آبي حاول تخفيف قبضتهم على السلطة في بلاده
القادة المتشدّدون في شعــب «تيغــرايـــا» عدو مشترك لإثيوبيـا وإريتريا
احتل رئيس حكومة إثيوبيا آبي أحمد عناوين الصحف في شتى أنحاء العالم عندما قام بتحرك مفاجئ، الشهر الماضي، لحل المشكلات العالقة بين بلاده وإريتريا، والتي بدأت منذ أكثر من عقدين من الزمن. وكانت إريتريا قد تحررت عن إثيوبيا من خلال استطلاع للرأي جرى عام 1993، وبعد ذلك انخرطت الدولتان في صراع دموي يعتقد أنه خلّف نحو 100 ألف قتيل، في الفترة ما بين 1998 و2000.
ومنحت قرية «بادمي»، وهي تتمتع بقيمة رمزية فقط، الى إريتريا من قبل لجنة دولية لتخطيط الحدود بين الدولتين، والتي تشكلت بموجب اتفاق سلام بين الطرفين عام 2002. ولكن إثيوبيا حنثت بالاتفاقية وأصرت على رفضها تسليم القرية لمدة 20 عاماً. وعندما أعلن آبي في 5 يونيو الماضي أنه مستعد لمنح قرية بادمي لإريتريا، دون أي شروط اقتصادية مسبقة، كانت قد طلبتها الحكومة السابقة، كان ذلك بمثابة وضع نهاية للصراع. وكان الرئيس الإريتري أسياس أفورقي قد تعامل بروح تصالحية مع إثيوبيا، عندما أرسل وفداً إلى أديس أبابا واضعاً حداً لرفض أي حوار مع إثيوبيا منذ 18 عاماً، طالما أن جنودها موجودون على أراضيها.
وفي 8 يوليو أمضى آبي يوماً كاملاً في أسمرة، حيث حظي بترحيب حار من أسياس أفورقي. وفي اليوم التالي أعلن الرجلان ان العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية استؤنفت بين البلدين. وعلى الرغم من عدم ظهور الكثير من التفاصيل، إلا أن أسياس لمّح بإيجاز عن الصعوبات التي يواجهها آبي في بلاده، والحاجة إلى رد منسق بين الطرفين.
وبالنظر إلى عملية رسم الحدود بين البلدين، لم يعد السلام يتطلب من حيث المبدأ، سوى انسحاب القوات الاثيوبية من إريتريا. ولكن لسوء الطالع فان ذلك يعتبر الجزء الأكثر صعوبة في الموضوع، لأسباب ليس لها علاقة بالرئيس آبي أو إريتريا. وعلى الرغم من أن الامر يبدو صادماً للمراقب الخارجي، إلا أن ثمة سبباً واضحاً يدفع الزعيمين بصورة مفاجئة إلى التعاون، فقد اتحد الرجلان ضد عدو مشترك هو جبهة تحرير شعب تيغرايا.
ووصل آبي الى السلطة في أبريل الماضي بعد موجة من التمرد، تم خلالها إغلاق الشوارع وتدمير العديد من المتاجر، واندفع مئات الآلاف إلى الشوارع ضد السلطة الحاكمة، وهي مجموعة صغيرة من مقاتلي التحرير السابقين الذين لايزالون في السلطة منذ عام 1991. واستغلت هذه المجموعة وجودها في السلطة لتطوير اقتصاد الدولة، لكن هذا التطور نجم عنه تجمع الثروة والسلطة العسكرية بيد أقلية عرقية، وهي التيغرايا، التي كانت الجبهة المنبثقة عنها قد حررت إثيوبيا من حكم دريغ الشيوعي عام 1991.
