رفع العقوبات عن السودان ضروري لتشجيع الإصلاحات وإنجاح المرحلة الانتقالية
تواجه الولايات المتحدة مأزقاً صعباً لأنها تدرس متى ترفع العقوبات المشددة عن السودان، وهي عقوبات ظلت كما هي لفترة طويلة جداً، ويمكن أن تعرقل الانتقال إلى الديمقراطية إذا لم يتم رفعها.
تهدف الحكومة الانتقالية الجديدة، التي تم تشكيلها أخيراً، بعد الاضطرابات التي اجتاحت الخرطوم بعد الإطاحة بالديكتاتور عمر البشير في الـ11 من أبريل، إلى حل عقود من الصراع الداخلي وإنقاذ الاقتصاد المتهالك. وتقول الخرطوم إن مفتاح هذا الأخير هو شطب السودان من قائمة الولايات المتحدة للدول الراعية للإرهاب، والتي فرضت عليها قبل ثلاثة عقود تقريباً.
شجعت الولايات المتحدة إلى حد كبير تولي إدارة عسكرية ومدنية السلطة، والتي ستمهد الطريق للانتخابات خلال ثلاث سنوات. ومع ذلك، فهي تريد أن ترى أدلة على التقدم على جبهات عدة، بما في ذلك جهود السلام وحرية التعبير والقضايا الإنسانية، قبل أن تحذف السودان من القائمة.
في حين أنه قد يكون من الصواب أن نكون حذرين بشأن عملية الانتقال، فإن تهمة الإرهاب تمنع الإدارة الجديدة من الوصول إلى المؤسسات الدولية، مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي؛ وإعاقة الجهود المبذولة للتفاوض على تخفيف عبء الديون، وجذب المستثمرين الغربيين. وتُجادل السلطات السودانية بأن الشطب ضروري لتمكينها من معالجة المشكلات الاقتصادية العميقة الملحة، الناتجة عن العزلة الدولية وسوء الإدارة؛ والتي أثارت في أواخر العام الماضي الاحتجاجات الجماهيرية التي أدت إلى الإطاحة في النهاية بالبشير.
معضلة
إن قضية رفع العقوبات المفروضة على «منبوذ» دولي سابق، تزامناً مع حدوث تغيير سياسي أو حل وسط إيجابي يمكن أن يكون محفوفاً بالمخاطر، كما اكتشفت الولايات المتحدة في حالة ميانمار، اذ بدأت إدارة الرئيس باراك أوباما في عام 2012 بتخفيف الإجراءات مع التحول الديمقراطي، بالرغم من ان الجنرالات ظلوا يحتفظون بسلطات كبيرة. وقد أدى اضطهادهم اللاحق للروهينغا إلى دفع الولايات المتحدة لسحب المساعدة العسكرية، وفرض عقوبات على كبار ضباط الجيش.
أوجه التشابه مع السودان واضحة وقد تدفع واشنطن للتحفظ بشأن رفع السودان من القائمة السوداء. وقال مساعد وزيرة الخارجية الأميركية للشؤون الإفريقية، تيبور ناغي، هذا الشهر، إن شطب السودان من الحظر «عملية وليست حدثاً». وأشارت تقارير أخرى إلى أن تغيير تصنيف السودان قد يستغرق نحو عام. ويمكن القول إن هذا قد يكون وقتاً كافياً لتحديد ما إذا كان المسار الحالي للبلاد يمكن أن يدوم. لكن حرمان السودان من الحصول على التمويل والاستثمار يمكن أن يعمل عن غير قصد ضد النتيجة التي تسعى إليها الولايات المتحدة.
إنها معضلة، ليس أقلها لأن واشنطن كانت قد تعرضت لموجة من الانتقادات قبل عامين عندما رفعت معظم العقوبات التجارية والاقتصادية المفروضة ضد السودان. أعقب ذلك تحسين التعاون الثنائي، خصوصاً فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب في المنطقة، والوصول إلى المناطق التي تحتاج إلى مساعدة إنسانية.
ربما جادل البعض في واشنطن، في ذلك الوقت، بأن مكافأة السودان لمساعدته الاستراتيجية تخطت المخاوف القائمة بشأن سجله في مجال حقوق الإنسان. وفيما إذا كانت التسويات المماثلة تستحق التسوية في هذا المنعطف فذلك أمر قابل للنقاش، لكن الحجج المتعلقة برفع العقوبات تبدو أكثر إقناعاً، اذ يبدو التحول الديمقراطي ممكناً بشكل واضح.
