استقالة رئيس الحكومة العراقية لن توقف التظاهرات
لقد حقق المتظاهرون العراقيون أول نجاح كبير لهم، عندما أجبروا رئيس الحكومة العراقية، عادل عبدالمهدي، على الاستقالة، بعد مقتل 45 متظاهراً مدنياً من قبل قوات الأمن العراقية في يوم واحد. وبعد انتشار أخبار الاستقالة، حلت الفرحة مكان الطلقات النارية ضد المتظاهرين في ساحة التحرير، التي كانت مركز التظاهرات منذ اندلاعها قبل شهرين. ويعتبر رحيل عبدالمهدي انتصاراً رمزياً بالنسبة لانتفاضة المتظاهرين، لكن هذا الانتصار كلف مقتل الكثير من الأشخاص، حتى إن الوضع وصل إلى مرحلة اندلاع انتفاضة جماعية كاملة في الوسط الشيعي. وثبت أن عبدالمهدي قائد ضعيف، وأن معظم النخبة الحاكمة العراقية فاسدة جداً، ومصممة على التعلق بالسلطة لإجراء الإصلاحات الجذرية التي طالب بها المتظاهرون.
جاء إعلان استقالة رئيس الحكومة بعد 36 ساعة من تحول قوات الأمن من قتل أفراد من المتظاهرين إلى القيام بمذابح على نطاق واسع، حيث تم قتل 45 شخصاً على أحد الجسور بجنوب مدينة الناصرية، ما جعل تعداد القتلى يصل إلى 408 قتلى، إضافة إلى الآلاف من الجرحى منذ الأول من أكتوبر.
ويمكن مقارنة هذا الرقم الكبير من الضحايا، خلال ثمانية أسابيع بما يجري في هونغ كونغ، حيث تعرض شخص واحد فقط للقتل، وتوفي آخر دون قصد، في الاحتجاجات التي بدأت منذ ستة أشهر. ويمكن أيضاً مقارنة التعاطف العام مع متظاهري هونغ كونغ، مع الاهتمام المحدود بالأعمال الهمجية والقمع الحكومي غير المسبوق في العراق. ربما اعتاد العالم رؤية العراقيين وهم يتعرضون للقتل بأعداد كبيرة، سواء من قبل تنظيم «داعش» أو نظام الرئيس الراحل، صدام حسين، أو القوات الجوية الأميركية، لهذا لم يعد العالم يعتبر هذا النوع من القتل أخباراً تستحق الاهتمام.
لكن التاريخ مصنوع من قبل مجازر مسكوت عنها، فقد أخبرني أحد الفلسطينيين عن أعمال القتل الجماعي، التي ارتكبها الجنود الإسرائيليون في غزة منذ عقود خلت، والتي قتل فيها عمه، بقوله إن «أعمال القتل هذه تزرع الكراهية في القلوب».
وينظر البعض إلى العنف باعتباره يؤثر في العراقيين، لكنه في الواقع يعيد رسم سياسة الشرق الأوسط. فمنذ الثورة الإيرانية عام 1979، وهي إحدى أقوى القوى العسكرية والسياسية في المنطقة، تزايدت قوة الأوساط الشيعية تحت القيادة الإيرانية. وأصبحت أهمية التحالف العراقي الإيراني كبيرة، لأن أكثرية سكان العراق من الشيعة، كما أن البلدين يشتركان في خط حدودي يبلغ طوله 900 ميل.
ومنذ سقوط حكومة صدام حسين عام 2003، بات العراق تحت حكومة يسيطر عليها الشيعة، والتي كانت تعمل دائماً بالاتحاد مع إيران. ويختلف العراقيون الشيعة في العديد من السمات عن أقرانهم من شيعة إيران، رغم أن شيعة العراق ظلوا يرون في الإيرانيين حلفاء لهم ضد تنظيم «داعش» حتى وقت قريب. ويوجد في العراق أكثر الأماكن الشيعية قدسية، وهي المدن العراقية مثل النجف وكربلاء، التي يحج إليها الملايين من الإيرانيين سنوياً.
لكن خلال الشهرين الماضيين، تضعضع هذا التحالف الشيعي الإيراني العراقي، عندما قامت قوات الأمن العراقية المدعومة من إيران، وكذلك الميليشيات التي تحظى بالدعم ذاته، بإطلاق النار على المتظاهرين الشيعة، الذين احتجوا على عدم وجود وظائف لديهم، إضافة إلى عدم وجود خدمات اجتماعية، والفساد المستشري في النخبة الحاكمة العراقية. وكانت هذه التظاهرات في البداية بأعداد صغيرة، لكنها ازدادت زخماً نتيجة ردة فعل الحكومة المبالغ فيها، والتي اعتبرتها في البداية تهديداً صغيراً.
