طهران تختلف تماماً عن بيونغ يانغ
إظهار الحزم وعدم التنازل يضمنان نجاح المفاوضات مع إيران
منذ بعض الوقت، ثمة أسئلة مهمة حول نوعية الاستعدادات التي يجب القيام بها في الإدارة الأميركية، قبيل مفاوضات محتملة مع إيران حول الملف النووي. وخلال الفترة الأخيرة، ظهرت مؤشرات متزايدة مفادها أن هذه الاستعدادات جارية الآن في البيت الأبيض أو وزارة الخارجية، إذ يبدو أن الرئيس دونالد ترامب يعتقد أنه قادر على حل المشكلة وحده، وفي اجتماع واحد مع الرئيس الإيراني، حسن روحاني. وعند الرجوع إلى ما فعله الرئيس ترامب في كوريا الشمالية يزداد القلق من أنه يرى المفاوضات بين الطرفين من منظور واحد، الأمر الذي يمكن أن ينطوي على آثار سلبية عن التعامل مع إيران.
وبخلاف العديد من المحللين الذين أعلنوا أن حملة ترامب، التي تعد من الضغوط القصوى على إيران، قد فشلت، فإن الأمر مختلف عما يقوله هؤلاء. والحقيقة المهمة أن مجرد الحديث عن مفاوضات محتملة هو نتيجة لحملة الضغوط. ولو أن إدارة ترامب لم تغير المسار الذي تتخذه إزاء إيران، لكانت الرسالة الطاغية الآن مفادها أن إيران قابلة بالاتفاقية، وأن الأمور كلها تسير على ما يرام. لكن نتيجة الخطوات التي اتخذتها الولايات المتحدة خلال العامين ونصف العام الماضية، أجبرت القوى الأخرى على الاعتراف بأن ثمة أخطاء في الاتفاقية وينبغي معالجتها. وأخيراً، قامت الدول الأوروبية بخطوات أقرب نحو أسلوب الولايات المتحدة، واتهموا إيران بأنها المسؤولة عن ضرب المنشآت النفطية السعودية، وحثوا إيران على معالجة القضايا الإشكالية في نشاطاتها المتعلقة بالسلاح النووي والصواريخ، والتدخل في شؤون دول المنطقة. وذهب رئيس الحكومة البريطانية الجديد بوريس جونسون إلى أبعد من ذلك، حيث أعلن أن الاتفاقية النووية الدولية مع إيران سيئة، ويجب التفاوض على اتفاقية أخرى جديدة.
المفاوضات لن تكون سهلة
وإضافة إلى ما ذكر، لابد من القول بأن المفاوضات مع الإيرانيين لن تكون أمراً سهلاً، لأن النظام الإيراني يختلف تماماً عن رئيس كوريا الشمالية كيم يونغ أون، الذي كان كل ما يرغب فيه والده وجده منذ سنوات عدة هو مفاوضات وجهاً لوجه مع الأميركيين. ويكفي بالنسبة للزعيم الكوري الشمالي أن يجلس مع الرئيس الأميركي، فان ذلك بالنسبة له يعد مكسباً عظيماً، وهو مستعد لقاء ذلك تخفيف التوترات بين الطرفين. لكن بالنسبة لإيران فإن هذه المفاوضات هي آخر ما يريده المرشد الإيراني علي خامنئي.
وإضافة إلى ذلك، فإن إيران بخلاف كوريا الشمالية ليست دولة نووية، لذلك فإن الهدف ليس تخفيف التوتر في العلاقة بين إيران والولايات المتحدة، وإنما التفاوض على اتفاقية نووية أفضل، وهي مهمة ليست سهلة. ويتعين على المفاوضين الأميركيين إمعان النظر جيداً في الاستراتيجيات الإيرانية وتكتيكاتها في التفاوض، والتي ترجع إلى عام 2003. وعليهم أن يفهموا أن هذه المفاوضات لن تكون نتيجتها الفوز للطرفين، فإما أن تكون إيران قادرة على أن تصبح دولة نووية أو يتم منعها. وليس هناك حل وسط بين ذلك يجعل الطرفان راضيان.
لكن إيران هي الطرف الذي انتهك وبشكل صارخ الالتزامات التي وقعت عليها عندما انضمت إلى اتفاقية الحد من انتشار السلاح النووي، وبدأت في الكذب وخداع منظمة الطاقة النووية حول التطور في المجال النووي العسكري منذ عقود عدة. وبناء عليه فإنها ليست على قدم المساواة في موقفها من الدول العظمى التي تطالبها بالعودة إلى التزاماتها التي قطعتها. وحقيقة أن القوى العظمي تطالب إيران تحقيق هذا الالتزام على طاولة المفاوضات، وليس عن طريق القوة العسكرية، لا يعني أن هذا الأسلوب يمكن أن لا يكون أقل قوة في الضغط على إيران. وفي الحقيقة إن المفاوضات مع إيران هي بصورة أساسية لعبة إجبارها على الامتثال بما هو مطلوب منها.
الحسم
أحد الأشياء الأكثر أهمية التي يجب تجنبها في المفاوضات مع إيران هو أن يكون المفاوضون حاسمين في مواقفهم، وألا يبدؤوا بتقديم التنازلات. وهذا كان درساً واضحاً من مفاوضات الاتفاقية السابقة. وكانت الدول 5+1 هي التي قدمت التنازلات لإيران في البداية، خلال المفاوضات السرية، التي سبقت المفاوضات الرسمية. لكن لطول فترة المفاوضات التي استمرت بين 2014 و2015، لاحظ المراقبون أن إيران وقفت موقفاً متشدداً، رافضة تقديم أي تنازلات في حين أن الدول الست الأخرى هي التي كانت تقدم التنازلات.
