العلاقات اليابانية مع كوريا الجنوبية بأسوأ أحوالها منذ عام 1965
لم تكن اليابان وكوريا الجنوبية يوماً على وئام كامل. وعلى الرغم من أن كلتا الدولتين تعتبر من الأنظمة الديمقراطية المستقرة، فإن النزاعات التاريخية، وتلك المتعلقة بمناطق مختلف عليها، منعت - بصورة مستمرة - من قيام علاقات ثنائية جيدة. لكن في هذه الأيام ربما أصبحت علاقتهما بأسوأ أحوالها منذ قيام العلاقات الدبلوماسية بينهما منذ عام 1965.
وبدأ الوضع بالتدهور في يوليو الماضي، عندما فرضت وزارة التجارة اليابانية متطلبات ترخيص جديدة تعوق تصدير ثلاث مواد كيماوية إلى كوريا الجنوبية، التي تستخدمها في منتجات عالية التقنية، مثل أشباه الموصلات، وشاشات العرض. وقال المسؤولون اليابانيون إن هذه الخطوة كانت ضرورية لمنع انتقال المواد الحساسة إلى كوريا الشمالية بصورة غير شرعية، بهدف استخدامها لأغراض عسكرية. لكن كوريا الجنوبية اعتبرت هذا التبرير غير واقعي، وبدأ المستهلكون في كوريا الجنوبية حملة مقاطعة للبضائع اليابانية، بدءاً من المشروبات حتى الملابس.
ومن وجهة نظر كوريا الجنوبية، فإن اليابان تحاول معاقبتها على قرار المحكمة العليا الذي طالب شركة ميتسوبيشي اليابانية للصناعات الثقيلة بتعويض شعب كوريا الجنوبية على العمالة الإجبارية، خلال الاحتلال الياباني لشبه الجزيرة الكورية خلال النصف الأول من القرن العشرين. لكن اليابان قالت إن اتفاقية عام 1965، التي تقضي بتشكيل علاقات دبلوماسية، وتتضمن منحة قيمتها نصف مليار دولار لكوريا الجنوبية، تعتبر حلاً لكل المشكلات المتعلقة بالتعويض، في حين أن كوريا الجنوبية تحاجج بأن المعاهدة لا تغطي الادعاءات الفردية. وفي كل الأحوال، لم توقف اليابان تصدير أشباه الموصلات. وفي أغسطس الماضي، ألغت اسم كوريا الجنوبية من «قائمتها البيضاء»، التي تضم الدول التي تتلقى المعاملة التجارية التفضيلية. وتطالب شركات التصدير اليابانية بموافقة الحكومة على كل شحنة للمواد التي تعتبرها «مواد استراتيجية»، منها 1115 نموذجاً من القطع والمواد إلى كوريا الجنوبية.
وقدمت كوريا الجنوبية شكوى إلى منظمة التجارة العالمية، حول سيطرة اليابان على التجارة، وإزالة اسم كوريا الجنوبية من قائمة الدول التي تتمتع بالأفضلية التجارية. وأعلنت أنها لن تجدد «اتفاقية الأمن العام لأمن المعلومات العسكرية»، وهي اتفاقية ثنائية تسهل تبادل المعلومات الاستخباراتية المهمة، بما فيها تلك المتعلقة ببرامج كوريا الشمالية النووية.
وأصبحت النتائج الاقتصادية لهذا الخلاف جلية. وأدى تصاعد التوترات إضافة إلى التباطؤ الاقتصادي، إلى تناقص صادرات كوريا الجنوبية إلى اليابان إلى الانخفاض بنسبة 6.2% سنوياً، بحلول شهر أغسطس الماضي. وانخفضت مبيعات السيارات اليابانية إلى كوريا الجنوبية، خلال الفترة ذاتها، بنسبة 57% نتيجة مقاطعة المستهلكين، وانخفض تعداد الزوار الكوريين الجنوبيين إلى اليابان بنسبة النصف.
ويبدو أن هذا الخلاف مرشح للتصاعد. وبصورة خاصة إذا تمت تصفية الأصول التي حصلت عليها كوريا الجنوبية من ميتسوبيشي للصناعات الثقيلة بموجب قرار المحكمة العليا عام 2018، وفي العام المقبل، من المتوقع أن تنفذ اليابان إجراءات انتقامية صعبة جداً. ما سيؤدي إلى وصول العلاقات اليابانية والكورية الجنوبية إلى حالة من الغليان، الأمر الذي ستكون له تأثيرات كبيرة على كلا الطرفين وعلى الاقتصاد العالمي برمته. (اليابان هي خامس أكبر مصدر لكوريا الجنوبية، في حين أن كوريا الجنوبية هي ثالث أكبر مصدر لليابان).
