نساء متطرفات يشكلن خطراً كبيراً على مخيمات اللاجئين في شمال ســــورية
أبلغت المرأة موظفي المساعدة أنه كان حادثاً، فقد انزلقت ابنتها البالغة من العمر 14 عاماً وسقطت، ولم يكن بالإمكان القيام بأي شيء. ولكن الجثة كانت تحكي قصة أخرى، فقد كانت رقبة الفتاة مكسورة في ثلاثة أماكن، حسبما قال الأطباء، وماتت وعيناها مفتوحتان، وتعض على شفتيها، وتكافح من أجل التقاط أنفاسها. وكانت الصورة والتقارير الطبية تشير إلى أنها تعرضت للضرب على جسدها، ومن ثم تم خنقها. لقد كانت جريمة قتل، وليس انزلاقاً وسقوطاً.
لقد كانت الفتاة من جنسية أذربيجانية وعاشت مع أمها حتى قبل فترة قريبة في ظل تنظيم «داعش» الإرهابي، فواجهت أفراد التنظيم الذين سيطروا خلال الأشهر القليلة الماضية على أجزاء من مخيم الهول للاجئين في شمال شرق سورية، وفقاً لسكان المخيم. وقالوا إنها حاولت الاستغناء عن النقاب.
وبعد مرور نصف عام على خسارة «داعش» الكثير من الأراضي التي كان سيطر عليها أصبح المخيم عبارة عن مرجل من التطرف. وكان يعيش في المخيم نحو 20 ألف امرأة إضافة إلى نحو 50 ألف طفل عاشوا تحت ظل حكم «داعش» في ظروف صعبة في المخيم الذي يقوم بحمايته قوات كردية مدعومة من 400 جندي أميركي. وبالنظر إلى أنه تم حبس مقاتلي «داعش» في أماكن أخرى، قامت النساء بإعادة فرض القوانين الداعشية على كل من يعتبر غير ملتزم عن طريق الضرب والأساليب الوحشية الأخرى، ويعملن على فرض ما يقول عنه سكان وسلطات المخيم إنه حكم الرعب.
وتعرض العديد من الحراس للطعن من قبل النساء اللاتي يخفين سكاكين المطبخ في ملابسهن الطويلة. وتتعرض بعض النساء في المخيم للتهديد بسبب علاقتهن بمحامين يعملون على إخراجهن من المخيم أو لأنهن تحدثن مع آخرين. وتعرضت امرأة إندونيسية حامل للقتل كما قال مسؤولون طبيون، على ما يبدو بعد أن تحدثت مع وسائل إعلام غربية. وتشير صور جثتها إلى أنها تعرضت للجلد.
ووصف 14 شخصاً لديهم معلومات مباشرة عن ظروف المخيم في مقابلة مدى الغضب والعنف والتطرف المتصاعد في المخيم. ومن ضمن هؤلاء سكان وموظفو مساعدة، ومسؤولون أكراد رفضوا الكشف عن هوياتهم لأسباب أمنية.
ويقول مسؤولون أمنيون أكراد على علاقة مع قوات سورية الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة، إن لديهم جنوداً لحماية المخيم ولا شيء آخر. وأضاف مسؤول أمني كردي «نستطيع احتواء النساء ولكن لا نستطيع فعل أي شيء إزاء الأيديولوجية التي يحملنها».
وفي تقرير نشر الشهر الماضي حذر المفتش العام لوزارة الدفاع الأميركية مورداً معلومات من الائتلاف الذي تقوده الولايات المتحدة لمحاربة «داعش»، عن عجز قوات سورية الديمقراطية عن تقديم سوى القليل من الأمن في المخيم سمح لانتشار أيديولوجية «داعش».
