ترامب يعتبر «سابقة» بعلاقاته مع الزعماء الأجانب

سخرية قادة العالم من بعضهم عادة قديمة

صورة

قبل أيام كان عدد من قادة العالم مجتمعين في حفل استقبال في قصر باكنغهام في بريطانيا، ولم يكن هؤلاء مدركين أنهم تحت عدسات المصورين، وبدوا بأنهم يناقشون قصة الفيل في غرفة الخراف. وقال رئيس الحكومة الكندي، جاستن ترودو، لمن حوله من هؤلاء القادة، الذين كان من بينهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس الحكومة البريطاني بوريس جونسون: «لقد راقبت فريقه من المساعدين وهم في حالة ذهول غير عادية».

ولم يتم ذكر اسم هذا القائد في فيلم التصوير، ولكن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، لم يكن لديه أية شكوك بأنه هو المقصود بالفيل. وفي صباح يوم الأربعاء الماضي، سارع إلى إلغاء المؤتمر الصحافي الذي كان مقرراً له، وانطلق عائداً إلى بلاده قبل أوان نهاية رحلته، وقال للصحافيين إن رئيس الوزراء الكندي «ذو وجهين». وأضاف ترامب أنه «وبخه» بسبب الإنفاق المنخفض لكندا على الدفاع.

وقال ترامب في وقت لاحق إنه معجب برده على ترودو، وأضاف لأشخاص كانوا معه غير محددين في قمة حلف الناتو «كان ذلك مضحكاً عندما قلت إن ذلك الفتى ذو وجهين»، ولكن بمعايير إهانات القادة العالميين، فإن الثرثرة التي قام بها ترودو والمجموعة التي كانت حوله، كرد على إصرار ترامب على مواصلة مؤتمره الصحافي لوقت طويل جداً، كانت معتدلة نوعاً ما. وبالطبع، فإن قادة العالم هم بشر عاديون في المقام الأول، ولكن «الأنا» لديهم متضخمة كثيراً. وهم يحبون الشكوى عندما يكونون بعيدين عن العامة وكاميرات التصوير.

أسرار

وغالباً ما تظهر أسرارهم فقط عندما يعتقدون أن أجهزة تسجيل الصوت (المايكروفونات) مغلقة. ولطالما ظهرت أحاديث العديد من قادة العالم سهواً وهم يدلون بانتقادات لأقرانهم من القادة الآخرين منذ سنوات طويلة. وكان الرئيس الفرنسي الراحل، جاك شيراك، قد انتقد رئيسة الوزراء البريطانية، مارغريت تاتشر، خلال اجتماع في الاتحاد الأوروبي في عام 1988، وهو يعتقد بأن أحداً لا يسمعه، ولكن في الواقع سمعه كثيرون، لأن «المايكروفون» كان يعمل.

وهناك رئيس فرنسي آخر، هو نيكولاس ساركوزي، الذي كان يتحدث على انفراد مع الرئيس الأميركي باراك أوباما عام 2011، عندما تحدث من دون دبلوماسية عن رأيه في رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، وهو يعتقد أن أحداً لم يسمعه، ولكن حديثه تم بثه إلى الصحافيين، وفي وقت لاحق نشر على مواقع التواصل الاجتماعي. وقال ساركوزي «لا أطيق تحمل نتنياهو، فإنه كاذب»، ورد عليه أوباما، ظناً منه أن أحداً لن يسمعهما، قائلاً «ماذا أقول أنا، إذ إنه يتعين عليّ التعامل معه دائماً أكثر منك».

لا ندم

ويبدو أن القادة الأميركيين لا يبدون الندم دائماً عندما يتعرضون لمثل هذه المواقف، ففي عام 1971 وصف الرئيس الأميركي، ريتشارد نيكسون، رئيس الوزراء الكندي، بيير ترودو، والد رئيس الحكومة الحالي، بأنه «مثقف متغطرس»، إضافة إلى كلمات أخرى أكثر سوءاً. وعندما اكتشف ترودو أن نيكسون وجه إليه إهانة، رد عليه بالقول «لقد واجهت كلمات أسوأ من ذلك من أشخاص أفضل منه».

