ينظّمها جيل ما بعد الاتحاد السوفييتي
احتجاجات تسعى لتحديد حكم روسيا بعد نهايـة عهد بوتين
التظاهرات التي اندلعت في موسكو، وأجزاء أخرى من روسيا، أثارت حماسة من ينتظرون بقلق الإشارة الشعبية التالية التي ستطلق ثورة ملونة في روسيا نفسها. ويوفر هذا النوع من اللعب على المدى القصير تكهنات مثيرة للاهتمام، لكنه يفتقر إلى الصورة الأشمل على المدى الطويل. وسواء نجح احتجاج ما، في إحراز أي تغيير أم لا (على سبيل المثال تسجيل مرشحين للمشاركة في الانتخابات البلدية أو منع تحويل حديقة لموقع بناء كنيسة)، فهو أقل أهمية من فهم تداخل قضيتين: هما التناوب على السلطة عام 2004، وبلوغ أول جيل ما بعد الاتحاد السوفييتي إلى سنّ الرشد.
والروس ميالون للاحتجاج، خصوصاً إزاء الأداء الاقتصادي الضعيف في بلادهم، ولكن على ما يبدو فإن الأمر الذي يجعل هذه الموجة الأخيرة من التظاهرات مختلفة عن غيرها، هو أنها تأتي على خلفية أول المشاركات الهادفة إلى تحديد كيف سيتم حكم روسيا، عندما تنتهي هذه المجموعة من فترات الحكم الرئاسية للرئيس فلاديمير بوتين. وهي تذكر بأنه كان هناك اضطراب وتوتر في روسيا قبيل الحل الذي تم التوصل إليه قبيل عام 2008، والذي تم عن طريق اتخاذ قرار يقضي بتبادل رئيس الحكومة ديميتري ميدفيدف الأدوار مع بوتين. ولكن هذه المرة بدأت الاضطرابات مبكرة أكثر، ويرجع ذلك من ناحية إلى أن بوتين أصبح أكبر سناً، واحتمال مرضه وعجزه أكبر، ومن ناحية أخرى لأن خبراء السياسة في الكرملين لم يكونوا قادرين خلال السنوات الـ12 الماضية على تشكيل عملية سياسية مستقرة من شأنها أن تؤدي إلى انتقال سلس في القيادة.
ولكن هل يتم تغيير الدستور ليمنح بوتين فترة رئاسية مدى الحياة، كما تم في الصين لمصلحة رئيسها تشي جين بنغ؟ هل يرتكب بوتين خطأ رئيس كازاخستان السابق نور سلطان نزارباييف، والذي كان مساعدوه قد تبنوا أحد السيناريوهات التي كانت مطروحة على بوتين عام 2008، استناداً إلى أسلوب سنغافوري استخدم من أجل رئيس سنغافورة السابق، لي كوان يو، حيث تم استحداث منصب فخري له يسمح له بالإشراف الأخير على الدولة؟ أو تشكيل دولة اتحادية مع بيلاروسيا يكون بوتين هو الرئيس القومي لها؟ أو أنه حان الوقت لانتقال عام يشهد تحولاً شاملاً في الحكم إلى الرجال الشبان؟ (نظراً لعدم وجود نساء في قائمة القادة المرشحين لقيادة روسيا).
وجميع هذه الأسئلة السياسية فيها الخاسرون والرابحون، كما أن كيفية إدارة انتقال القيادة تتسم بأهمية عظيمة ووجودية لمختلف المجموعات الموجودة في الكرملين.
ويعتمد بعض هذه المجموعات وقادتهم بصورة شاملة على العلاقات الشخصية مع بوتين من أجل وجودهم وبقائهم، وبناءً عليه فان احتمال تغييره سينطوي على مخاطرة كبيرة. وأما بالنسبة للآخرين، فإن التغيير نحو نظام أكثر دستورية في التعاقب على السلطة يمكن أن يضمن لهم مناصبهم. ويشكل وجود الاحتجاجات، وكيفية التعامل معها ومدى قمعها أو استيعابها، مخاطر وفرصاً بالنسبة لمختلف المجموعات. ويمثل الناشط الروسي المعادي للفساد، المحامي إليكسي نافالني، خطراً كبيراً على بعض موظفي الكرملين، بيد أن آخرين يتسامحون معه ضمنياً على أمل استخدام ما يكشفه من فساد سياسي كسلاح ضد أعدائهم الداخليين.