وبالقرب من أحد أبواب المخيم، قام الحراس بجمع أسلحة ألعاب مصنوعة منزلياً وأدوات أخرى من أيام تنظيم «داعش» كان الأطفال يستخدمونها للهو، وكانت الأسلحة الألعاب مصنوعة من أنابيب المياه ومربوطة بقوة بشريط لاصق. وكانت الرايات ملونة بتفاصيل واضحة، ومعلقة على قطع خشبية تظهر أنها من صناعة أطفال. وقال مسؤول أمني في المخيم «من الواضح أن أطفال المخيم بحاجة إلى مساعدة فكيف يمكن أن نمنع تحولهم إلى ما كان عليه آباؤهم».
وكانت ظروف المخيم تدعو لليأس لشدة سوئها، فقد كانت المجاري تتسرب إلى الخيم التي يعيش فيها سكان المخيم. وكان خزان مياه الشرب الذي يستخدمه سكان المخيم يعج بالديدان. وكان العديد من النساء لا يعرفن ما الذي حل بأزواجهن، أو بأبنائهن وهم في سن المراهقة، عندما تم اعتقالهم من قبل قوات سورية الديمقراطية التي تمكنت من هزيمة «داعش»، والآن هي التي تحرس المخيم وسجونه.
ومنذ بداية العام الجاري، عندما كان المخيم يتسع لنحو 10 آلاف شخص، بدأ مخيم الهول بالاتساع على نحو سريع. وتم نقل الكثير من النساء والأطفال إلى المخيم بعد سقوط آخر معقل لـ«داعش» في سورية وهي قرية باغوز بيد قوات سورية الديمقراطية بدعم من الجيش الأميركي.
ويجري الآن فصل السكان على أساس جنسيتهم، ومعظم هؤلاء من السوريين والعراقيين، إضافة إلى نحو 9 آلاف آخرين، من بينهم أكثر سكان المخيم تطرفاً، محبوسين خلف سياج في بقعة من الأرض أطلق عليها «الملحق»، وتسطع عليها الشمس الحادة، وهي تضم الكثير من العرب والآسيويين والأفارقة والأوروبيين وآخرين. ويدخل الحراس هذه المنطقة بحذر وقلق، إذ إنهم تعرضوا لهجوم مباغت نجم عنه إصابة أحد الحراس بكسور في عظامه.
ووصف أحد أقرباء امرأة أوروبية محبوسة في الملحق مع أطفالها الثلاثة بأنها أكثر خوفاً الآن من أي وقت مضى. وقامت هذه المرأة بتغيير خيمتها مرات عدة بعد أن بدأت مجموعة من النساء التونسيات والإندونيسيات بتهديدها بعد علمهن بأن محامي عائلتها يحاول إعادتها إلى وطنها وفق ما ذكره قريبها. وقال قريب المرأة «إنهن يهددن النساء الآخريات اللواتي إما تحدثن وأعلن أنهن لم يعدن يدعمن (داعش) بعد الآن أو أنهن يحاولن العودة إلى أوطانهن».
وقال طبيبان من مدينة الحسكة المجاورة إن مرضى سكان هذا المخيم كانوا يرفضون القدوم للمراجعة في منشآت طبية تديرها السلطات الكردية أو المنظمات الدولية. وقال أحدهم «أخبرونا أنهم لا يستطيعون القدوم»، وأضاف «إنهم يقولون إننا إذا عدنا إليكم فإن المتشددين سيضربوننا أو ربما أسوأ من ذلك».
وفي الحقيقة فإن هذا التهديد ليس مقتصراً على مخيم الهول، فقد وصف موظفو المساعدة في مخيم الروج الصغير والذي يبعد نحو ساعة بالسيارة عن مخيم الهول، النزاعات بين السكان العراقيين والآخرين من الأجانب بأنها عنيفة. وفي أحد الأمثلة منعت امرأة عراقية من الاتصال مع جيرانها بعد أن نزعت غطاء الوجه، وحاول الأطفال المنتمين إلى «داعش» حرق طفل عراقي صغير حياً.