وبعد أن حظيت إيران بأول تنازل من الدول العظمى أدركت أن مزيداً من هذه التنازلات سيأتي تباعاً. وعند تقديم كل تنازل كانت الولايات المتحدة والدول الأخرى تعتقد أن الاتفاقية أصبحت في المتناول، الأمر الذي يدفعها إلى تقديم تنازل آخر بهدف التوصل إلى حل. وتم استغلال الدول الست بصورة كبيرة في عملية المفاوضات، بعد أن أدرك الإيرانيون أنهم متلهفون إلى التوصل لاتفاقية. وهذا مكن إيران من مواصلة الضغط من أجل مزيد من التنازلات. وكانت النتيجة اتفاقية نووية بعيدة جداً عن الأهداف التي أعلنتها إدارة الرئيس باراك أوباما في البداية.
لكن ما شهدناه، أخيراً، من الرئيس ترامب، بعد حملة الضغوط التي نجحت في إيجاد نفوذ للولايات المتحدة، أن ثمة مؤشرات إلى أنه بدأ يرتكب الأخطاء، حيث إنه بدأ يقدم التنازلات أولاً. وعلى الرغم من أنه لايزال حتى الآن يمارس أقصى الضغوط على إيران، ويضيف مزيداً من العقوبات عليها، إلا إنه في الوقت ذاته يظهر مدى تلهفه من أجل لقاء الرئيس الإيراني حسن روحاني، إضافة إلى اقتراح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بتقديم 15 مليار دولار لإيران إذا عادت إلى شروط الاتفاقية السابقة. وترى إيران في هذه اللهفة ضعفاً، عليها أن تستغله إلى أقصى حد ممكن، وهذا بالتأكيد ليس نقطة بداية للتفاوض مع إيران.
وما يزيد الضعف في قدرة ترامب على التفاوض بنجاح مع إيران، هو تآكل قدرة الولايات المتحدة على الردع. وكان هذا واضحاً إثر الهجوم الذي شنته إيران على المنشآت السعودية. ويرى الخبراء أنه كان يتعين على الرئيس ترامب أن يكون رده أكبر من مجرد عقوبات اقتصادية.
لا اهتمام من أحد
وفي هذا الوقت لم يظهر الكثير من الاهتمام، لا من منظمة الطاقة النووية ولا من الدول العظمى التي تتعامل مع الأزمة، لما تكشف، أخيراً من مواصلة إيران نشاطاتها النووية العسكرية، وذلك استنادا إلى وثائق إيرانية أصلية موجودة في الأرشيف النووي. والغريب أن جميع التقارير المتعلقة بتقدم الأسلحة النووية والصاروخية لكوريا الشمالية حتى لو كان صادراً عن معهد بحث، كان يتم الإقرار فوراً على أنه صحيح ودقيق. وبالمقارنة، فإن التقارير التي تحدثت عن مواصلة إيران نشاطاته النووية العسكرية كانت تواجه بتشكك فوري بصحتها. وإثر نشر رئيس حكومة إسرائيل، بنيامين نتنياهو، نشاطات إيران النووية التسليحية، قامت صحيفة نيويورك تايمز بنشر تحليل شامل يتهم نتنياهو بأنه يقوم بحركة انتخابية، ولا يمكن الثقة بها. وتساءلت الصحيفة: إذا كانت هذه المعلومات صحيحة فلماذا ينشرها نتنياهو الآن، لماذا لم ينشرها من قبل؟
ماضي إيران
من المهم تسليط الضوء على ماضي إيران ونشاطاتها النووية العسكرية الأخيرة، لأن هذه الجولة من المفاوضات يجب أن تبدأ برسالة واضحة تماماً، مفادها أن إيران عملت على تحقيق قدرات نووية عسكرية منذ عقود عدة منتهكة اتفاقية الحد من انتشار السلاح النووي، حيث قامت بخداع المجتمع الدولي. وخلال المفاوضات السابقة مع الدول الست، لم يتم التركيز على البعد العسكري للبرنامج النووي الإيراني، وهو الأمر الذي ينطوي على نتائج سلبية في النهاية، في الوقت الذي تطالب فيه إيران بمعاملتها باعتبارها عضواً «طبيعياً» في اتفاقية الحد من انتشار الأسلحة النووية، بما فيها حقوق السرية مع المنظمة الدولية للطاقة النووية.
ومرت اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا العام دون «قمة» بين الرئيسين ترامب وروحاني، أو حتى اتصال هاتفي بينهما، وهو الأمر الأفضل على ما يبدو. وإذا حدثت مفاوضات جدية فعلاً، فيتعين على إدارة ترامب أن تكون مستعدة تماماً. وفي الوقت ذاته يجب أن تكون حازمة بحملة الضغط، وتواصل محاولة دفع الدول الأوروبية للرد بحزم على كل عدوان تقوم به إيران، وأن تضع استراتيجيات تفاوض واضحة، وأن تحذر من تقديم التنازلات أولاً.
• خبراء يرون أنه كان يتعين على ترامب أن يكون رده على استهداف إيران المنشآت النفطية السعودية أكبر من مجرد عقوبات اقتصادية.
• إيران بخلاف كوريا الشمالية ليست دولة نووية، لذلك الهدف ليس تخفيف التوتر في العلاقة بين إيران والولايات المتحدة، وإنما التفاوض على اتفاقية نووية أفضل، وهي مهمة ليست سهلة.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news