ساسة سودانيون يحذِّرون من مخاطر «الانتقالية».. ويدعون الحركات المسلحة إلى السلام
حذر قادة في «قوى الحرية والتغيير» بالسودان، وساسة وأكاديميون سودانيون، من التحديات الصعبة التي ستواجه تنفيذ اتفاق المرحلة الانتقالية بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير في السودان، واعتبروا أن مسيرة الثورة تسير بخطى تدريجية نحو تحقيق أهدافها، وشددوا على ضرورة تعزيز الثقة بين «المجلس» و«الحرية والتغيير»، مشيرين إلى أن انفلات الموقف في السودان سيؤدي ليس فقط إلى حرب أهلية داخلية، بل إلى حرب شاملة في عموم المنطقة. جاء ذلك في ندوة شهدتها الجامعة الأميركية بالقاهرة، مساء أول من أمس (الإثنين)، بعنوان «الثورة السودانية: الفرص والتحديات»، تحدث فيها القيادي في قوى الحرية والتغيير، مساعد أمين حزب الأمة القومي، الدكتور صلاح مناع، والكاتب والمفكر السياسي الدكتور الشفيع الشيخ، ومدير المنتدى الاقتصادي والخبير التنموي، الدكتور إبراهيم البدوي، وأدارها البروفيسور حامد التيجاني علي.
وقال الشفيع الشيخ، في مستهل كلمته، إن «الثورة السودانية جاءت معبرة عن كل الفئات، والطوائف والإثنيات والأطياف السياسية لكل الشعب السوداني، إلا الذين كانوا لحظتها في الحكم، وهي ليست ثورة لون سياسي معين ولا ثورة جياع، وليست لها أهداف سياسية آنية، هي انتفاضة جيل بأكمله وضع انقلاب الإنقاذ عام 1989 أمامه - أي أمام هذا الجيل - سداً مثلما وضع الإسرائيليون خط بارليف، وتعرضت في ظل حكمه - أي حكم الإنقاذ - المرأة لقمع وقهر استثنائي لم تمر المرأة به من قبل في السودان، وهذا يفسر لماذا كان الشباب من عمر 20 إلى 30، والمرأة من مختلف الأعمار في مقدمة صفوف الثورة، وهو وضع كان محل تساؤل العالم الخارجي، ولم تشهد الثورات السودانية في طبعاتها المتتالية في عام 1964، وعام 1985 مثيلاً له.
وأضاف «لقد وضع حكم الإنقاذ الشباب والمرأة أمام خيارات ظرفية، بين السلفية والتطرف والعولمة، بين البقاء والهجرة، فاختار الشباب والفتيات البقاء والمقاومة والتغيير». وتابع الشيخ أن «الثورة السودانية اتسمت بصفات فريدة ميزتها عن غيرها، أبرزها تسخير الشباب للتكنولجيا في الحراك الثوري، لذا كان عداء السلطات للإنترنت سافراً وفجاً، ولايزال مقطوعاً حتى اليوم، إذ اعتبروه سلاحاً ثورياً يجب حرمان الشعب من التسلح به. كما اتسمت ثورة 19 ديسمبر أيضاً بإثباتها نهاية الحاجة إلى (الزعيم الكاريزما)، فقد انتهى عهد ذلك الزعيم وحل مكانه القيادي المتساوي في الحقوق والواجبات مع الجماعة، لم يعد القائد السياسي المناضل المحترف القديم، وأصبح هو ذلك الذي يعمل ويعيش كما الباقون ثم يعود من عمله ليناضل مع مجموعته. كذلك فإن الثورة الجديدة اتسمت في هتافاتها بطرائق جديدة كانت مدهشة لجيل الآباء، فلم نكن على أيامنا نهتف بتلك الترانيم وتلك الهتافات التي تشبه مقاطع الأغاني، كنا نهتف بطريقة تبدو صارمة».
وحول الموقف من الاتفاق بين المجلس العسكري والحرية والتغيير، قال الشيخ «الثورة ليست كل شيء أو لا شيء، هذا حدث في كل ثورات العالم، في الثورة الفرنسية، في ثورة كروميل، وهكذا. هناك هبات وقفزات شهدتها ثورة ديسمبر، الخروج في 18 من الشهر نفسه، التقدم نحو القيادة العامة في أبريل، تظاهرات 30 يونيو المليونية، هذه كلها هبات تحدث فيها قوة دفع للثورة ثم يحدث توقف نسبي. الثورة بدأت باحتجاجات مطلبية، ونظام (الرئيس المعزول عمر) البشير ظل يقول إنها حركة مطلبية، وتصور أنها بكونها كذلك يمكن أن يحتويها، لم يدرك أن التحركات المطلبية يمكن أن تكون سياسية. وهكذا كانت البدايات التي تشكل عليها مشروع انتفاضة فثورة شاملة».
