المفكر السوداني حيدر إبراهيم: إطاحة «الإخوان» يجب أن تشمل «الوطني» و«الشعبي»
دعا المفكر وعالم الاجتماع السوداني، الحائز، أخيراً، «جائزة العويس» في مجال «الدراسات الإنسانية والمستقبلية» الدكتور حيدر إبراهيم، إلى مواجهة شاملة مع نظام «الإخوان» البائد في السودان، رافضاً التفرقة بين حزبي «المؤتمر الوطني» و«المؤتمر الشعبي»، واعتبر أن المطالبة بـ«محاكمات ثورية عاجلة» أمر مشروع، مميزاً بين «تجربة مانديلا»، التي اعترف فيها نظام الأبارتاهيد بجرائمه، ثم اعتذر عنها، فمهد الطريق بذلك للمصالحة، ونظام الإنقاذ الذي تصر عناصره على مواصلة الثورة المضادة وتمارس الإنكار، كما طالب إبراهيم بدفع الثورة السودانية، لتتجاوز مهامها إطاحة الديكتاتورية وإقامة الديمقراطية الرابعة، لتتبنى عقداً اجتماعياً سودانياً جديداً، يكون تركيزه على إقامة تنمية وتوزيع عادل للثروة والسلطة، وإقامة عصر النهضة السوداني المرتكز على قيم العقلانية والتنوير.
وقال الدكتور حيدر إبراهيم، في حوار خاص مع «الإمارات اليوم» بمنزله في حي المعادي بالقاهرة، إن «ما حدث بالسودان في ديسمبر 2018، هو ثورة سياسية واجتماعية وفكرية، أطاحت - في الشق السياسي منها - الديكتاتورية، وفتحت الباب لاستعادة الديمقراطية والحريات في كل المجالات، كما أفسحت المجال في الشق الاجتماعي لقوى الشباب والمرأة لتتصدر المشهد، بعد أن قمعت كثيراً في ظل النظام البائد، أما فكرياً فقد رفعت الثورة شعار مدنية الدولة ضد دعاة الدولة الدينية والدولة العسكرية». وتابع إبراهيم: «الثورة هدم وبناء، وقد نجحت الثورة في مرحلتها الأولي، وهي إطاحة نظام الإنقاذ، ودخلت المرحلة الثانية وهي التصفية الكاملة للنظام القديم، وهي المرحلة التي تسير حالياً ببطء شديد، ويرجع ذلك إلى صيغة التحالف العسكري المدني الموجودة، وإلى عرقلة بعض العناصر للتصفية الكاملة والجذرية للنظام القديم، خصوصاً أن هذه العناصر شاركت في ممارسات النظام القديم على الأقل من باب الوظيفة، إن لم يكن من باب القناعة الأيديولوجية».
مواجهة النظام «الإخواني»دعا إبراهيم إلى مواجهة أكثر جذرية للنظام «الإخواني» البائد في السودان، مشدداً على أن هذه المواجهة، يجب أن تشمل حزب «المؤتمر الوطني» الذي كان يترأسه الرئيس المخلوع عمر البشير، وحزب «المؤتمر الشعبي» الذي أسسه الدكتور حسن الترابي. واستطرد: «المؤتمر الشعبي بقيادة الترابي هو الذي قاد انقلاب 1989 العسكري (الإخواني) ضد الديمقراطية الثالثة، وهو الذي تبنى كل الممارسات الفاشية اللاديمقراطية، التي شهدها السودان في عشرية الانقلاب الأولى، كالتعذيب الوحشي والاحتجاز في بيوت الأشباح، وفصل الألاف من وظائفهم تحت مسمى الصالح العام، وغير ذلك. كما أن قيادة (المؤتمر الشعبي) ظلت، حتى الليلة الأخيرة، تجدد ولاءها لنظام البشير ضد ثورة كل الشعب السوداني، رغم انسلاخ قواعدها عنها، وانضمام هذه القواعد لجموع شعبها».
وأشار إبراهيم إلى أن «الإسلاميين السودانيين يتسمون بوقاحة وقوة عين، فهم لم يكتفوا بما فعلوه في السابق، وإنما يريدون أن يتصدروا المشهد الحالي أيضاً، رافعين شعار: (عدم الإقصاء)، وهم الذين أقصوا الشعب السوداني كله على مدى 30 عاماً، وهم لديهم قدرة على ابتزاز الآخرين، من خلال دغدغة العواطف الدينية، كما نرى ذلك في تحريض الداعية عبدالحي يوسف، وقوله بأن الحكومة السودانية قد جاءت لهدم الدين، واتهامه صراحة وزيرة الشباب، ولاء البوسي، بالردة لتشجيعها الكرة النسائية، مع أن هذا الداعية نفسه، عبدالحي يوسف، لم ينتقد الفساد الذي كان سائداً طيلة 30 عاماً، ولم يدن التطهير العرقي في دارفور، ولا انتهاكات حقوق الإنسان التي مارسها النظام الأمني في عهد البشير».
