كرة القدم الأوروبية تتساهل أمام انتشار العنصرية وسطوة المال
عندما أعلنت الوكالة الدولية لمكافحة المنشطات فرض عقوبات مشددة، تمنع روسيا من المشاركة في جميع المسابقات الدولية الرئيسة خلال السنوات الأربع المقبلة، بدا الأمر وكان حركة مكافحة المنشطات حققت أخيراً نصراً كبيراً. وعلى أثر ذلك عقد المدير العام لوكالة مناهضة المنشطات الروسية، يوري غانوس، مؤتمراً صحافياً في موسكو، رافضاً تلك الإجراءات، إلا أن ذلك الحظر لم يكن شاملاً، بفضل الاتحاد الأوروبي لكرة القدم (الويفا)، لأن المنافسات التي يقيمها الاتحاد الأوروبي لكرة القدم، بموجب أحكام الوكالة الدولية لمكافحة المنشطات، لا تعتبر جزءاً من ذلك الحظر. وتدير «الويفا» بعضاً من أكثر المنافسات الرياضية المرموقة لبطولات كرة القدم الأوروبية، ويطلق على المنافسة المقبلة «بطولة أمم أوروبا لكرة القدم 2020»، وتستضيف مدينة بطرسبورغ الروسية بعضاً من أهم مباريات بطولة «الأمم الأوروبية 2020» التي تدر الكثير من المال، بما فيها مباريات ربع النهائي في الصيف المقبل. وستستضيف بطرسبورغ بعد ذلك نهائي أبطال أوروبا لعام 2021، ويجري كل ذلك في الوقت الذي يتم فيه فرض عقوبات على روسيا لمدة أربع سنوات.
المشاركة في المسابقات
وبالطبع، سيكون مسموحاً لروسيا المشاركة في جميع مسابقات «الويفا»، لأنها لا تعتبر «مسابقات رئيسة» من قبل «الموقعين على قانون الامتثال للمعايير الدولية»، التي تقول أحكامها إنه نظراً إلى أن «الويفا» هيئة رياضية مستقلة، فإنها لا تستوفي شروط المنافسة الرئيسة، على الرغم من أن المباريات التي تقيمها يشاهدها الملايين من محبي كرة القدم في العالم، إذ إن بطولة أمم أوروبا لكرة القدم السابقة شاهدها نحو 600 مليون شخص، أي أكثر بكثير ممن شاهدوا مراسم افتتاح الألعاب الأولمبية في ريو دي جانيرو البرازيلية. وتستقطب هذه البطولات رعاية من الشركات المختلفة بملايين الدولارات في ملاعبها المكتظة بالمتفرجين. ومن المتوقع أن تحصل «الويفا» على نحو 3.6 مليارات دولار أرباحاً عن موسم 2019-2020 لوحده، وفق مصادر مالية من «الويفا»، وهو مبلغ ليس سيئاً مقارنة بهيئة لا تعتبر المسابقات التي تجريها «رئيسة».
ولـ«الويفا» الحق في منع روسيا من المشاركة، إذا أرادت أن تدعم الوكالة الدولية لمكافحة المنشطات، وجهود اللعب النظيف، ولكنها لا تريد ذلك. وعندما طلبت صحيفة الـ«ديلي بيست» من المتحدث باسم «الويفا» التعليق على ذلك، قال: «(الويفا) ليس لديها أي تعليق حول هذه القضية، ونحن نحيلكم إلى هيئة الاتصال في الوكالة الدولية لمكافحة المنشطات، حيث تؤكد أن بطولة أمم أوروبا لكرة القدم 2020 غير مشمولة بالحظر الدولي على روسيا».
ولكن الوكالة الدولية لمكافحة المنشطات أدانت، وبشدة، تأثير روسيا على الجهود المناهضة لاستخدام المنشطات. وقالت في بيان خاص بها «منذ زمن بعيد أدى استخدام الرياضيين الروس للمنشطات إلى صرف النظر عن الرياضة النظيفة، وقد أتيحت لروسيا كل الفرص الممكنة كي ترتب بيتها الداخلي، والانضمام إلى المجتمع الدولي المناهض للمنشطات لمصلحة رياضييها، وسلامة الرياضة بصورة عامة، ولكنها اختارت بدلاً من ذلك الاستمرار في موقفها بالخداع والإنكار».
