250 شخصاً قُتلوا منذ اندلاع التظاهرات في بداية أكتوبر الماضي
المتظاهرون العراقيون يتهمون إيران باستخدام العنف ضدهم
كان المتظاهرون العراقيون يلوّحون بأعلام بلادهم وينشدون شعارات مثل «الشعب يريد إسقاط النظام»، وسط أصوات «الركشة» المزعجة، والقنابل اليدوية، والألعاب النارية، يوم الجمعة. ووجد المتظاهرون على جسر الجمهورية، المؤدي إلى المنطقة الخضراء، ملاذاً لهم خلف الكتل الإسمنتية، في الوقت الذي كانت قوات الأمن تطلق عليهم القنابل المسيلة للدموع، وتم قتل العشرات خلال أسبوع واحد.
وفي الطرف الثاني من الجسر، وعند المكاتب الحكومية، كانت تجري هناك معركة مختلفة، حيث كان السياسيون يتناقشون حول مستقبل رئيس الحكومة، عادل عبدالمهدي، وكشف الترقب حول مصيره عن خطوط التصدع الموجودة بين الوسطاء الحقيقيين للسلطة في العراق، الذين يعيش بعضهم في إيران.
الدور الإيراني
ويتهم بعض المتظاهرين إيران والمجموعات المدعومة منها، بالضلوع في أسوأ حالات العنف، ما جعل أحد أهم مطالبهم هو التخلص من النفوذ الإيراني في الدولة. وأصبح شعار «إيران اخرجي فوراً» شائعاً بين المتظاهرين في ساحة التحرير وسط بغداد، وانتشر تسجيل فيديو، يوم الجمعة الماضي، يظهر المحتجين وهم يحرقون العلم الإيراني. وقال المتظاهر، علي قاسم (17عاماً): «الإيرانيون هم الذين هاجمونا ودمرونا، والإيرانيون هم الذين أوجدوا هذا الوضع الذي نعيشه الآن، إيران هي التي تحكم الدولة».
ويرى قاسم، كالآخرين من زملائه، إيران باعتبارها القوة التي تحافظ على عبدالمهدي في السلطة، في حين أن المتظاهرين يتهمون طهران بأنها تستغل العراق من أجل تحقيق مصالحها. وتشير الإحصاءات إلى أن 60% من سكان العراق، البالغ تعدادهم 40 مليوناً، تحت سن 25 عاماً. وكان المتظاهرون قد خرجوا إلى الشوارع مدفوعين بحافز الوضع الاقتصادي البائس الذي يواجه هذا الجيل، والذي وصل إلى حالة لا يمكن تحملها بعد سنوات من الفساد ترجع إلى عام 2003، إثر الغزو الأميركي الذي أطاح بالرئيس الراحل صدام حسين. وتصل نسبة البطالة بين الشباب إلى معدل مرعب (نحو 25%)، كما أن 20% من السكان يعيشون تحت خط الفقر، على الرغم من أن العراق يمتلك ثروة نفطية ضخمة. وقال البائع الجوال، محمد رضا (18عاماً)، وهو يعمل أيضاً سائق «ركشة»، إنه لا يوجد عمل له، كما أن الشبان يتخرجون في الجامعات ويمكثون في بيوتهم «وأنا تركت المدرسة لأساعد أمي، وليس لدينا طعام، ونحن شعب فقير، وليس لدينا أي شيء، ولا نملك حتى ربع دينار، كيف سأذهب إلى المدرسة».
وانتشرت الشائعات، يوم الخميس الماضي التي تفيد بأن عادل عبدالمهدي سيستقيل فوراً. وفي تلك الليلة ألقى الرئيس العراقي، برهم صالح، خطاباً قال فيه إن عبدالمهدي وافق على الاستقالة، لكن بشرط أن يجد البرلمان العراقي بديلاً له، لكن العثور على بديل لرئيس الحكومة من خلال التفاوض مع شبكة الأحزاب العراقية المتنافسة، عملية تستغرق أشهراً عدة.
