الجزائريون لم يحققوا أياً من المطالب التي نادوا بها
في 22 فبراير خرج الآلاف إلى الشوارع في الجزائر العاصمة للاحتجاج على النظام الحاكم، وحدثت هذه التظاهرات احتجاجاً على إصرار الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة على ترشيح نفسه لفترة رئاسية خامسة، ولكن استقالة الرئيس الذي حكم فترة طويلة لم يوقف المتظاهرين، بل على العكس استمرت التظاهرات. وتميز 16 أغسطس 2019 بأنه تاريخ مرور 26 يوم جمعة جرت فيها التظاهرات في الجزائر العاصمة بصورة متعاقبة وفي شتى أنحاء البلاد. ولا يوجد في الوقت الحالي أعمال عنف شبيهة بالصراعات التي نشبت بين الشرطة والمتظاهرين المعروفين أصحاب السترات الصفراء في فرنسا، وليس هناك أي تدخل خارجي، ولكن ليس هناك حل للأزمة يلوح في الأفق.
وبالطبع فإن ستة أشهر ليست بالوقت بالقصير. وفي صيف عام 1968 هزت المطربة الشعبية الأميركية جون باييز مهرجان نيوبورت للأغنية الشعبية عندما غنت أغنيتها الشهيرة «نريد حريتنا الآن»، وكانت سرعة المطلب إلزامية «الحرية الآن»، لقد كانت دعوة للمتظاهرين من جيل الستينات من القرن الماضي من أجل الحقوق المدنية وضد حرب فيتنام. وبالطبع فقد صدر قانون الحقوق المدنية في عام 1964، وتوقفت حرب فيتنام عام 1973، وتم تحقيق بعض مطالب المتظاهرين.
وكانت الدعوة الأولى للمتظاهرين الجزائريين تقول «تخلصوا منهم جميعاً»، وبعد ستة أشهر من الاحتجاجات السلمية لم يتم تحقيق أيٍّ من مطالب المحتجين.
وإثر استقالة بوتفليقة الإجبارية في أبريل، تم تحديد الرابع من يوليو الماضي موعداً لإجراء انتخابات رئاسية جديدة، ولكن المجلس الدستوري ادعى أنه ليس هناك مرشحون ملائمون، وعمل على توسيع سلطات الرئيس المؤقت عبدالقادر بن صالح، رئيس البرلمان الجزائري. وطالب المتظاهرون الذين كانوا قد طالبوا باستقالة بوتفليقة، باستقالة بن صالح، وكان مطلبهم الأساسي إنهاء سيطرة حكم القلة، ولكن بن صالح لايزال في السلطة، في حين أن النخبة الحاكمة لاتزال هي المهيمنة.
ولكن لماذا يتحلى الجزائريون بكل هذا الصبر؟ إنها 26 أسبوعاً من التظاهرات السلمية، والمفاوضات على عقد الانتخابات الرئاسية، وتم إطلاق تحقيقات حول الفساد في الدولة، واعتقال اثنين من رؤساء الحكومة السابقين. وفي يوليو الماضي أنشأ بن صالح هيئة «الحوار والوساطة» للمساعدة على التحضير من أجل انتخابات رئاسية.
وبعد مرور ستة أشهر في عالم يتسارع الزمن فيه إضافة إلى وسائل التواصل الاجتماعي السريعة في نقل الأخبار، لم يتم التوصل إلى نهاية للمرحلة الانتقالية، ولكن لماذا لم يتم إنهاء المرحلة الانتقالية حتى الآن؟ ولايزال الجيش هو العمود الفقري للسياسة الجزائرية، وهو المؤسسة الأكثر قوة في الدولة، وكان قوة توازن ناجحة حتى الآن، ولعب الجيش دوراً حيوياً في الحرب من اجل الاستقلال عن فرنسا عام 1962، إضافة إلى الحرب الأهلية ضد المجموعات المتطرفة في الفترة ما بين 1991 و2002، والتي نجم عنها مقتل نحو 200 ألف شخص. وكان الخوف من عودة المتطرفين قد سمح للجيش باستمرار ضمان السلم والاستقرار الأهليين، كما أنه يظهر مدى إصرار الشعب رغم الظلم والحرية المحدودة.
