أنقرة تستطيع صنعه.. لكن ذلك سيستغرق عقوداً عدة
تهديد تركيا بالسعي إلى امتلاك السلاح النووي أزعج حلفاءها وجيرانها
لمَّح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ليلة الأربعاء الماضي، إلى أنه أصبح مهتماً بالحصول على الأسلحة النووية. وكان يوجه خطابه إلى جمهور القوميين في بلاده، لكن الحديث المفاجئ للرئيس الشعبوي التركي، عن القنبلة النووية التركية، أزعج العديد من حلفاء تركيا وجيرانها. وقال أردوغان، خلال مراسم الذكرى السنوية الـ100 لحركة الاستقلال التركي: «العديد من الدول تمتلك صواريخ تحمل رؤوساً نووية، ليست واحدة ولا اثنتين. لكنا لا نستطيع الحصول عليها. وهذا الأمر لا يمكن أن أقبله، وليست هناك أي دولة متطورة في العالم ليست لديها أسلحة نووية».
ولم ترد السفارة التركية في واشنطن على تساؤلات مجلة «ناشونال إنترست». وقال جوزيف سيرينسيوني، من مؤسسة «سنتر فور أميركا بروغريس»: «إذا أرادت تركيا صنع سلاح نووي فإنها تستطيع ذلك، لكن ذلك سيستغرق عقوداً عدة، ولن يتم بين عشية وضحاها». لكن هذه التعليقات أثارت دهشة الكثيرين في الحال. وقال مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية، لمجلة «ناشونال إنترست» بعد أقل من 48 ساعة على ذلك: «نحن مدركون لهذه الأخبار، وتركيا طرف في معاهدة الحد من التسلح النووي، ولديها اتفاق الضمانات الشاملة مع وكالة الطاقة النووية، وهي قبلت الالتزام بعدم امتلاك السلاح النووي، وأن تلتزم بضمانات جميع النشاطات النووية السلمية. ونحن نولي اهتماماً كبيراً لاستمرار تركيا في الالتزام بهذه الالتزامات».
ووقعت جميع دول العالم، باستثناء الهند وإسرائيل وكوريا الشمالية، وباكستان، وجنوب السودان على اتفاقية الحد من الأسلحة النووية عام 1968. ولم تعلق سفارة أرمينيا المجاورة لتركيا على هذه الأخبار. لكن اللجنة الوطنية الأرمينية في أميركا، وهي منظمة للأرمن في الشتات، تشكلت قبل تأسيس جمهورية أرمينيا المعاصرة، كان لها تعليق ضد أردوغان. وقال المدير التنفيذي للجنة، أرام هامباريان: «نمتلك تاريخاً طويلاً في التعامل مع العدوان التركي، وكذلك في الإساءة لمواطني أرمينيا وتراثها ضمن تركيا، وبناء عليه فإننا نسمع دائماً عن أسلحة جديدة تنضاف إلى الترسانة التركية، التي كانت مصدر قلق شديد بالنسبة للأرمن في شتى أنحاء العالم».
ولكن أذربيجان، وهي جار وحليف وثيق لتركيا ومنافس لأرمينيا، كانت أكثر إيجابية حول الدور التركي في المنطقة. وقال المستشار السياسي في سفارة أذربيجان بأميركا، فالغار غوربانوف: «تركيا حليف أساسي في المنطقة، يسهم في إرساء استقرارها، ويمكننا القول بأن تركيا تلعب دوراً أساسياً من أجل استقرار وأمن المنطقة، أما في ما يتعلق بموضوع الأسلحة النووية، فأنا لست مطلعاً على سياق ومحتوى التصريحات التي ذكرت عن الأسلحة النووية، ونحن عادة لا نعلق على التصريحات الشخصية».