وكانت الانتهاكات الروسية للأنظمة المناهضة لاستخدام المنشطات تنطوي على آثار مباشرة على العديد من الرياضيين النظيفين، الذين خسروا أرقامهم القياسية العالمية، والميداليات والمنافسات الرياضية. وقالت الوكالة الدولية لمكافحة المنشطات في بيان إعلان الحظر على روسيا «هذا الإخفاق تسببت فيه روسيا، حيث عمدت إلى خداع العديد من الرياضيين، وأبعدتهم عن أحلامهم ومسيرتهم الرياضية الصحيحة».
وتتضمن المسابقات الرئيسة التي حرمت روسيا من المشاركة فيها: «الألعاب الأولمبية، والألعاب التي يديرها الاتحاد الدولي للسباحة، والاتحاد الدولي لألعاب القوى، والمجموعات الأخرى الخاصة بمنافسات سباق الدراجات، وبطولات السلة العالمية، وتتضاءل كثيراً لدى مقارنتها ببطولات الكرة التي تديرها (الويفا)».
وتم حظر روسيا من المشاركة في المنافسات التي يشرف عليها الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا)، وأهمها بطولة كأس العالم لكرة القدم المقررة في عام 2022. وعلى الرغم من ذلك، وبفضل «الويفا»، فإن الروس يمكنهم وبسهولة المشاركة في منافسات «الويفا» إذا كانوا مؤهلين لها، طالما أنهم ينافسون على أساس «حيادي»، أي أن أعضاء الفريق غير متهمين باستخدام المنشطات، ولا يرفعون علم بلادهم، أو يقدمون النشيد الوطني خلال المنافسة.
ولمعرفة السبب الذي يجعل «الويفا» لا تفعل ما يعتقده كثيرون من العالم الرياضي أنه الشيء الصحيح لمصلحة الرياضيين في شتى أنحاء العالم، وعدم حظر مشاركة روسيا، علينا النظر إلى تاريخ هذه المنظمة مع المشكلة الكبرى التي يعاني منها عالم الرياضة، ألا وهي «العنصرية». ولسنوات عدة ظلت منظمة «الويفا» متراخية إزاء الفرق التي ينخرط مشجعوها في ممارسات عنصرية، مثل إطلاق أصوات شبيهة بأصوات القرود، أو إلقاء ثمار الموز عندما يظهر اللاعبون السود في الملعب. وفي إحدى مباريات التصفية المؤهلة لنهائيات كأس الأمم الأوروبية 2020، التي جرت هذا العام بين بلغاريا وبريطانيا، ارتكب مشجعو فريق بلغاريا أفعالاً عنصرية شنيعة، تضمنت أصوات القرود عندما ظهر النجمان البريطانيان الأسودان، رحيم سترلينغ، وتيرون منغز، في الملعب، وقدم الجمهور البلغاري تحية هتلر النازية وهم في المدرجات، وتم وقف المباراة مرتين في الشوط الأول، لأن اللاعبين المستهدفين كانا ينظران بفزع إلى الآخرين، ولكن الفريق البريطاني قرر اللعب، وتغلب على بلغاريا بنتيجة 6-صفر.
إهانات
وقال مدرب بلغاريا، كرازمير بلاكوف، إنه لم يسمع أي إهانات ضد اللاعبين البريطانيين، على الرغم من جهود بعض اللاعبين البلغاريين في تهدئة الجمهور. وكان بعض اللاعبين في حالة إنكار لما حدث، وأيدوا المدرب. وقال حارس مرمى الفريق، بلامين ايلييف: «لم أسمع أي شيء يدل على إهانة»، وبالطبع فإنهم لم يكونوا يقصدونه هو لأنه شخص أبيض.
ورفض رئيس الاتحاد البلغاري لكرة القدم، يوردان ليشيكوف، إدانة جمهور بلاده، وقال «إنه أمر مخيب للآمال أن يتم التركيز على العنصرية فقط. ليس من المعقول التركيز على ذلك فقط، ونسيان تصفيات مثل هذه، ونحن نلعب ضد فريق بريطانيا».