تغيّر الأجيال
ويعتبر عنصر تغيّر الأجيال في الاحتجاجات مسألة مهمة. وتمثل الناشطة الروسية ليوبوف سوبول، التي ظهرت باعتبارها وجهاً عاماً للاحتجاجات في موسكو، جزءاً من «الجيل ب»، هذا الجيل الذي ترافق وصول أفراده إلى النضوج السياسي مع وجود بوتين الطاغي في السياسة الروسية، سواء كرئيس للدولة أو كرئيس حكومة. وولدت في عام 1987، وهي لا تملك، وكذلك المتظاهرون الاخرون، أي ذكريات عن الاتحاد السوفييتي، وإنما ذكريات طفولية عن انهياره في تسعينات القرن الماضي. ودخلت سن البلوغ في وقت كان النمو الاقتصادي جيداً.
ويرى البعض من أفراد «جيل ب» الذين عاصروا تعافي قوة روسيا وإعادة اكتشاف مكانتها في العالم، أن نقاشات بوتين حول سعي الغرب جاهداً لإبعاد روسيا عن الوصول إلى مكانتها الملائمة تحت الشمس، مقنعة وكانت تتردد باستمرار. ولكن آخرين يرون أن وجود بوتين في السلطة طرح تساؤلاً مفاده لماذا هو بحاجة إلى السلطة كي ينهي العمل الذي بدأه في عام 2000. وتحدث بوتين ومستشاروه خلال فترة العقد الماضي عن تهديدات ناجمة عن خطر حكم الأقلية الذين يفسدون الحكومة، ويمنعون قيام الديمقراطية الروسية باعتبارها أحد الأسباب الرئيسة لتشكيل السلطة العمودية التي كان يقصد بها بوتين تشديد المركزية والحكم من الأعلى. لكن روسيا لديها طبقة جديدة من حكم الأقلية فعلياً، والاقتصاد يعاني الركود، كما أن القمع السياسي لن يؤدي الى تغيير هذه الحقائق.
عقبات
وتشكل الاحتجاجات عقبات أمام خطط تشكيل إطار مستدام وطويل الأمد بالنسبة للكرملين. خلال العقد الماضي، قال المستشار الرئيس لبوتين في السياسة المحلية، فديسلاف سوركوف، عن طموحه بالنسبة لمستقبل روسيا، أن يكون فيها حزب على طراز الحزب الليبرالي الديمقراطي في اليابان أو حزب المؤتمر الهندي، أي أحزاب حاكمة فازت في الانتخابات وكانت قادرة على الحكم، ومن ثم نقل السلطة. وبالطبع فإن حزب روسيا المتحدة الحاكم لا يتشابه بالمطلق من حيث التركيبة مع هذه الأحزاب، فهو «حزب سلطوي» روسي، لكن سجله كحزب حاكم وقادر على الوفاء بوعوده لناخبيه مختلف تماماً. وكانت الإصلاحات المقترحة لانتخابات البرلمان الروسي الهادفة إلى تخفيض عدد المقاعد المخصصة لكل حزب والعودة إلى تنافس المرشحين المستقلين، مدفوعة بإدراك الكرملين أن قلة من الناخبين يمكن أن يدلوا بأصواتهم لمصلحة مرشحي حزب روسيا المتحدة كقائمة، وإن كانوا مستعدين للتصويت لمرشحين من أنصار بوتين.
ويهدف الكرملين من هذه الإصلاحات إلى المحافظة على مصالحه، أي إبقاء سيطرته على العملية السياسية التي لاتزال تعتمد، في نهاية المطاف على شرعية الانتخابات. ويشكل هؤلاء المتظاهرون إشارة تحذير إلى المشكلة الماثلة في الافق.
نيكولاس غفوسديف محرر مساهم في «ناشونال إنترست»
روسيا لديها طبقة جديدة من حكم الأقلية فعلياً، والاقتصاد يعاني الركود، كما أن القمع السياسي لن يؤدي إلى تغيير هذه الحقائق.
يمثل المحامي الروسي إليكسي نافالني، خطراً كبيراً على بعض موظفي الكرملين، بيد أن آخرين يتسامحون معه على أمل استخدام ما يكشفه من فساد كسلاح ضد أعدائهم.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news