم الأوروبية أيضاً.
ووصف ماس برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني بأنه «إشكالي». ولم تلق هذه التصريحات قبولاً في طهران، حيث قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، عباس موسوي، إن «المسؤولين الأوروبيين ليسوا في وضع يسمح لهم بالتعليق على قضايا إيران خارج نطاق الصفقة النووية».
كما اتهم المسؤولون الإيرانيون الأوروبيين بعدم وجود توافق في الآراء بشأن تعاملاتهم مع طهران. وقال مهدي مهدوي آزاد إن العلاقات الألمانية الإيرانية لم تكن في حالة جيدة خلال الأشهر القليلة الماضية. «ألمانيا غير راضية عن أنشطة الصواريخ الإيرانية، ودور طهران في اليمن وسورية، وفي الوقت نفسه، فإن إيران غير راضية عن عجز ألمانيا عن مساعدتها في التحايل على العقوبات الأميركية».
ماس يواجه مهمة صعبة، فبينما تريد السلطات الإيرانية أن تقتصر المحادثات على الصفقة النووية فقط، فإن برنامج تطوير الأسلحة في إيران ودعمها للجماعات الشيعية في الشرق الأوسط يظلان مصدر قلق، ليس فقط في واشنطن، بل في العواصم الأوروبية أيضاً.