ويبدو أن «الويفا» لم تكن مقتنعة بأن ما فعله الجمهور البلغاري كان عنصرية وقحة، ففرضت غرامة تافهة قدرها 75 ألف يورو على الفريق البلغاري، وهذا المبلغ أقل من الغرامة التي فرضت على اللاعب الدنماركي، نيكولاس بندتنر، لأنه كشف عن سرواله الداخلي لإظهار ماركته، وذلك خلال احتفاله بتسجيله أحد الأهداف. وفرضت «الويفا» على البلغاريين لعب مباراتين من دون جمهور، ولكن سمحت لهم بالاستفادة من النتائج لتحديد وضعهم التنافسي. ولدى «الويفا» نظام محدد في حالة شعور أحد الفرق بأنه تعرض للعنصرية، إذ يمكنه مغادرة اللعبة ويتحمل عقوبة، كملاذ أخير، ولكن فقط بعد اللجوء إلى طرق أخرى، مثل وقف المباراة، وتوبيخ الجمهور، واستنفاذ حالة إبعاد المشجعين السيئين. ويتم اتخاذ القرار من قبل الفريق وحده، وليس من قبل الهيئة الإدارية.
قصة سيئة
وفي بداية الشهر الجاري، وعندما نشرت صحيفة «كوريري ديلو» الرياضية الشهيرة قصة سيئة عن لاعبي كرة قدم اثنين من السود، تحت عنوان «الجمعة السوداء»، لم تفعل «الويفا» أي شيء إزاء ذلك. وعندما طلبت منها الـ«ديلي بيست» التعليق في ذلك الوقت، قالت «الويفا»: «إنه اختيار سيئ للعنوان، ومن غير المرجح أنه يساعد على تطوير النقاش الجدي الذي تواجهه اللعبة والمجتمع بصورة عامة».
وقبل أسبوع من فرض الوكالة الدولية لمكافحة المنشطات الحظر على روسيا، ورفض «الويفا» القيام بالأمر ذاته، اعتبرت افتتاحية «الغارديان» أن «الويفا» تفتقر للعزم واتخاذ القرار. وكتبت الصحيفة قائلة «يجب على (الويفا) البدء في فرض عقوبات ذات معنى عندما يكون هناك عادة تكرار الإساءة العنصرية في الملاعب، تصل إلى طرد الأندية والدول من المنافسات». وبالنظر إلى أن المنظمة التي تحكم كرة القدم في أوروبا تفتقر إلى العزم واتخاذ القرار، يبدو أن من غير المتوقع أن تقوم بفرض حظر وعقوبات على روسيا لانتهاكها بصورة صارخة حظر المنشطات غير القانونية، لدعم بقية رياضات العام. وفي كل الأحوال، فإن بقاء روسيا في المسابقات يرجع إلى اهتمام المنظمة بالمردود المالي فقط الناجم عن وجود روسيا.
ويوجد لدى روسيا ثلاثة فرق في بطولة الأمم الأوروبية 2020 الحالية، وقامت حتى الآن باستثمار الملايين من أجل استضافة الألعاب في السنوات المقبلة. والآن، وبعد أن أصبحت كرة القدم هي الرياضة الوحيدة التي تستطيع روسيا المشاركة فيها على الصعيد الدولي، بالتأكيد فإن الروس سيجلبون الكثير من الجماهير التي ستملأ مدرجات ملاعب كرة القدم.
باريي لاتسا ناديو : صحافي مستقل
- كانت الانتهاكات الروسية للأنظمة المناهضة
لاستخدام المنشطات تنطوي على آثار مباشرة
على العديد من الرياضيين النظيفين.
- لسنوات عدة ظلت «الويفا» متراخية إزاء الفرق
التي ينخرط مشجعوها في ممارسات عنصرية، مثل
إطلاق أصوات شبيهة بأصوات القرود، أو إلقاء ثمار
الموز عندما يظهر اللاعبون السود في الملعب.
- يُتوقع أن تحصل «الويفا» على نحو 3.6 مليارات دولار
أرباحاً عن موسم 2019-2020 لوحده، وفق مصادر
مالية من «الويفا»، وهو مبلغ ليس سيئاً مقارنة
بهيئة لا تعتبر المسابقات التي تجريها «رئيسة».