عبدالمهدي لا يملك القرار
وبعد أن انقشع الغبار، بات من الواضح أن عبدالمهدي، الذي تكرر قبوله الاستقالة، لا يملك البت في هذا الموضوع، إذ إنه وصل إلى السلطة من خلال ائتلاف مدعوم من إيران، كما أن السلطات الإيرانية تريد بقاءه في السلطة، لكن المتظاهرين مصممين على البقاء في الساحات، ويقولون إنهم لن يغادروا حتى يضعوا حداً للنفوذ الإيراني على النظام الحكومي في بلادهم بصورة شاملة، ولايزال المستقبل يبدو ضبابياً، في الوقت الذي تواجه إيران أكبر التحديات لنفوذها في المنطقة.
ووصل عبدالمهدي إلى السلطة بعد اتفاق بين أكبر كتلتين برلمانيتين في العراق، وهما «كتلة سائرون» التي يقودها رجل الدين مقتدى الصدر، و«ائتلاف فتح» الذي يقوده قائد ألوية «بدر»، هادي العامري، وهي ميليشيا مدعومة إلى حد كبير من إيران.
وبدا، خلال ليلة يوم الثلاثاء الماضي، أن أميري والصدر مستعدان للتوصل إلى اتفاق آخر بهدف إبعاد عبدالمهدي عن السلطة لامتصاص غضب المتظاهرين. لكن يوم الأربعاء وصل قائد فيلق القدس الإيراني، قاسم سليماني، وهي قوات النخبة في الحرس الثوري الإيراني، إلى بغداد، وعقد اجتماعاً سرياً مع العامري، قيل إنه طلب منه مواصلة دعم عبدالمهدي. وقال الباحث ريناد منصور، من «تشاتام هاوس»، إن «إيران لا تريد أن يبدو كأن أمراً يزعزع الوضع في العراق، لأنه من غير الواضح كيفية استقالة عبدالمهدي أو من سيحل مكانه»، وأضاف «لذلك فإن عبدالمهدي مستعد للبقاء في مكانه، والحفاظ على الوضع الراهن، وهو لن يدين أعمال العنف ضد المتظاهرين، كما أنه مستعد لاستخدام القوة لوقف التظاهرات».
تحطيم الاتفاق
وأدى الاجتماع بين سليماني والعامري إلى تحطيم الاتفاق الهش أصلاً بين الصدر والعامري، كما دمر أي فرصة لإيجاد مخرج سهل من الأزمة. وأصدر الصدر في ما بعد بياناً غاضباً قال فيه إنه بدون استقالة عبدالمهدي، لن يكون هناك سوى مزيد من سفك الدماء، وإنه لن يعمل مع العامري مرة ثانية.
لكن كل هذه المناقشات والمناكفات السياسية تظل بعيدة كل البعد عن مطالب المتظاهرين، الذين يريدون أكثر بكثير من مجرد استقالة عبدالمهدي. وقال الطالب المتظاهر، عمار عبدالخالق (18 عاماً)، إن «استقالة عبدالمهدي لن تكون كافية بالنسبة لنا، فحتى لو ذهب فهناك من سيأتي أسوأ منه، نحن نريد دولة جمهورية، نحن لا نريد دولة برلمانية، إذ إن جميع أعضاء البرلمان هم مجموعة من اللصوص ولا يخدموننا».
وقالت الباحثة من معهد أبحاث دراسات العالمين العربي والإسلامي في فرنسا، مريام بنراد، معلقة: «إنهم يحاولون تجنب المشكلة الرئيسة عن طريق التركيز على عبدالمهدي، إذ عليهم أن يطرحوا شيئاً منطقياً وملموساً للشعب العراقي، الذي لم يعد يصدق الوعود الكاذبة التي قدمتها الطبقة السياسية»
بيشا مجيد صحافي مقيم في بغداد
سفك دماء وإصرار
تميزت التظاهرات بانتشار كبير لسفك الدماء، وإصرار غير عادي من قبل الشبان العراقيين المتظاهرين. وقتل نحو 250 شخصاً منذ اندلاع التظاهرات، في بداية أكتوبر الماضي، وهناك نحو 8000 جريح. وأكد تقرير لمنظمة العفو الدولية أن قوات الأمن تطلق النار بصورة مباشرة على رؤوس المتظاهرين وأجسادهم، بقنابل غاز من النوع العسكري والمؤذي، ما أدى إلى مقتل العشرات. وعلى الرغم من العنف الذي يواجهونه، إلا أن المتظاهرين يقولون إنهم مستعدون للتضحية بحياتهم مقابل تغيير النظام. وخلال الليل، وبينما تقوم قوات الأمن بإطلاق الكثير من القنابل المسيلة للدموع، يردون عليهم بإطلاق شعارات تقول «أرواحنا ودماؤنا فداء للعراق».