وطالب إبراهيم بـ«محاكمات ثورية» للنظام القديم، مؤكداً أن ما يدعو إليه ليس إقصاء، لأن ما يقصده هو «إنشاء محاكم ذات صلاحيات قانونية» من جهة، ولأن من يدعون إلى «نموذج مانديلا» ينسون أن «عناصر نظام الأبارتاهيد العنصري قامت - بعد انتصار في جنوب إفريقيا - بالاعتراف بجرائمها أولاً، ثم الاعتذار للشعب وطلب السماح ثانياً، بينما فلول النظام (الإخواني) في السودان لاتزال تبرر ما فعلته من جرائم في الماضي، ولا تكتفي بذلك بل تحشد قواها في مسعى لعمل ثورة مضادة، وتخريب ثورة الشعب في الحاضر».
وختم إبراهيم هذه النقطة، بالقول: «ما ندعو إليه ليس إقصاء مفتوحاً، وإنما هو عزل سياسي قانوني عبر تضمين نص في قانون الانتخابات بحرمان أي شخص ارتكب جرائم بحق الشعب في العهد البائد، من الترشيح والانتخاب وممارسة العمل السياسي، على أن يشمل تعريف هذه الجرائم تجلياتها المختلفة، بدءاً من الانقلاب على الدستور في انقلاب 1989، مروراً بالاشتراك أو التواطؤ على التعذيب، أو الاشتراك، أو التواطؤ على نهب المال العام، ونهاية بالجرائم ضد الشعب وثورته منذ ثورة ديسمبر 2018، وحتى اليوم، وأيضاً ما سبقها من انتفاضات ضد الحكم الإنقاذي».
وفي ما يخص رؤيته للأحزاب التقليدية التاريخية بعد الثورة، قال إبراهيم إن «الأحزاب التقليدية بحاجة إلى تجديد جذري لهياكلها وبرامجها وأدائها بعد ثورة ديسمبر، فهذه الأحزاب قائمة على الولاء الديني، وعبادة الفرد، ولابد أن تتحول إلى أحزاب سياسية، تمارس الديمقراطية داخلها قبل كل شيء، وتطرح برامج سياسية. وهي لاتزال - حتى الآن - تستمد جماهيريتها من الريف، مستغلة التخلف الاقتصادي وقلة الوعي، ودليل ذلك أن قيادتها حتى الآن لا تستطيع أن تنزل الانتخابات في دوائر العاصمة المثلثة».
وتابع إبراهيم: «الأحزاب الكبرى والتقليدية لازالت تتعامل مع حكومة الثورة الانتقالية بـ(نصف قلب)، ولم تساندها بصورة كاملة وصادقة، ولم تحشد جماهيرها مع قوى الثورة والحكومة الثورية الانتقالية، كما لم تتحمل مسؤوليتها القومية والوطنية لاحتضان هذه الحكومة».
وحول الاتهامات التي وجهتها قيادات تقليدية إلى شباب الثورة بأنهم «بلا خبرة»، وأنهم «نشطاء أكثر من كونهم سياسيين»، تقودهم «الرومانسية» لا «الواقعية»، وأن أداء حكومة حمدوك يتسم بـ«الضعف»، قال إبراهيم إن «الخبرة هي مجرد ذريعة تسوقها القوى التقليدية هنا، لنزع حق السلطة من الشباب، فالخبرة ليست حالة ذهنية أو عقلية، فقد يكرر الشخص الواحد خبرة سنة واحدة لمدة 80 عاماً، فهي بهذا المعنى ليست ظاهرة إيجابية، والسياسة والحكم تحتاجان إلى التجديد، والإبداع خشية الجمود والتكلس والتخلف عن العصر. أما في ما يخص اتهام الحكومة الانتقالية بالضعف، فإن مشكلة هذه الحكومة في وجود أطراف كثيرة تتجاذبها وتمنعها من الانطلاق بما يضع أمامها الكثير من العقبات».
الفرصة سانحة
وأعرب إبراهيم عن اعتقاده أن الفرصة سانحة على أي حال أمام الحكومة الحالية، لوضع مقدمات إقرار السلام في البلاد، وقال إن «الحرب الأهلية طوال فترة حكم البشير خلقت أمراء حرب، يريدون استمرار الحرب إلى ما لا نهاية، لكن في تقديري إن القوى المتحاربة لم تعد لديها القدرة أو الإمكانات لاستمرار الحرب، حتى لو رفعت شعارات الاستمرار، لذا فأنا أعتقد أنه يمكننا أن نطوي صفحة الحرب الأهلية إلى الأبد».
آفاق الثورة
اختتم المفكر السوداني حواره بأن «الثورة السودانية تملك آفاقاً أبعد بكثير من مجرد إطاحة النظام الديكتاتوري واسترداد الشعب ديمقراطيته، من هذه الآفاق إقامة عقد اجتماعي سوداني جديد، مبني على برنامج حد أدنى لسودان موحد، وتنمية عادلة وتوزيع عادل للثروة والسلطة لكل الســــودانيين، ومنها أيضاً إقامــــة (عصر النهضــــــة السوداني) لتسييد العقلانية والتنوير في الحياة العامة السودانية، عبر نظام تعليمي حديث وثقافة وطنية ديمقراطية تقدمية، منها تمكين المرأة، والتي كان دورها بارزاً في الثورة، عبر تأكيد إنسانيتها بوصفها إنساناً كاملاً لا يجوز التعدي على أيٍّ من حقوقه في الوجود، مثل: التعليم، والعمل، والمشاركة السياسـية، وطرح مفهوم (القوامة) من منظور اجتماعي جديد ومتطور ومستنير».