وحول مطالب المرحلة المقبلة، قال الشيخ إن «القوى التي نظمت الثورة تحتاج إلى إعادة بناء أو تنظيم، فتتحول من قوة تحريك إلى قوة دعم لحكومة وبرنامج، وهناك فرق شاسع بين المهمتين، كما أن هناك احتياجاً إلى إبرام اتفاق مع الحركات المسلحة، وضرورة التحقيق العاجل في مجزرة 29 رمضان، وضرورة إسناد المناصب في المرحلة الانتقالية للكفاءات دون أدنى ميل، لا للمحاصصة السياسية أو للرومانسية السياسية، وضرورة تنفيذ برنامج اقتصادي إسعافي عاجل».
الاقتصاد ضحية
من جهته، دعا إبراهيم البدوي، في كلمته، إلى إعطاء أهمية قصوى للاقتصاد في حل الأزمة السودانية، مؤكداً أن «الاقتصاد كما كان ضحية السياسة في السودان، يمكن اليوم أن يكون منقذها».
وقال البدوي «إذا كان خبراء السياسة يقولون إن (الربيع العربي) حدث في المنطقة في دول اختل فيها العقد الاجتماعي، فإننا نقول إن السودان لم يكن فيه عقد اجتماعي من الأساس، وإن العقد الذي كان موجوداً هو عقد أيديولوجي (إخواني) تمكيني، أدى إلى تدمير أهم منجزات الشعب الاقتصادية منذ استقلاله».
وأضاف أن «نظام الإنقاذ شرذم السودان إلى مؤسسات ميليشياوية ما دون القومية، سيطرت على الموارد الريعية، وأن سيطرة وزارة المالية على الموارد والاقتصاد كانت مشكوكاً فيها، وأن المهمة الأولى للثورة هي إعادة هذه السيطرة».
وأشار البدوي إلى أن «هناك محوراً آخر اقتصادياً استراتيجياً منوطاً بالثورة بين المركز والهامش، يتعلق بتخصيص الموارد بعيداً عن الزبائنية، فالتنمية بتعبير عمر عبدالدايم لم تغادر دولة العبدلاب القديمة (أي وسط النيل)، كذلك هناك حوار حول المركز الإداري والأقاليم فتقسيم السودان إلى 16 ولاية ليس له جدوى مالية أو اقتصادية، وإنما يستهدف الولاءات والترضيات ما دون القومية، الأمر الذي أدى إلى تدهور رأس المال البشري والاجتماعي، وتعدد الجبايات، وهناك مثال على ذلك أن الصمغ العربي يتعرض لـ17 جباية، كذلك فإن الاقتصاد مفيد كمدخل للحوار مع الإقليم، خصوصاً الجارتين مصر وإثيوبيا، ومهم أيضاً في الحوار بين الطبقة الوسطى والطبقات الفقيرة».
بدوره، قال صلاح مناع، في كلمته، إن «ثورة الشعب السوداني ضد حكم (الإخوان المسلمين) في السودان لم تبدأ اليوم، وإنما بدأت منذ اللحظة الأولى لقيام انقلاب الإنقاذ عام 1989، حيث حدثت انتفاضة رمضان بالجيش، والتي قتل فيها ضباط (الإخوان المسلمين) إخوانهم الضباط بمسمى الحرابة، وبدأت بنضالات قوى الهامش، وبدأت برفض الاستغلال السياسي للدين، الذي كان أكثر تطبيقاته فجاجة تبرير فصل الجنوب عن الوطن تحت رايات دينية، وصلت إلى الحد الذي قال فيه أحد قادة الإنقاذ، إنه تطبيق للآية الكريمة: ﴿لكم دينكم ولي دين﴾».
وأضاف أن «الثورة السودانية فريدة ويتيمة، فكل هبات (الربيع العربي) كانت مدعومة دولياً إلا ثورتنا فهي سودانية 100%، وقد واجهت عنفاً لم يواجهه شعب، ونظام (الإخوان) تعامل معنا كمستعمر، والإعلام العربي لاذ بالصمت». وتابع مناع «هناك تحديات جمة تواجه الثورة السودانية اليوم، في مقدمتها تحدي السلام، ونحن نناشد الحركات المسلحة، بوصفها جزءاً منا من الثورة والتغيير، أن يكون هناك اتفاق سلام عاجل ولا نكرر أخطاء 1956 و1964 و1985، اتفاق إطاري سريع، ليصبحوا شركاء في الحكم، لأن عدم مشاركة الهامش يعني آلياً إعادة إنتاج الأزمة».
• الثورة السودانية فريدة ويتيمة، وقد واجهت عنفاً لم يواجهه شعب آخر، كما أن نظام «الإخوان» تعامل مع شعبه كمستعمر، وجلُّ الإعلام العربي لاذ بالصمت.
• الثورة السودانية جاءت معبرة عن كل الفئات والطوائف والإثنيات والأطياف السياسية للشعب السوداني.