ترامب على صواب في سـحب القوات الأميركية من سورية
يعد قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بسحب القوات الأميركية من سورية صائباً، اذ إن هذه القوات ليس لديها أي سبب استراتيجي لتكون في هذا البلد. وإذا طال بقاؤها في سورية فترة أطول فإنها ستزداد تورطاً في الصراعات، وإذا حاولت هذه القوات فرض نوع من السلام، فإنها ستتعرض للهجمات من جميع الأطراف الموجودة في المنطقة. وفي الحقيقة فإن العالم الخارجي ليس له مصلحة في الصراع الكردي التركي.
ويجب على الولايات المتحدة أن تخرج من الشرق الأوسط برمته. وكان ترامب واضحاً في تأكيده الانسحاب، ولكن طبيعة الرجل الذي لا يمكن توقع ما يريد، إضافة إلى طريقته غير الدبلوماسية في إطلاق التصريحات أدت جميعها إلى تشويه نواياه.
وهذه المرة لم تكن دوافع ترامب للانسحاب الأخير من شمال سورية واضحة تماماً كما هي عادته، إلى الدرجة التي أثار فيها غضب المحافظين والليبراليين على السواء، وإن كانت تبدو مطمئنة وتحذيرية في الوقت ذاته. وأصبح التدخل العسكري متجسداً الآن في رؤية الغرب للعالم، ولكن بالنظر إلى أنه ليس هناك توقيت جيد للتدخل في مشكلات الشعوب الأخرى، فإنه ليس هناك توقيت جيد للتوقف عن هذه التدخلات أيضاً.
وكما هي الحال في أي تدخل، تتطور الخطابات، وتتشكل الأحلاف، وليس هناك شيء أكثر حماقة من فكرة تشجيع المعارضة السورية، وتقديم المساعدة منذ عام 2015، حيث اندلعت الحرب الأهلية ضد الحكومة السورية، وهي حرب كان رئيس الحكومة البريطاني في حينه ديفيد كاميرون متلهفاً لدفع المملكة المتحدة للانضمام إليها. وانحدر شمال العراق نحو الفوضى، وتم تشجيع الأكراد لزيادة الضغط على تركيا وسورية، الأمر الذي أنذر بكابوبس صراع ثلاثي في المنطقة، تعمل الولايات المتحدة فيه على دعم الأكراد.
وكان الرئيسان الأخيران للولايات المتحدة باراك أوباما ودونالد ترامب قد دخلا البيت الأبيض مستندين إلى خطاب الانسحاب من المنطقة، ولكن ثبت أن ذلك أكثر تعقيداً مما يعتقدان، ولذلك بذل ترامب جهداً كبيراً للانسحاب من أفغانستان، لكنه لم يتمكن من القيام بذلك، والآن يترك الأكراد في المجهول.
وعندما اتحد العالم من أجل حرب تنظيم «داعش» كان هناك درجة من الوضوح في ذلك، ولكن الآن تم تدمير «داعش»، ويبدو أن ترامب شعر بأن هذه الحرب قد زادت على الحد ويجب وقفها. ويمكن أن يرقى تخليه عن الأكراد والسماح لتركيا بغزو سورية إلى مرتبة عالية في سجلات الخيانة الدبلوماسية، وأما إذا اعتبرت من قبيل الواقعية السياسية فهي لم تجانب الصواب مطلقاً.
وهكذا تجري معظم التدخلات دائماً، وخلال محاولتها تقليد دور الشرطي العالمي، أصبحت سياسة الولايات المتحدة عبارة عن مصدر للكوارث. وتم تدمير العديد من المدن سواء كانت حديثة أو قديمة، وقتل الكثير من الأبرياء ربما يصل تعدادهم إلى مئات الآلاف، في حين تم تبديد تريليونات من الدولارات. وإذا أراد ترامب أن يضع نهاية لهذه الدائرة المفرغة من تدمير الذات فإنه يستحق الثناء.
بذل ترامب جهداً كبيراً للانسحاب من أفغانستان لكنه لم يتمكن من القيام بذلك، والآن يترك الأكراد للمجهول.