ويعتقد مدير برنامج الأبحاث التركية في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأوسط، سونير جاغابتي، أن تعليقات أردوغان كانت مدفوعة بـ«إحساس عام بأن هذا النظام العالمي الأحادي القطب الذي تفرضه الولايات المتحدة بدأ يتهاوى، وهي وجهة نظر يعتنقها العديد من المسؤولين في حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، بما فيهم أردوغان نفسه». وأضاف جاغابتي، لـ«ناشونال إنترست»: «يبدو أن المسألة لا تتعدى الكلام في الوقت الحالي، وهي مؤشر إلى سياسة الغموض الجارية، نظراً إلى الشعور بأن النظام العالمي (ينهار)، وتركيا ربما تريد أن تثبت في هذه المنطقة أنه إذا أرادت أن تصبح دولة نووية فيمكنها ذلك. وكانت تركيا حازمة جداً في تعاملها مع اليونان وقبرص اليونانية في البحر المتوسط. وأعتقد أن ذلك جزء من سياسة أردوغان في إرسال الرسائل إلى اليونان».
وادعى جاغابتي أن اليونان تحاول تغيير توازن القوى عن طريق التحالف مع إسرائيل، الدولة النووية الوحيدة في المنطقة، إذ تعتقد الولايات المتحدة أن إسرائيل صنعت نحو 200 رأس نووي سراً. ولكن السفارة الإسرائيلية لم تعلق بشيء.
وقال السكرتير الأمني في السفارة اليونانية، أريس باباجيورجيو، لمجلة «ناشونال إنترست»: «بأنه لم يرَ رداً رسمياً من الحكومة اليونانية، على تصريحات أردوغان». لكنه قال: «كل يوم هناك أشياء جديدة تأتينا من تركيا، فهناك الانتهاكات الجوية التي تحدث وفرق الاستكشاف التي تذهب إلى جنوب شرق البحر المتوسط إلى قبرص، إضافة إلى بعض التصريحات التحريضية من الحكومة التركية، في ما يتعلق بقضية الأراضي اليونانية، لكن هذه الأمور تحدث بصورة منتظمة».
وتحدث جاغابتي عن أردوغان، ذاكراً كتابه الذي نشره عام 2017، ويحمل عنوان: «السلطان الجديد»، وذكر مقتطفاً منه، يقول: «أنت بحاجة إلى قضايا تهدف من خلالها إلى تضخيم مجدك، فهو يشير إلى أنه الوحيد الذي يجعل تركيا عظيمة، وبالطبع فإن السلاح النووي هو طريقة مثالية لتضخيم الأنا التركية، خصوصاً علينا أن نتذكر أن الأتراك هم أبناء إمبراطورية كبيرة».
وتعتقد قوات سورية الديمقراطية، القريبة من الحدود مع تركيا، أن تصريحات أردوغان كانت موجهة إلى الجمهور التركي المحلي. وقال الدبلوماسي من مجلس سورية الديمقراطية في واشنطن، بسام إسحاق: «أعتقد أن أردوغان يدير مشكلاته الداخلية، عن طريق إثارة قضايا تروق للقوميين الأتراك».
وحاربت تركيا تحالفاً من المقاتلين الأكراد والعرب والأشوريين في شمال سورية، وهي الآن تدفع باتجاه إنشاء «منطقة آمنة»، بالتعاون مع الولايات المتحدة، للحد من نفوذ قوات سورية الديمقراطية. ولم ترد البعثة الدائمة للجمهورية العربية السورية في الأمم المتحدة، التي تمثل الحكومة السورية، على طلبنا بالتعليق، لكن إيران وهي حليف مقرب من الحكومة السورية وجار آخر لتركيا، لا تبدو سعيدة بحصول تركيا على القنبلة النووية.
وكتب المسؤول الإعلامي في بعثة إيران إلى الأمم المتحدة، علي رضا ميريوسفين، في إيميل إلى مجلة «ناشونال إنترست»، قال فيه: «موقف إيران من الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل الأخرى واضح، إذ إن إيران ترفض كل الأسلحة النووية، لأنه ليس لها مكان في معتقدنا الدفاعي، كما أنها تعارض المعتقد الديني للقائد الأعلى للثورة الإيرانية».