ويقال إن إيران نسقت بعضاً من أسوأ حالات العنف، في بداية شهر أكتوبر، عندما قام قناصون ملثمون بإطلاق النار على المتظاهرين من فوق أسطح المنازل. وذكر عن سليماني قوله للمسؤولين الحكوميين العراقيين في اجتماع سري معهم: «نحن في إيران نعرف كيف نتعامل مع المتظاهرين»، وقالت الباحثة في المركز الدولي لدراسات التطرف والعنف السياسي، جينيفر كافاريللا: «يتدخل الإيرانيون في العراق في محاولة لقمع حركة التظاهرات، وتعزيز قوة الحكومة المركزية، وإبعادها عن احتمال التغيير تحت ضغط التظاهرات، ولتحقيق هذا الهدف ندرك أنه في أبسط الأحوال قام الإيرانيون بنشر جنود من فيلق القدس، لتقديم المعلومات الاستخباراتية للقناصين».
وقتل نحو 15 شخصاً خلال الجولة الأولى من العنف، حيث كشفت تحقيقات الحكومة العراقية أن 70% منهم تم قتلهم بإصابات، في الرأس أو في الصدر، بالرصاص الحي. وتزايدت بعد ذلك حالات القتل، بعد أن قامت قوات الأمن باستخدام القنابل المسيلة للدموع والقنابل الصوتية ضد المتظاهرين. وكان العديد من القتلى في سن المراهقة الأمر الذي أثار غضباً شعبياً كبيراً في العراق. وقال المتظاهر، يونس رحيم (24 عاماً): «خرج الناس من بيوتهم لمساعدة أبنائهم الذين أصيبوا في التظاهرات، وأي شخص يقتل في الشوارع سأطالب بحقه وكأنه أخ لي».
وألقى المرجع الديني في العراق، علي السيستاني، خطاباً، يوم الجمعة، حذر فيه القوى الأجنبية بألا «تفرض إرادتها» على العراق، وحذر القوات الأمنية من الاستخدام المفرط للقوة قائلاً إنها يمكن أن تؤدي إلى تفجر حرب أهلية، وفوضى، وتدمير داخل الدولة.
لكن الزيارة الأخيرة لقاسم سليماني توحي بأن إيران غير مستعدة لرفع قبضتها عن العراق، ويخشى المراقبون والمحللون من أن ذلك يعني عودة القناصة، والقتل بالرصاص الحي الذي واجهه العراق، في بداية شهر أكتوبر. وقالت كافاريللا «أعتقد أن إيران تستعد من خلال وكلائها لجولة أخرى من العنف، في محاولة منها لتشتيت وقمع المتظاهرين».
ومع دخول التظاهرات شهرها الثاني، يبدو أن مزيداً من سفك الدماء يلوح في الأفق، كما أن المستقبل لايزال غامضاً. والأمر الأكيد الوحيد، على ما يبدو، أن المتظاهرين العراقيين لن يرجعوا إلى بيوتهم من دون قتال.
تصل نسبة البطالة بين الشباب إلى معدل مرعب، نحو 25%، كما أن 20% من السكان يعيشون تحت خط الفقر، على الرغم من أن العراق يمتلك ثروة نفطية ضخمة.
إيران قامت بتنسيق بعض من أسوأ حالات العنف، في بداية شهر أكتوبر، عندما قام قناصون ملثمون بإطلاق النار على المتظاهرين من فوق أسطح المنازل.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news