إيران تتجه للحصول على أسلحة ثقيلة قريباً
رغم أن العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة الأميركية على إيران بداية من 7 أغسطس 2018 وحتى الآن، أدت إلى تقليص العوائد التي كانت تطمح الأخيرة في الحصول عليها بعد الوصول للاتفاق النووي ورفع العقوبات الدولية، فإن ذلك لم يدفع طهران إلى اتخاذ قرار بالانسحاب من الاتفاق على غرار الخطوة التي اتخذتها واشنطن، وهو ما يمكن تفسيره في ضوء حرصها على تجنب إعادة الأزمة النووية إلى مربعها الأول من جديد.
لكن ثمة اعتبارات أخرى دفعت إيران إلى ذلك، أهمها أن هناك مكاسب مُؤجَّلة يتيحها الاتفاق النووي واقترب موعد حصول إيران عليها، وتتعلق برفع الحظر المفروض على بيع وشراء إيران للأسلحة التقليدية، خصوصاً الدبابات ومنظومات الدفاع الجوي، على نحو يمكن أن يدفعها إلى رفع مستوى الدعم الذي تقدمه للميليشيات الإرهابية والمسلحة في المنطقة، فضلاً عن بعض الدول، إلى جانب إبرام صفقات تسليح نوعية مع بعض القوى الدولية مثل روسيا.
المرحلة الأولى
اقتربت المرحلة الأولى من الاتفاق النووي، التي تمتد إلى خمس سنوات، من الانتهاء، حيث يتوقع، وفقاً لما جاء في قرار مجلس الأمن رقم 2231 الذي رفعت بمقتضاه العقوبات الدولية التي كانت مفروضة على إيران، أن يرفع الحظر الذي كان مفروضاً عليها، بمقتضى القرار الدولي رقم 1747، في ما يتعلق ببيع وشراء الأسلحة التقليدية.
وحدد القرار تلك الأسلحة وهي الدبابات القتالية، والمركبات القتالية المدرعة، ونظم المدفعية من العيار الكبير والطائرات العمودية الهجومية، والسفن الحربية والصواريخ ومنظومات الصواريخ وما يتصل بها من أعتدة، لاسيما قطع الغيار.
وهنا فإن إيران قد تلجأ فعلاً خلال الفترة التالية على بداية عام 2021 إلى اتخاذ خطوات إجرائية لتفعيل هذه المكاسب المُؤجَّلة، وهو ما دفع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى التحرك من أجل منع إيران من تحقيق ذلك، حيث بدأت حملة دبلوماسية جديدة للإشارة إلى المخاطر التي يمكن أن تنجم عن رفع الحظر المفروض على إيران في هذا الصدد،إذ نشرت وزارة الخارجية الأميركية بياناً في 13 أغسطس 2019، حذرت فيه من أن «الوقت المتبقي للاتفاقيات الدولية التي تقيد إيران قارب على الانتهاء، حيث سيسمح ذلك لقائد فيلق القدس قاسم سليماني بالسفر في 18 أكتوبر 2020 وسيكون النظام الإيراني حراً في بيع أسلحة لأي شخص، وستكون دول مثل روسيا والصين قادرة على بيع دبابات وصواريخ وأجهزة دفاع جوي لإيران».
وتوازى ذلك مع تغريدات نشرها وزير الخارجية مايك بومبيو حذر فيها من احتمال اندلاع سباق تسلح في المنطقة، في حالة ما إذا اتجهت إيران إلى تطبيق المعطيات الجديدة التي يتيحها رفع الحظر الذي كان مفروضاً عليها في مجال بيع وشراء الأسلحة التقليدية.
وهنا، تجدر الإشارة إلى أن التحذير الخاص برفع الحظر عن سفر بعض القادة العسكريين الإيرانيين، وعلى رأسهم قاسم سليماني، لا يبدو أنه سيكون له تأثير كبير، باعتبار أن إيران لم تتقيد في الأساس بهذا الحظر، حيث كان سليماني، ومازال، يتنقل بسهولة داخل كل من سورية والعراق من أجل الإشراف على المهام التي تقوم بها القوات الإيرانية والميليشيات التي قام «فيلق القدس» بتكوينها وتدريبها داخل الدولتين. وقد حرصت إيران على توجيه رسائل بأنها لن تلتزم بهذا الحظر، على نحو بدا جلياً في القرار الذي اتخذه المرشد الإيراني علي خامنئي في 11 مارس 2019، بمنح سليماني وسام «ذوالفقار»، وهو أحد أرفع الأوسمة العسكرية الإيرانية.
ويعني ذلك في المقام الأول أن الخطر الأهم يكمن في الحظر الذي سيرفع عن بيع وشراء إيران للأسلحة التقليدية، إذ إن ذلك يمكن أن يدفع إيران إلى السير في اتجاهين متوازيين: يتمثل الاتجاه الأول في رفع مستوى الدعم العسكري الذي تقدمه إيران للميليشيات الإرهابية والمسلحة الموجودة في بعض دول الأزمات، وهو اتجاه قائم لكنه قد يشهد تصاعداً ملحوظاً في فترة ما بعد رفع الحظر المفروض على إيران، حيث تستغل إيران هذا الدعم في تعزيز وجودها داخل تلك الدول، على غرار ما يحدث في اليمن وسورية ولبنان والعراق، وربما دول أخرى مثل أفغانستان، في ضوء حرصها على فتح قنوات تواصل مع تنظيمات مثل حركة «طالبان» التي تشارك في مفاوضات مع الولايات المتحدة الأميركية خلال الفترة الحالية.