ومع تفاقم الأوضاع، يشعر سكان المخيمات بأنهم يعيشون في متاهة. وترغب بعض النساء في العودة إلى أوطانهن، ولكن قلة من الحكومات الأجنبية تبدو مهتمة باستعادتهن، مخافة أن يشكلن تهديداً كما أن الأدلة التي يمكن جلبها ضدهم يمكن ألا تقبلها المحكمة. وتقول قوات سورية الديمقراطية إنه لا يمكن الاعتماد عليها للحافظ على سكان المخيم إلى ما لا نهاية. ولكن لا الولايات المتحدة، التي تسيطر على هذه القطعة من الأرض في سورية ولا الحلفاء الأوروبيون أو العراق قدموا حلاً عملياً.
وقال مسؤول أمني عربي «نظراً إلى أن داعش كان لديه وحدات مقاتلة من النساء تم تعليمهن كيفية نشر أفكار التنظيم عند الرجوع إلى أوطانهن، فإنهن يشكلن خطراً كبيراً على مجتمعاتهن، وكذلك أطفالهن قد يشكلون خطراً أيضاً».
ولم يقم العراق حتى الآن باسترجاع عشرات الآلاف من مواطنيه، كما أن حكومات أخرى قامت باسترجاع مواطنيها بأعداد قليلة جداً. وتم استرجاع 8 مواطنين أميركيين إلى الولايات المتحدة في شهر يونيو الماضي. وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد حث الدول الأوروبية على «استرجاع» ومقاضاة مواطنيها. وقال مسؤول مخابراتي أوروبي إن أسلوب استعادتهم يجب أن يكون «واقعياً» و«كل حالة على حدة»، مضيفاً «علينا دراسة من هو الشخص الذي تزوجته هذه المرأة؟ وما الدور الذي لعبته داخل تنظيم «داعش»؟ هل هي مستعدة للتخلي عن هذه الأيديولوجية؟
ولكن منظمات تقديم المساعدات تصر على أن المجتمع الدولي ليس لديه الكثير من الوقت، وتحدثت عن المخاطر التي يشكلها مخيم الهول على الأطفال العالقين فيه.
أطفال المخيم.. أضرار عميقة وعنف
يقول موظفون من منظمة «أنقذوا الأطفال» وهي أكبر منظمة عاملة مع الأطفال في المخيمات الواقعة شمال سورية، إنهم يرون كثيراً من المؤشرات على تعرض الأطفال لأضرار عميقة. وعادة ما يصبح الأولاد بصورة خاصة عدوانيين، في حين أن البنات يواجهن احتمال الزواج المبكر والعنف الجنسي. وقالت سونيا خوش من فرع سورية لمنظمة «أنقذوا الأطفال»: «الأطفال الذين تعرضوا لأضرار نتيجة عيشهم كل هذه الصعوبات بحاجة إلى أكثر مما يمكن أن يقدمه لهم المخيم». وأضافت «المسألة لا تتعلق بمجرد عدم ذهابهم إلى المدارس وإنما بالعنف الذي يتعرض له الأطفال والنساء. ويتحدث سكان المخيم عن رؤيتهم حالات قطع رؤوس شاهدوها قبل مجيئهم إلى المخيم» .
وقالت بعض النساء في مقابلات أجريت معهن إنهن غير مقتنعات بأيديولوجية تنظيم «داعش»، وقالت أخريات إن أزواجهن أجبرنهن على اعتناق هذه الأيديولوجية، في حين قالت أخريات إنهن لا يزلن يشعرن بالفخر لانضمامهن إلى «داعش» .
وفي تسجيل فيديو عرض في شهر يوليو الماضي على الإنترنت ظهرت نساء مغطيات تماماً، قلن إنهن يبعثن برسالة من مخيم الهول. وقالت إحداهن «أيها الأخوة أشعلوا نار الجهاد وحررونا من هذه السجون»، وبعد ذلك توجهت المرأة إلى من سمتهم «أعداء»: «أقول لكم نحن نساء المقاتلين، أنتم تعتقدون أنكم تحبسوننا في مخيمكم العفن، ولكننا قنبلة موقوتة وانتظروا وسترون ما سيحدث لاحقاً».