خبرة وحنكة
وفي بداية العام الجاري أدى تمسك «جبهة تحرير شعب تيغرايا» بالسلطة في إثيوبيا إلى وصول الدولة إلى حافة الانهيار، عندما قامت مجموعات عرقية كبيرة بقيادة مجموعة الاورومو والأحمرا بإغلاق الطرق المؤدية الى أديس أبابا تعبيراً عن الاحتجاج. ولهذا اضطرت الحكومة الائتلافية إلى إطلاق سراح الالاف من السجون، والسماح لآبي، وهو قائد الاورومو، بان يصبح رئيس الحكومة. واثبت آبي أنه شخص مؤهل وخبير، وأخذ يتحرك بسرعة لتفكيك قبضة جبهة تحرير شعب تيغرايا عن السلطة.
وكان أسياس قد كشف عن قلقه من هذه الجبهة عندما أعلن عن نيته إرسال وفد للسلام إلى أديس أبابا في خطاب القاه في 20 يونيو. وكان أسياس قد حارب جنباً الى جنب مع جبهة تحرير شعب تيغرايا خلال فترة النضال من أجل التحرير ضد حكم دريغ الشيوعي، ولكن كما هي حال نصف الاريتريين تقريباً، فأسياس نفسه من عرقية التيغرايا. ولكن الحرب العنيفة التي نجمت عن احتلال إثيوبيا لمناطق حدودية اريترية، أدت الى تدمير كل التضامن الذي كان موجوداً بين الطرفين، إضافة إلى جعل إريتريا تعيش في حالة طوارئ منذ عام 1998.
أسباب للخوف
ويمتلك آبي أسباباً أكثر من أسياس للخوف من الجبهة، إذ إن افرادها يشكلون العوائق الأساسية أمام الإصلاح السياسي في إثيوبيا، ومنذ تسلمه للسلطة عمل صراحة على إبعاد قبضتهم عن السلطة. وقلل من سلطة الجيش عن طريق إلغاء حالة الطوارئ، وألغى القوانين التي تسمح للقوات الأمنية بالتعامل مع المعارضين باعتبارهم إرهابيين واعتقالهم، وقام بطرد كبار الضباط الأمنيين والمخابرات، ومعظمهم من عرقية التيغرايا.
ويعمل آبي بقوة وسرعة للتخفيف من خطر الجبهة، قبل أن يستجمع قادة الجبهة قواهم ضده، لكن الجبهة عانت في الأيام الأخيرة من فراغ القيادة نتيجة تنافس القادة المتشددين على السلطة، كما أن شعب التيغرايا ازدادت مخاوفه من انتقام القبائل الاثيوبية الكبيرة الأخرى نتيجة أفعال قادته. وتمكن آبي من فصل العديد من قادة الجبهة الكبار، بمن فيهم الجنرال تيكليبرهان ولديريغاي، من وكالة المعلومات الأمنية ذات السمعة السيئة، فما كان من هذا الأخير إلا أن ذهب الى محطة الإذاعة ووصف نفسه بأنه ممثل الجيش وبدا أنه يدعو إلى انقلاب. ووصف حكومة آبي بأنها «قوة عدوة» و«تهديد للنظام الفيدرالي للدولة».
إثارة بلبلة
ومن غير المرجح أن يتمكن الجنرال تيكليبرهان من إقناع الجيش بالثورة ضد الحكومة علناً، ولكن مما لاشك فيه فإنه يمكن أن يستغل بعض الأطراف لإثارة البلبلة. وكانت محاولة اغتيال آبي في 26 يونيو هي واحدة من هذه البلبلة التي يمكن أن تحدث، وتم على إثرها اعتقال نائب قائد الشرطة، إضافة الى 30 آخرين من افراد الشرطة والمسؤولين الحكوميين.