وتعتبر اليابان وكوريا الجنوبية رابع وخامس أكبر اقتصادين في العالم، كما أنهما لاعبان رئيسان في تأمين المنتجات التقنية المتطورة في العالم. وفي هذا الوقت، الذي تزداد فيه الحماية التجارية بجميع أنحاء العالم، والتي تجسدها الحرب التجارية الطويلة بين الولايات المتحدة والصين، والتي عززت المخاطر الجيوسياسية، فإن الصراع التجاري بين اليابان وكوريا الجنوبية هو آخر شيء يحتاجه الاقتصاد العالمي.
وتعتبر اليابان وكوريا الجنوبية أكبر المستفيدين من النظام التجاري التعددي، الذي تأسس بعد الحرب العالمية الثانية، ولن تنجو أيٌّ من الدولتين من الانتقادات إذا دمرتا هذا النظام. وأكد قادة الدول الـ20 الغنية، في قمتهم الأخيرة بمدينة أوساكا اليابانية في يونيو الماضي، أن التجارة يجب أن تكون «حرة، وعادلة، ونزيهة»، لكن الانتقادات الخارجية من غير المرجح أن يكون لها أي تأثير مثل الرأي العام المحلي، والذي يبدو أنه يعارض في الدولتين تقديم أي تنازلات للطرف الآخر.
وفي الحقيقة، وعن طريق إذكاء المشاعر القومية، واللجوء إلى انعدام الثقة المتجذرة عميقاً لدى الجمهور في كل دولة إزاء الأخرى، تمكن رئيس كوريا الجنوبية، مون جاي إن، ورئيس حكومة اليابان، شنزو آبي، من حشد دعم شعبي كبير من أجل اتخاذ مواقف صارمة. ووفقاً لآخر إحصائية أجراها تلفزيون «نيكي» في طوكيو، فإن 67% من اليابانيين يؤيدون سيطرة الحكومة على التصدير. وفي كوريا الجنوبية، تشير استطلاعات الرأي إلى أن أغلبية المواطنين يمارسون مقاطعة اليابان، وأن 48% منهم يدعمون الخروج من «اتفاقية الأمن العام للمعلومات العسكرية».
وتكمن أفضل الفرص لإقناع آبي ومون في تقديم التنازلات والتوصل إلى اتفاق في تدخل الولايات المتحدة بين الطرفين. لكن إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، أبدت عدم رغبتها في الانخراط بهذا النزاع حتى الآن، ويبدو أنها تقيم الموضوع من وجهة نظر مصلحتها فقط. وهذا يؤدي إلى خسارة الأهمية الاستراتيجية الهائلة، لضمان استمرار التعاون بين حليفين كبيرين لواشنطن في آسيا، من ناحية التعامل مع طموحات كوريا الشمالية النووية، والتعامل مع النفوذ الصيني المتنامي في المنطقة.
وفي الحقيقة، فإن الصين انتهزت فرصة تشكل هذا النزاع بين اليابان وكوريا الجنوبية لتوسيع مجال نفوذها، بما فيها لعب دور الوسيط بينهما. ففي اجتماع ثلاثي لوزراء خارجية الدول في نهاية أغسطس، شجعت الصين اليابان وكوريا الجنوبية على الانخراط في حوار مستمر لحل خلافاتهما.
وبعد إعلان كوريا الجنوبية أنها لن توافق على تجديد اتفاقية الأمن العام للمعلومات العسكرية، أعرب مسؤول أميركي كبير عن «قلق كبير» و«شعور بالإحباط»، ودعا كوريا الجنوبية إلى «إعادة الالتزام» بالاتفاقية، والتي تعتبر مكوناً مهماً للخطة الأمنية الأميركية للولايات المتحدة. وهذه مجرد بداية، لكن المطلوب أن تقنع الولايات المتحدة كوريا الجنوبية واليابان بالجلوس على طاولة المفاوضات.
وبدلاً من هذه السلوكيات، يتعين على اليابان وكوريا الجنوبية الاعتراف بالخطر الناجم عن النزاع الدائر بينهما والالتزام بضبط النفس. وبوجود الولايات المتحدة أو دونها فإن الدولتين بحاجة إلى إيجاد طريقة لكسر الجمود بينهما، قبل أن يخرج الوضع عن السيطرة.
لي يونغ وا : أستاذ جامعي ومدير معهد الأبحاث الآسيوية بالجامعة الكورية
- اليابان ألغت اسم كوريا الجنوبية من «قائمتها
البيضاء»، التي تضم الدول التي تتلقى
المعاملة التجارية التفضيلية.