توسعة نطاق التعاون
كما قد تسعى إيران، وفقاً لذلك، إلى توسيع نطاق تعاونها العسكري مع بعض الدول والأنظمة الحليفة لها في المنطقة، على غرار قطر والنظام السوري، حيث تحرص الأولى في الوقت الحالي على رفع مستوى هذا التعاون مع تركيا، وقد تتبنى السياسة نفسها في ما يتصل بعلاقاتها مع إيران خلال المرحلة المقبلة، فضلاً عن أن الدعم الذي تقدمه إيران للنظام السوري سيكون آلية تحاول من خلالها طهران تعزيز نفوذها داخل سورية تمهيداً لإعادة صياغة الترتيبات السياسية والأمنية في سورية خلال مرحلة ما بعد انتهاء الصراع العسكري.
وينصرف الاتجاه الثاني إلى توقيع صفقات عسكرية مع بعض القوى الدولية، لاسيما روسيا، إذ قد تحاول إيران الحصول على منظومات دفاع جوي أكثر تطوراً على غرار منظومة «إس 400» التي قامت تركيا بشرائها من روسيا في الفترة الماضية، وقد تهدف إلى توقيع صفقات خاصة بالحصول على طرازات حديثة من الدبابات الروسية، وربما لا ينفصل ذلك عن التقارير التي نشرت في 15 أغسطس 2019، وأشارت إلى أن إيران وروسيا توصلتا إلى تفاهمات ووقعتا اتفاقيات تقضي بمنح الأولى اثنين من موانئها، هما بوشهر وتشابهار، للثانية لكي تستخدمهما قواعد لسفنها وغواصاتها النووية ومقاتلاتها.
حملة داخلية
وعلى ضوء ذلك حاولت حكومة الرئيس الإيراني حسن روحاني خلال الأسابيع الأخيرة شن حملة في الداخل للترويج لهذه المكاسب المُؤجَّلة التي ستحصل عليها إيران مستقبلاً. ويبدو أنها تحاول في هذا السياق الدفاع عن الدور الذي قامت به من أجل الوصول للاتفاق النووي في مواجهة الانتقادات التي تعرضت لها من جانب تيار المحافظين الأصوليين والحرس الثوري، وهي الجهات التي اعتبرت أن إيران قدمت بمقتضى الاتفاق تنازلات كبيرة مقابل الحصول على مزايا متواضعة، خصوصاً بعد الانسحاب الأميركي من الاتفاق، وخروج الشركات الأجنبية من إيران بعد فرض العقوبات الأميركية.
وبمعنى آخر فإن روحاني وتيار المعتدلين يحاولون في الوقت الحالي الدفاع عن استمرار العمل بالاتفاق في مواجهة الدعوات التي يتبناها بعض أقطاب تيار المحافظين للخروج منه على غرار الخطوة التي اتخذتها واشنطن، عبر الاستناد إلى أن العوائد الاقتصادية لا تمثل المكسب الوحيد الذي كان من الممكن أن تحصل عليه إيران في حالة ما إذا لم تخرج الولايات المتحدة الأميركية من الاتفاق النووي، في ظل وجود مكاسب أخرى لا تقل، في رؤيتها، أهمية عن المكسب الاقتصادي، وهي تحديث بعض القطاعات الحيوية في القوات المسلحة، خصوصاً في ما يتعلق بالدفاع الجوي والمدرعات والقوات الجوية.
ويبدو أن حكومة روحاني تُعوِّل في هذا السياق على وجود مخاوف من استمرار الاعتماد على القطاعين الرئيسين اللذين يمثلان محور ارتكاز القدرات العسكرية الإيرانية، وهما الصواريخ الباليستية والقوات البحرية، حيث تحاول استغلال ذلك للترويج إلى أن مواصلة العمل بالاتفاق النووي قد يتيح تحديث القطاعات الأخرى التي لم تشهد تطوراً على مدى العقود الأربعة الماضية.
خلافات ممتدة
ثمة مؤشرات إلى أن الخلافات القائمة حالياً حول الاتفاق النووي قد لا تبقى منحصرة فقط في مدى التزام إيران ببعض بنوده، خصوصاً في ما يتعلق بكمية ومستوى تخصيب اليورانيوم، وإنما ستمتد خلال المرحلة المقبلة، خصوصاً بعد مرور خمسة أعوام على تفعيله، إلى مدى إمكانية حصول إيران على مزايا جديدة منه، لاسيما على المستوى العسكري، وهو تطور سيكون له تأثير مباشر على المسارات المحتملة التي يمكن أن تتجه إليها الأزمة الحالية المتصاعدة بين طهران وواشنطن.