الأميركيون يفكرون في شراء غرينلاند منذ زمن
بعد تسرب الأخبار التي مفادها أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب مهتم بشراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك، قبل أكثر من أسبوع، سخر منه منتقدون واعتبروه معتوهاً. ولكن مرة أخرى، فإن الرئيس معتوه كثعلب. وفي الواقع فإن الاستحواذ على جزيرة غرينلاند من شأنه أن يضمن مصالح استراتيجية حيوية للولايات المتحدة، ومكتسبات اقتصادية لنا ولشعب غرينلاند، ويتماشى مع التقاليد الدبلوماسية الأميركية الدنماركية.
وتتمتع غرينلاند بموقع استراتيجي بالنسبة للقطب الشمالي، كما أنها لطالما جذبت انتباه صانعي السياسة الأميركيين. وفي عام 1867، طرح وزير الخارجية الأميركي في حينه ويليام سيوارد إمكانية الاستحواذ على غرينلاند، في الوقت الذي كان يفاوض فيه على شراء ألاسكا من الروس. وأنا نفسي العضو الجمهوري في الكونغرس الأميركي توم كوتون طرحت إمكانية الاستحواذ على غرينلاند مع السفير الدنماركي العام الماضي.
وفي عام 1946، عرضت إدارة ترومان مبلغ 100 مليون دولار على الدنمارك للاستحواذ على غرينلاند، وحاججت أن الجزيرة لا «يمكن الاستغناء عنها من أجل سلامة الولايات المتحدة»، واستخدمت القوات الأميركية قواعد عسكرية في غرينلاند لردع العدوان النازي. وعلى الرغم من أن الاتفاقية لم تتم إلا أننا احتفظنا بعدد من الجنود في الجزيرة طيلة الحرب الباردة. وفي هذه الأيام، لدينا قاعدة جوية في الجزيرة يطلق عليها اسم «قاعدة ثول الجوية» موجودة في غرب الجزيرة لدعم دفاعاتنا ضد الصواريخ البالستية والهجمات الجوية.
وفي الواقع فإن أميركا ليست هي الدولة الوحيدة التي تعترف بأهمية غرينلاند الاستراتيجية. وتبدو الصين عازمة على ضمان موطئ قدم لها في القطب الشمالي وأميركا الشمالية، ولذلك فإنها تحاول منذ عام 2016 شراء قاعدة بحرية أميركية قديمة في غرينلاند، وهي خطوة منعتها الحكومة الدنماركية. وبعد مرور عامين، عادت الصين لتحقيق الهدف ذاته، حيث حاولت إنشاء ثلاثة مطارات على الجزيرة، لكنها فشلت بعد ضغط من إدارة ترامب على حكومة الدنمارك.
وتدرك بكين ليس مدى الأهمية الجغرافية للجزيرة وإنما الموارد الاقتصادية المرجح وجودها فيها. وغرينلاند غنية في العديد من الموارد المعدنية، بما فيها معادن نادرة، وهي مهمة بالنسبة لصناعاتنا المتطورة جداً والدفاعية. وتهيمن الصين على سوق هذه المعادن وهددت بأنها ستحجبها عنا كي تضغط علينا في المفاوضات التجارية. وتمتلك غرينلاند أيضاً احتياطيات كبيرة في النفط والغاز.
وبالطبع فإن نقل السيادة في غرينلاند يجب أن يخدم مصالح أصدقائنا أيضاً، أي الدنماركيين، إضافة إلى 56 ألف نسمة هم سكان غرينلاند. ويجب أن تتضمن هذه الاعتبارات حقيقة انه على الرغم من إمكانات غرينلاند على المدى البعيد، فإن عدم وجود البنية التحتية والتمويل اللازم لايزال يعوق تطور اقتصاد الجزيرة حالياً. ويعادل حجم اقتصاد غرينلاند عُشر اقتصاد ولاية فيرمونت التي تمتلك أصغر اقتصاد من بين جميع الولايات الأميركية. وتقدم الدنمارك مساعدة سنوية لغرينلاند قدرها 670 مليون دولار، لدعم اقتصاد الجزيرة.
ويمكن أن تقدم الولايات المتحدة باعتبارها أكبر اقتصاد في العالم، وبسهولة، المساعدة للمجتمع في غرينلاند، وفي الوقت ذاته تستثمر بقوة من اجل مستقبل الجزيرة. ويمكن أن يخفف نقل السيادة من الدنمارك إلى الولايات المتحدة من الأعباء التي يتحملها الشعب الدنماركي، إضافة إلى توسيع الفرص لشعب غرينلاند. ويمكن للمرء أن ينظر ماالذي فعلته السيادة الأميركية في ألاسكا، مقارنة بالظروف التي تعيشها سيبريا التي تعيش تحت السيادة الروسية.
وعلى الرغم من جهل منتقدي الرئيس بقضايا التاريخ، فان الاستحواذ على السيادة عن طريق التفاوض أداة مثالية وقديمة العهد لتشكيل الدول، خصوصاً في التقليد الأميركي. وهنا يجب التوضيح بأن ثلث مساحة الولايات المتحدة تم شراؤه من إسبانيا «ولاية فلوريدا»، ومن فرنسا «لويزيانا»، ومن المكسيك «غادسدين»، ومن روسيا «ألاسكا»
وفي الواقع فإن واشنطن وكوبنهاغن اشتركتا في مثل هذا النوع من الصفقات التجارية، ففي عام 1917 دفع الرئيس الأميركي وودرو ويلسون 25 مليون دولار لشراء جزر «الأنديز الغربية» الدنماركية، التي أصبحت تعرف بعد ذلك بجزر العذارى.
وفي الحقيقة فإن استحواذ الولايات المتحدة على ألاسكا كان بمثابة نعمة على شعب ألاسكا والأميركيين بصورة جمعاء. وبالطبع فان دولتنا ستكسب الكثير وكذلك الدنمارك وشعب غرينلاند. وعلى الرغم من وجود عقبات على المدى القصير، فإن المكتسبات ذاتها يمكن أن تنطبق على غرينلاند الآن، والمنطق الواضح لهذه الفكرة يعني أن هذا التفكير موجود ليبقى.
توم كوتون : عضو جمهوري في الكونغرس من ولاية أركنساس.