ولعب قائد الجيش أحمد قايد صالح دوراً مهماً في المرحلة الانتقالية، على الرغم من أنه كان ينكر علناً رغبته في الترشح للرئاسة. وقال صالح في تصريح نشرته وزارة الدفاع «سأظل مقتنعاً بصورة كلية بأن تبني الحوار البناء مع مؤسسات الدولة هو الطريق الوحيد للخروج من الأزمة». وأضاف «أكثر الطرق حكمة لتقديم مقترحات بناءة يتمثل في تقريب وجهات النظر والتوصل إلى إجماع حول الحلول المتاحة».
وفي الوقت الحالي لايزال الجيش منضبطاً، وعلى الرغم من أنه حظي بالاحترام خلال الحرب الأهلية لأنه كان يحفظ النظام في الدولة، إلا أن هناك من يقول إن الجيش أصبح الآن جزءاً من الأزمة. ونادى المتظاهرون بشعارات قالوا فيها «الجيش ليس الحل» ودعوا أيضاً قايد صالح إلى «الخروج من السلطة».
ويرى المتظاهرون أن بن صالح هو جزء من النخبة الحاكمة تماماً مثل الجيش، وهم لا يقبلون بالتغيير التدريجي وإنما التغيير الجذري، والإصلاح الشامل للدولة، وهم يرون أن انتخابات رئاسية بسيطة ليست بالأمر الكافي. وقال أستاذ العلوم السياسية في جامعة الجزائر العاصمة، لم يكشف عن اسمه، «سيرفض الجزائريون انتخابات تؤدي إلى إعادة إنتاج النظام»، إذ إن مطلب المتظاهرين في الشوارع واضح وهو: «تخصلوا من الجميع».
ولكن إلى متى ستستمر التظاهرات السلمية؟ في الوقت الذي تتمكن فيه دولة مثل بلجيكا من العمل دون حكومة، فقد تمكنت هذه الدولة من البقاء لمدة 589 يوماً في الفترة ما بين 2010 و2011، إلا أن الجزائر ليست لديها ثقافة الديمقراطية. وعلى الرغم من أنه ليس هناك تدخلات أجنبية معروفة فإنه من الجدير بالذكر أن ترتيب الجزائر هو 16 من بين أكثر الدول امتلاكاً لاحتياطي النفط، وهي في المرتبة التاسعة في امتلاك أكبر احتياطي للغاز في العالم، ولهذا فإن المأزق الحالي لا يمكن أن يستمر على هذه الحال.
وفي الواقع فإن مطالب الحرية في الجزائر شبيهة كثيراً بتظاهرات هونغ كونغ، التي بدأت بمطالب بسيطة، وكان المتظاهرون في هونغ كونغ يعارضون قانون الترحيل، في حين أن المتظاهرين الجزائريين كانوا يطالبون بالحرية، والانتخابات النزيهة ونهاية عهد بوتفليقة، لكن كلا الطرفين قاما بتصعيد مطالبهما، وتحول المتظاهرون في هونغ كونغ وأفراد الأمن والجيش الصينيون إلى العنف. وفي الجزائر تضاعفت المطالب بينما ظل المتظاهرون متمسكين بالسلم.
وأصبحت المطالبة بـ«الحرية الآن» شعاراً عالمياً، ولاتزال جون باييز تغني أغاني احتجاجات ستينات القرن الماضي، على الرغم من أنه بلغ عمرها 78 عاماً في جولتها الغنائية الأخيرة. والجزائريون عاشوا حرباً أهلية مرعبة وشهدوا نهاية رئاسة بوتفليقة. وعلى الرغم من أن المرحلة الانتقالية السلمية في الجزائر تظل واهية، إلا أنه من الواضح أن الحرية لاتزال بعيدة، لأنه لم يتم التخلص من الجميع.
-الجيش أصبح الآن جزءاً من الأزمة،
ونادى المتظاهرون بشعارات، قالوا فيها:
«الجيش ليس الحل».
دانييل وارنر : مؤلف موسيقي أميركي