واتهمت الولايات المتحدة، وآخرون، إيران بأنها تعمل على صنع سلاح نووي. وفي عام 2015، وافقت إيران على تخفيض كمية اليورانيوم المخصب بنسبة 98%، وفتح منشآتها البحثية لمفتشي المنظمة الدولية للطاقة النووية، وبالمقابل إلغاء العقوبات الاقتصادية التي كانت مفروضة عليها. لكن إدارة الرئيس ترامب انسحبت من الاتفاقية، وفرضت مزيداً من الضغوط على إيران، الأمر الذي دفعها إلى إعادة تخصيب اليورانيوم من جديد.
ويعتقد جاغابتي أن فشل الاتفاقية النووية مع إيران، دفع تركيا نحو «تبني سياسة الغموض، إزاء السلاح النووي بصورة متعمدة».
ووفق سيرينسيوني، يشعر خبراء اتفاقية الحد من الأسلحة النووية بالقلق من أن إيران النووية يمكن أن تدفع دولاً أخرى إلى السعي لامتلاك القنبلة، من بينها تركيا. يقول سيرينسيوني إن تركيا تمتلك «القاعدة الأكثر تطوراً، والشعب المتعلم الإمكانية الهندسية»، «ولا تكمن الصعوبة في القنبلة بحد ذاتها، إذ إن تصاميم هذه القنبلة وضعت قبل 75عاماً، لكن في المواد التي يتم وضعها داخل هذه القنبلة. وتكلف المنشآت المناسبة لصناعة الوقود النووي المخصص لهذه القنابل الكثير من المليارات، وسنوات من العمل الشاق».
ماثيو بيتي مراسل حول الأمن الوطني في مجلة «ناشونال إنترست»
طريقان لدى أنقرة لامتلاك القنبلة النووية
لدى تركيا طريقان مختصران، للحصول على القنبلة النووية: الأول عن طريق شراء الوقود النووي (أو ربما شراء سلاح كامل) من باكستان النووية، التي تربطها علاقات وثيقة مع تركيا. وقال جاغابتي «إذا أرادت باكستان نشر السلاح النووي، وتركيا أرادت الحصول على السلاح فيمكنهما الاتفاق على ذلك». والثاني وهو الطريق الأكثر خطورة وإثارة للقلق، وهو أن تقوم تركيا بسرقة إحدى القنابل الهيدروجينية الموجودة في قاعدة أنجلريك الجوية في جنوب شرق تركيا. ويقول سيرينسيوني، موضحاً «هي من بقايا الحرب الباردة. وينظر إليها باعتبارها تمثل قيمة نفسية، إذ يعتبر وجودها المادي عرضاً لضمانات الردع التي قدمتها الولايات المتحدة لحلفائها في حلف شمال الأطلسي (ناتو)».
وقال مصدر من وزارة الخارجية الأميركية لـ«ناشونال إنترست»: «باعتبار تركيا عضواً في حلف ناتو، فإنها مغطاة بالمادة 5، المتعلقة بالدفاع الجماعي، الذي يدعم الدفاع والأمن التركي». وأضاف المصدر: «يمكنكم تخيل ما إذا هاجمت تركيا القاعدة الأميركية، فإن ذلك يعتبر أمراً خطيراً، ولن يمر دون عقاب، وبناء عليه ثمة إجراءات ردع كثيرة تحول دون ذلك، لكن كانت هناك دعوة للقيام بذلك سابقاً. وخلال محاولة الانقلاب الفاشلة التي وقعت عام 2016، التي قام بها عدد من قادة الجيش التركي، قام عدد من الضباط المتمردين بالسيطرة على الحامية التركية في قاعدة أنجلريك، ما دفع السلطات التركية إلى قطع الكهرباء عن القاعدة ومحاصرتها وقطع أي اتصال بها مع الخارج. وفي الحقيقة، إن هذه القاعدة مكان غير معقول لحفظ القنابل النووية الأميركية فيه».
وحتى لو تمكن الأتراك من الاستيلاء على بعض القنابل، فهي مزودة بجهاز يدعى ربطة ترخيص التحرك، وهو عبارة عن قفل يهدف إلى الحفاظ على القنبلة تحت سيطرة الولايات المتحدة، وفق ما قال سيرينسيوني، مضيفاً: «نحن لن نستخدم هذه القنابل المخزنة في تركيا، لكن أردوغان يمكن أن يفعل ذلك».
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news