استراتيجية ترامب في التركيز على نفط سورية تشوّه سمعة بلاده
سيطرت الفوضى على أهداف وجود الجنود الأميركيين في سورية، وما إذا كانت الأهداف المعلنة هي الحقيقية فعلاً. وفي الأصل كان من المفهوم أن القوات الأميركية موجودة في سورية من أجل قتال تنظيم «داعش»، بعد أن تمكن التنظيم من تأسيس دولة صغيرة على جزء كبير من الأراضي السورية والعراقية. وبعد ذلك أعلن الصقور في إدارة الرئيس دونالد ترامب، بمن فيهم ترامب نفسه، أن الجنود الأميركيين كانوا في سورية «لمراقبة إيران»، وتضمنت التغييرات التالية لمهمة القوات الأميركية، ليس مراقبة إيران فقط، وانما إجبار إيران وروسيا على ترك مواقعهما في سورية، استناداً إلى بعض الآليات غير المبررة.
وفي الفترة الأخيرة، بات ترامب تحت ضغط كبير من أجزاء مختلفة من الطيف السياسي الاميركي لإبقاء القوات الأميركية في سورية، في تناقض واضح مع نواياه التي ذكرها سابقاً، بإصراره على الخروج من سورية، وأوامره لإعادة نشر الجنود الذين كانوا في المنطقة التي يعيش فيها الاكراد في شمال سورية. وتعتبر هذه الضغوط السياسية والتوجهات المتناقضة بمثابة الوصفة لحالة أكثر ضبابية، مما كان عليه الحال سابقاً، حول هدف مهمة الجيش الأميركي في سورية، أو كيف يجب أن تكون.
وأصبح ترامب، الذي يريد أن يعتصر أكبر قدر ممكن من الفوائد السياسية الممكنة من مقتل زعيم «داعش»، أبوبكر البغدادي، في مكان أكثر أماناً مما سبق، خصوصاً بعد إعلانه أن «العالم أصبح أكثر أمناً الان بعد البغدادي». وبدأ يقاوم الفكرة التي تفيد بأن المهمة الأصلية لمحاربة «داعش» في سورية لاتزال ضرورية، على الأقل بالطريقة العامة التي ظهرت فيها تلك المهمة بداية. ولهذا فان المهمة المعلن عنها تطورت مرة أخرى، ولأسباب جديدة ظهرت حتى قبل مقتل البغدادي. ولايزال عدد من الجنود الأميركيين مرابطين في شرق سورية وفق هذه الأسباب، التي تفيد بحفظ الأمن عند مصادر النفط السورية المتواضعة.
أبعاد «داعشية»
ولاتزال هناك أبعاد «داعشية» لهذه الأسباب، والتي تقول إن «داعش» كان يستفيد من عوائد هذا النفط الواقع تحت سيطرته، لكنه بحاجة إلى انشاء دولته الصغيرة كي يقوم بذلك. وأي سيناريو يمكن لـ«داعش» أن يستغله مرة أخرى، لابد ان يتركز على وقوع حقول النفط السورية تحت سيطرته، يعني إعادة انشاء الدولة الخاصة بالتنظيم، الامر الذي يعني أن العالم سيقوم مرة أخرى بإنشاء مهمة كبيرة لمحاربة «داعش».
وفي وضعه الحالي كحركة تمرّد وكمجموعة إرهابية، يكون التنظيم بوضع لا يسمح له باستغلال النفط، باستثناء حالات صغيرة جداً، أي على الطريقة النيجيرية حيث يتم السطو على أنابيب النفط.
سرقة النفط
وهذا يطرح سؤالاً مفاده ما الذي تنوي إدارة ترامب القيام به بالنفط الذي قامت «بحمايته» من خلال القيام باحتلال عسكري للمنطقة. وهذا بدوره يثير أسئلة مقلقة ما إذا كانت الولايات المتحدة منخرطة في سرقة النفط السوري زمن الحرب، الأمر الذي يناقض القانون الدولي.
ولكن ثمة تداعيات مقلقة وتستحق الاهتمام، خصوصاً بسبب حجم الصفقة التي يحاول ترامب أن يصنعها من خلال حربه على «داعش»، وكيف أن هذه الحرب قد جعلت العالم «أكثر أمناً». ومن وجهة نظر مكافحة الإرهاب، فان الاستيلاء على أي نفط يعتبر أسوأ سبب ممكن لتبرير الوجود الأميركي في دولة أجنبية. وعبّر ترامب قبل أيام عن موقفه من حراسة القوات الأميركية للنفط في سورية بأسوأ طريقة ممكنة.
ترويج
وتروج المجموعات الإرهابية لفكرة متجذرة لديها مفادها أن الولايات المتحدة والغرب، بصورة عامة، يأتون الى الدول العربية لنهب مواردها. وتعارض هذه المجموعات وبشدة وجود الجنود الاميركيين في الدول الإسلامية، وكرر أسامة بن لادن هذه الفكرة.
واثار تركيز الإرهابيين على النفط موجة من الهجمات إلارهابية ضد المنشآت النفطية، ولكن فكرة سرقة موارد المسلمين قد دفعت نحو قيام هجمات تستهدف الولايات المتحدة، بغض النظر أين تتم هذه الهجمات.
ولعب ظهور ترامب امام الصحافة قبل أيام، دوراً لمصلحة تأكيد هذه الفكرة، حيث استحضر حرب العراق، وتحدث عما وصفه بانه وجهة نظره في ذلك الوقت، القائلة إنه اذا كانت الولايات المتحدة ستحتل العراق، عليها أن «تحصل على النفط»، مضيفاً انه بالنسبة لنفط سورية فانه يمكن أن يساعد الأكراد، ولكنه «يساعدنا لأننا يمكن أن نحصل على جزء منه أيضاً. وما أنوي القيام به هو عقد صفقة مع شركة اكسون موبيل، أو أي شركات اخرى كبيرة للذهاب الى هناك، واستخراج النفط على أكمل وجه». وفي حقيقة الأمر فان أي خبير للدعاية لدى «داعش» او حتى «القاعدة» يعجز عن كتابة هذه الكلمات لنقل الفكرة الى الجمهور بأفضل مما فعل ترامب.
وحتى لو كان هناك أي مقاتلين لـ«داعش» تخلوا عن قضيتهم رداً على وصف ترامب البغدادي عند قتله بأنه كان «يصرخ، ويبكي، ويعول»، فإن هناك الكثيرين الذين سيشعرون بالغضب بسبب هذه الأدلة، التي تؤكد لهم ما دأب قادتهم على قوله حول نهب الولايات المتحدة لموارد المسلمين. ولكن أولوية ترامب ليس التحدث إلى هؤلاء، وانما كانت دائماً إلى قاعدته الجماهيرية.
بول بيللار : باحث في مركز الدراسات الأمنية في جامعة جورجتاون
- تروّج المجموعات الإرهابية لفكرة متجذرة
لديها مفادها أن الولايات المتحدة والغرب،
بصورة عامة، يأتون الى الدول العربية
لنهب مواردها.
- بات ترامب تحت ضغط كبير من أجزاء مختلفة
من الطيف السياسي الأميركي لإبقاء القوات
الأميركية في سورية، في تناقض واضح
مع نواياه التي ذكرها سابقاً، بإصراره على
الخروج من سورية، وأوامره لإعادة نشر الجنود
الذين كانوا في المنطقة التي يعيش
فيها الأكراد في شمال سورية.