وفي الواقع فإن تحركات آبي، بما فيها اقتراحاته لإريتريا، وطرد الجنرالات الأساسيين، كلها تعتبر بمثابة استفزاز لجبهة تحرير شعب تيغراي، وربما ترتد عليه بصورة سلبية. ويتعين على حلفاء إثيوبيا، خصوصاً واشنطن، مراقبة التطورات هناك بحذر، ويجب عليها التحرك لضمان عدم انفلات الوضع عن السيطرة. وإذا قام المتشددون في «جبهة تحرير شعب تيغرايا» باستخدام نفوذهم على الجيش للاستيلاء على السلطة بصورة غير قانونية من خلال الاغتيال او الاضطرابات العرقية او الانقلابات، فإن إثيوبيا يمكن أن تواجه حرباً أهلية.
ولسوء الطالع فإن واشنطن وبروكسل غير مهتمتين كثيراً بالأحداث التي تجري في إثيوبيا. وتركز إدارة الرئيس دونالد ترامب حالياً على كل شيء باستثناء افريقيا. وإضافة الى الثناء على إصلاحات آبي، يبدو أن البيت الأبيض والاتحاد الأوروبي غير مدركين لصراع الحياة أو الموت على السلطة في إثيوبيا. ويجب أن ترسل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي رسالة واضحة تماماً لـ«جبهة تحرير تيغرايا» توضح لقادتها أن أي محاولة للاستيلاء على السلطة لن يتم التسامح معها مطلقاً، ولن تتسلم إثيوبيا اية مساعدات بعد ذلك. ومثل هذه الرسالة يمكن أن تؤكد للمتشددين ان الخيارات المتاحة قليلة أمامهم وأن واشنطن تراقبهم.
ولكن إذا كان لنا أن نتعلم من التاريخ، فان واشنطن ستفضل عدم تكرار الخطأ، ففي نهاية المطاف فان أجهزة الأمن الضخمة في إثيوبيا، هي أصلاً من صنع واشنطن. فقد تم إنفاق ملايين الدولارات لزيادة قدرات «جبهة تحرير شعب تيغرايا» لمحاربة الإرهابيين، الذين كانوا من حيث الظاهر في الصومال، ولكن التمويل كان يستخدم ضد «الإرهابيين» الاثيوبيين، الذين كانوا نشطين يدعمون الديمقراطية. وليس هناك الكثير من الشكوك في أن الدبلوماسيين الاميركيين سيفضلون قائداً ذا صورة جذابة مثل آبي، ليكون رجلهم في أديس أبابا، ولكن المشكوك فيه ان وزارة الدفاع الأميركية، التي تغاضت، وبكل سرور، عن احتلال إثيوبيا الطويل الامد لإريتريا، وغزوها للصومال، وانتهاكاتها الصادمة لحقوق الانسان، ستخاطر بإثارة غضب حليفتها الأكثر أهمية لمكافحة الإرهاب في القرن الافريقي. وهذا يعني انها ستقدم الدعم لآبي، لكنها ستحافظ على علاقات مع جبهة تيغرايا، خصوصاً مع قوات أغازي الخاصة (مشكّلة بصورة كاملة من جنود تيغرايا الذين تم اختيارهم لولائهم المطلق لجبهة تحرير شعب تيغرايا) التي قدمت الدعم لضربات الولايات المتحدة ضد الإرهابيين في الصومال.
مخاطر
وهناك بعض المخاطر بالنسبة لإريتريا أيضاً. وبالنظر إلى سيطرة جبهة تيغرايا على سلسلة القيادة العسكرية، فانه من غير الواضح ما إذا كان آبي سيكون قادراً على سحب القوات الاثيوبية من الحدود مع إريتريا. ولذلك، حتى لو شكّل أسياس وابيي تحالفاً وثيقاً، فان إريتريا ستجد نفسها في موقف محرج، حيث إنها أعلنت السلام مع إثيوبيا، وفي الوقت ذاته عليها أن تدافع عن حدودها ضد عدوان جبهة تيغرايا، وربما يكون العدوان على شكل تحالف وثيق مع جيبوتي التي ستخسر الكثير من تجارة موانئها إذا انفتحت الحدود الإريترية - الإثيوبية.