ومنذ البداية، كانت هناك جهود قليلة لإخفاء دور إيران في تنظيم عمليات القمع. وظهرت تقارير في المرحلة البدائية للتظاهرات، تتحدث عن قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، الذي يعتقد أن التظاهرات جزء من مؤامرة خارجية، وأن أفضل طريقة للتعامل معها عن طريق القمع. واعتقد العديد من الجنرالات أن هذا الأمر، أي القمع، يمكن أن ينجح، لكن ذلك أدى إلى تحول قدر ضئيل من السخط إلى حالة من الثورة الواضحة. وفي الحالة العراقية، فإن الاحتجاجات أصبحت مناوئة لإيران بدرجة كبيرة جداً.
وكانت نتيجة الرفض والمحاولات العبثية من جانب القوات المؤيدة لإيران في العراق، والهادفة إلى سحق المتظاهرين، ربما بداية لتغير كبير جداً في سياسة الشرق الأوسط، إذ إن التحالف المنتصر سابقاً للشيعة العراقيين والإيرانيين، ربما يكون قد انهار دون رجعة. وارتكب الإيرانيون وحلفاؤهم العراقيون الكثير من الأخطاء، ما دمر العلاقة بين الدولتين خلال الأسابيع الثمانية الأخيرة، أكثر مما فعلته واشنطن منذ سنوات من المحاولات.
والسؤال المطروح الآن، هو: ما السبب الذي جعل ردة فعل إيران كبيرة جداً ضد المتظاهرين؟ لم تنجح سياسة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، التي أطلق عليها «الضغوط القصوى»، لكنها جعلت القيادة الإيرانية مصابة بمرض الشك بصورة دائمة، وعرضة لنظريات المؤامرة، وفي حالة من العصبية الشديدة، وربما تبالغ في تصوير أي شيء، كما لو أنه تهديد. وللمفارقة، فإن هذا الشعور بالهشاشة بالنسبة لإيران، ربما يكون مرتبطاً بالإحساس بالغطرسة، الناجم عن حروبها المتكررة في المنطقة، والتي تكللت بالنصر.
لكن هذه النجاحات أدت إلى توليد نقطة ضعف جديدة في الائتلاف الشيعي الذي تقوده إيران، وتتمثل في تحقيق مصلحة في لبنان والعراق وسورية، عن طريق الحفاظ على الوضع الراهن في هذه الدول، بغض النظر عن الظلم والفساد وقلة الكفاءة التي تتمخض عن هذا الوضع. وفي العراق على سبيل المثال، فإن طبقة الشيعة المهيمنة والحاكمة، ربما كانت تشكل معارضة قوية لصدام حسين، لكنها تحولت إلى مجموعة من اللصوص المعادين للإصلاح.
وكان قادة الشيعة يرفضون الانتقادات، لفشلهم في حشد تضامن الوسط الشيعي ضد الخطر الوجودي، المتمثل في مجموعات، مثل: «القاعدة» و«داعش»، لكن هذه الذريعة فقدت تأثيرها خلال السنوات القليلة الماضية، بعد أن تم القضاء على «داعش». وفي العراق يبدو السخط عميقاً، لأن معظم السكان الشيعة يتساءلون عن السبب الذي يجعلهم يعيشون كل هذه البطالة، ويعانون عدم توافر الماء والكهرباء والخدمات، في دولة تصل عائداتها من تصدير النفط شهرياً إلى سبعة مليارات دولار.
ومن المرجح أن غياب عادل عبدالمهدي لن يؤدي إلى نزع فتيل التظاهرات، لأن الدولة العراقية ربما أصبحت عاجزة عن إصلاح نفسها.
باتريك كوكبيرن مراسل لـ«الإندبندنت» في الشرق الأوسط
فتيل المواجهات مستمر
سيكون البديل بالنسبة للدولة العراقية عوضاً عن إصلاح نفسها، هو القمع على نطاق واسع، أي محاولة سحق المتظاهرين عن طريق قتلهم واعتقالهم. لكن هذا الخيار فشل، حتى الآن، لأن المتظاهرين أبدوا إصراراً وعزيمة بطوليين في مواصلة التظاهر، على الرغم من تعرضهم للقتل بالرصاص الحي دون أن يستخدموا السلاح بأنفسهم، رغم أن معظم العائلات العراقية تملك السلاح. وربما يرى المتظاهرون أن حمل السلاح في هذه الأزمة سيصب في مصلحة الحكومة، لأنها عند ذلك ستجد المبرر في استخدام القوة المميتة لقمع المتظاهرين. ولكن هذه الحالة من ضبط النفس لن تستمر إلى ما لا نهاية، وأصبح هناك الكثير من حالات القتل التي تؤدي إلى «زرع الكراهية في القلوب» لدى العديد من العراقيين، والتي ربما لن تختفي قريباً.
خلال الشهرين الماضيين، تضعضع التحالف الشيعي الإيراني العراقي، عندما قامت قوات الأمن العراقية، المدعومة من إيران، وكذلك الميليشيات التي تحظى بالدعم ذاته، بإطلاق النار على المتظاهرين الشيعة، الذين احتجوا على عدم وجود وظائف لديهم، إضافة إلى عدم وجود خدمات اجتماعية، والفساد المستشري في النخبة الحاكمة العراقية.