وحتى العلاقة الخاصة بين تاتشر والرئيس الأميركي رونالد ريغان، في ثمانينات القرن الماضي، لم تكن ودية تماماً، إذ إن الأوصاف التي ذكرها مسؤولون بريطانيون خلال تلك الفترة توحي بأنه كان هناك اختلاف كبير في السياسية بين الطرفين، حيث كانت تاتشر تشعر بالقلق من «فوضوية وعدم نضوج الإدارة الأميركية» في ما يتعلق بالشرق الأوسط. وكان السفير البريطاني في واشنطن، نيكولاس هندرسون، في عهد تاتشر، قد أبلغ أحد السياسيين البريطانيين قائلاً «إذا أخبرتك ما هو رأي تاتشر في الرئيس الأميركي ريغان، فإن ذلك يمكن أن يضر بالعلاقات بين البريطانيين والأميركيين».

أمر صائب

ويرى بعض المؤيدين للرئيس ترامب أن الضحك عليه من وراء ظهره كان برهاناً على أن ترامب يفعل أمراً صائباً. وأشارت المذيعة في محطة فوكس نيوز، لورا انغرام، إلى أن ما حدث هو «أخبار رائعة» بالنسبة لترامب. وقالت إن جميع الرؤساء الجمهوريين من أيام ريغان تعرضوا للسخرية من قبل أطراف أجنبية. وبالتأكيد، فإن كلاً من ريغان وبوش الابن كان ينظر إليهما بدونية من قبل أقرانهما من الدول الأخرى. وكان رئيس وزراء بريطانيا، جونسون، قد ذكر سابقاً في أحد مقالاته أن بوش الابن كان «شخصاً غير متزن، وهو تكساسي ومهووس بالحرب، وهو غير منتخب، يعجز عن التعبير عن مشاعره، ويجسد غطرسة السياسة الخارجية الأميركية».

شيء مختلف

ثمة شيء مختلف بالنسبة لعلاقة ترامب مع بقية قادة العالم، فهو أكثر صدامية بالفطرة، إذ إنه مستعد للانخراط في المشاجرات الشريرة مع المسؤولين الأجانب، بدءاً من رئيس كوريا الشمالية كيم يونغ اون، وانتهاء بمحافظ لندن صديق خان، كما أن العشرات من المسؤولين الأجانب شعروا بالسعادة الغامرة لأنهم أهانوا ترامب علناً وسراً.

وفي حالات معينة، يستطيع ترامب أن يرد بقوة، فقد قام عملياً بإجبار السفير البريطاني على مغادرة واشنطن، بعد أن تسربت آراء السفير الخاصة به عن ترامب إلى العلن. ولكن في لحظات أخرى، فإنه يفاجأ بالسخرية، كما حدث عندما كان يلقي خطابه في الأمم المتحدة، والذي قال فيه إن إدارته «حققت إنجازات أكثر من أي إدارة أميركية في تاريخ الولايات المتحدة»، وكانت نتيجة هذا الحديث أن جلب لنفسه الضحك والسخرية.

وبالنسبة لرئيس يدعي أنه حقق النجاح في جعل أميركا «محترمة من جديد»، مع أن توجهه إلى السياسة جلب له جولة صاخبة من السخرية على يد سلفه، هي حقيقة لا يمكن قبولها. وفي الوقت الذي تلوح فيه الانتخابات المقبلة في العام المقبل، من الصعب جداً اعتبار سخرية العالم من هذا القائد بأنها نجاح له. وكان الرئيس ترامب نفسه قد قال في تغريدة عام 2014 «نحن بحاجة إلى رئيس لا يكون أضحوكة للعالم أجمع».

آدم تايلور :  كاتب في الشؤون الخارجية في «واشنطن بوست»


- كان رئيس وزراء

بريطانيا، جونسون، قد

ذكر سابقاً في أحد

مقالاته أن بوش الابن

كان «شخصاً غير متزن،

وهو تكساسي

ومهووس بالحرب،

وهو غير منتخب، يعجز

عن التعبير عن

مشاعره، ويجسد

غطرسة السياسة

الخارجية الأميركية».

تويتر