وإضافة إلى ذلك، فان أي سلام لا يسمح لإريتريا بتسريح جنودها بصورة شاملة وسريعة من برنامج الخدمة الوطنية، فإن ذلك مبعث مشكلات سياسية لأسياس. وبعد 20 عاماً من الحرب أصبح الشعب الإريتري متعطشاً إلى حالة من الاستقرار السياسي، بما فيها تسريح جنود الجيش الإريتري الضخم.
قبول الخطر
نتيجة مواجهتها لتهديد الحرب الأهلية في إثيوبيا إذا فشلت الإصلاحات في هذا البلد، فإن إريتريا ليس لديها أي خيار سوى القبول بهذا الخطر، وأن تلقي بكل ثقلها لدعم آبي، ولكن الساعة تدق الآن من أجل الإصلاحات، ومن غير الواضح مدى استعداد الحكومة الإريترية، بعد كل هذه السنوات التي عاشتها في الحروب والأزمات، لهذا الإصلاح.
ومن المهم بالنسبة لصانعي السياسة في البلدين أن يفهموا أن هذا الاندفاع نحو السلام هو قضية تكتيكية، طالما أن كل من آبي وأسياس يظلان تحت تهديدات وجودية من قبل جبهة تحرير شعب تيغرايا، الامر الذي يجعل الرجلين يغضان النظر عن الكثير من خلافاتهم.
وعلى المدى القصير ستكون هناك مخاطر لهذا الاندفاع السريع نحو السلام بين إثيوبيا وإريتريا، لأن ذلك سيؤدي إلى سحب عشرات الآلاف من الجنود الإثيوبيين من مواقع القتال على الحدود مع إريتريا، وبالتالي فإن مصيرهم لايزال مجهولاً. ويمكن ان يتجاهلوا أوامر الانسحاب من الأراضي الإريترية. وإذا انسحبوا فعلاً فثمة سؤال حول إمكانية تسريحهم، أو إعادة نشرهم في مواقع أخرى. وفي الحقيقة فإن السلام مع إريتريا سيؤدي إلى وجود فائض في القدرات العسكرية عن الحاجة، في زمن ستكون فيه سلسلة القيادة العسكرية غير موثوقة إلى حد كبير، كما أن الجهود العقلانية الرامية الى تخفيف قبضة «جبهة تحرير شعب تيغرايا» عن السلطة لايزال يفهمه الكثير من شعب التيغيراي، بأنه شبيه بعملية اجتثاث البعث التي حدثت في العراق عام 2003 والتي أدت الى نشوب ثورة.
وفي الوقت الحالي يمكن أن يبقى المتشددون في «جبهة تحرير تيغرايا» تحت السيطرة عند تهديدهم بالغضب الشعبي. ولكنهم يمكن أن يكونوا في حالة يائسة تدفعهم للقيام بعمل طائش. وفي الوقت ذاته فإن تحسن العلاقات مع اريتريا، إضافة إلى الجيش القوي الذين يمكن نشره في الفناء الخلفي لـ«جبهة تحرير تيغرايا»، فإن ذلك يساعد على توازن القوى، وذلك بالتذكير الدائم للمتشددين في الجبهة بعدد الأعداء الذين يتربصون بهم.
برونوين بروتون: مدير مركز إفريقيا في «أتلانتك كاونسل» في واشنطن
- بالنظر إلى سيطرة
جبهة تيغرايا على
سلسلة القيادة
العسكرية في إثيوبيا،
فإنه من غير الواضح
ما إذا كان آبي
سيكون قادراً على
سحب قواته من
الحدود مع إريتريا.
- تركز إدارة الرئيس دونالد ترامب حالياً على
كل شيء باستثناء إفريقيا. وإضافة إلى الثناء
على إصلاحات آبي، يبدو أن البيت الأبيض والاتحاد
الأوروبي غير مدركين لصراع الحياة أو الموت
على السلطة في إثيوبيا.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news