بموجب الاتفاق الذي تم التفاوض عليه بوجود مجلس عسكري انتقالي، سيطر على السلطة بعد الإطاحة بالبشير، سيشرف مجلس سيادي يتألف من ستة أعضاء مدنيين وخمسة عسكريين، على حكومة ذات أغلبية مدنية. ووجاءت الصفقة بعد أشهر عدة من الاضطرابات، فشل خلالها المجلس العسكري والمعارضة مراراً في الاتفاق على تكوين سلطة مؤقتة.
يريد بعض كبار القادة العسكريين، وقوات الدعم السريع شبه العسكرية، حماية مصالحهم الاقتصادية في البلاد، وربما يخشون على الأرجح من المحاكمة بسبب جرائم مالية مزعومة، وانتهاكات لحقوق الإنسان، خلال حكم نظام البشير. وقد تم بالفعل توجيه الاتهام إلى البشير بالفساد.
مبادرات عدة
تقدمت الحكومة الجديدة، بقيادة رئيس الوزراء عبدالله حمدوك، وهو خبير اقتصادي، بمبادرات عدة من شأنها إرضاء الولايات المتحدة، وقد قدم بالفعل مبادرات للجماعات المتمردة من دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان. وفي الواقع، وخلال زيارة لجوبا في جنوب السودان، في أول رحلة خارجية له، قابل بعض ممثليهم. كما وضع حمدوك، أيضاً، خطة إنقاذ اقتصادية تهدف إلى الحد من التضخم، وتحسين العرض المتوافر من السلع الأساسية. في الوقت نفسه، حث وزير النفط عادل علي إبراهيم شركات الطاقة على تكثيف جهود التنقيب. وفقد السودان نحو 75% من إنتاجه من النفط عام 2011 عندما انفصل جنوب السودان عن شماله.
لكن قدرة الحكومة على تحقيق هذه الأهداف وأكثر، يمكن أن يقوضها أنصار النظام السابق، لاسيما أولئك الأعضاء العسكريون في السلطة الجديدة، والكيانات المسلحة القوية ذات المصالح الاقتصادية الخاصة. ويمكن أن تنشأ نقاط توتر بين العسكريين ونظرائهم المدنيين حول فتح الاقتصاد أمام المستثمرين الأجانب؛ والإشراف على تجارة الذهب والعملات في البلاد؛ وكذلك السياسة الخارجية مع الدول المجاورة والعربية، ومفاوضات السلام مع المتمردين.
ومع ذلك، ما لم تتمكن الحكومة من الاستفادة من الأموال الغربية، فإنها تواجه مخاطر فورية. السودانيون العاديون يطالبون بإنعاش سريع للاقتصاد، ويمكن أن يخرجوا إلى الشارع إذا لم يكن ذلك وشيكاً، كما فعلوا خلال الثورة التي أطاحت بالبشير. الشطب من القائمة سيساعد بلاشك في عمل الحكومة. على الرغم من أن الأموال قد لا تتدفق على الفور، لأن السودان ربما يحتاج إلى تسوية متأخرات كبيرة مع المؤسسات المالية الدولية، ولكن من المرجح أن يشعر المستثمرون بمزيد من الثقة بشأن المشاركة. وفي حين أن الولايات المتحدة محقة في أن تشعر بالقلق إزاء رفع العقوبات قبل الأوان، إلا أنها ستدرك أن السلطات الجديدة يجب أن تلبي الاحتياجات الأساسية للسكان من أجل بناء شرعيتهم.
في عام 2017، تم تعليق معظم العقوبات لمدة تسعة أشهر، ثم تم رفعها بشكل دائم، بعد أن شعرت واشنطن بحدوث تقدم كافٍ بشأن المطالب الرئيسة. قد تفكر واشنطن هذه المرة في التنازل مؤقتاً عن قائمة الإرهاب، أو إجراء مشابه، للسماح للخرطوم بترتيب وضعها المالي.
إيغال تشازان : رئيس المحتوى في مؤسسة «ألاكو» بلندن.
- قدرة الحكومة على تحقيق أهدافها التنموية،
يمكن أن يقوّضها أنصار النظام السابق، لاسيما
أولئك الأعضاء العسكريون في السلطة الجديدة،
والكيانات المسلحة القوية ذات
المصالح الاقتصادية الخاصة.
75 %
من إنتاج النفط،
خسرتها الخرطوم،
في عام 2011
عندما انفصلت دولة
جنوب السودان.