2019 عام الاضطرابات والنزاعات عبر العالم.. السودان يطوي 30 عاماً من حكـــــــــــم البشير بانتفاضة مهّدت الطريق نحو حكــــــــم مدني
شهدت المنطقة العربية والعالم في عام 2019 العديد من الأحداث الفارقة، منها عزل الرئيس السوداني، عمر البشير، ووفاة الرئيس التونسي، الباجي قائد السبسي، وعزل الرئيس الجزائري، عبدالعزيز بوتفليقة، وتفجّر ثورتين شعبيتين في العراق ولبنان، إضافة إلى اعتراف إدارة ترامب بشرعية المستوطنات، واعترافها بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان السورية. ومن الأحداث البارزة الأخرى تفجّر الخلاف حول سد النهضة الإثيوبي، وإجراءات عزل الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، وتفجّر تظاهرات السترات الصفراء في فرنسا، وهونغ كونغ منذ أشهر عدة حتى الآن، والهجوم التركي على شمال سورية، وإجراء انتخابات جديدة في بريطانيا أوصلت بوريس جونسون، المؤيد لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، لرئاسة الوزراء، وغير ذلك من الأحداث.
وقد يواجه الإنسان صعوبة في إيجاد بعض الأحداث الإيجابية بين التقارير التي لا نهاية لها عن الحرب، والهجمات الإرهابية، وتحطم الطائرات، ومشكلات المناخ، والفيضانات والأعاصير، وثوران البراكين، إلى غير ذلك من الأحداث المروّعة.
وبما أن هذه الأحداث تؤثر بشكل كبير في واقع المنطقة العربية ومستقبلها، فإننا سنحاول في هذا الملف، الممتد عبر حلقات عدة، تسليط الضوء على أهمها، بغرض التوثيق والاستفادة من الدروس.
للإطلاع على الموضوع بشكل كامل، يرجى الضغط على هذا الرابط.
• 2019.. بدأ بالاحتجاج على رفع سعر الخبز وانتهى بإيداع رأس النظام في مؤسسة إصلاحية
السودان يطوي 30 عاماً من حكـــــــــــم البشير بانتفاضة مهّدت الطريق نحو حكــــــــم مدني
شهد مطلع عام 2019 بداية الاحتجاجات السودانية رداً على تردّي الأوضاع الاقتصادية وغلاء أسعار المعيشة ورفع سعر الخبز، حيث انطلقت شرارتها الأولى من مدينتي بورتسودان بشرق البلاد، وعطبرة شمالها، لتمتد إلى مدن أخرى، من بينها العاصِمة الخرطوم وأم درمان والأبَيض في غرب السودان، أدت في النهاية إلى سقوط نظام الرئيس عمر البشير الذي حكم البلاد بيد من حديد لـ30 عاماً، ومهدت الطريق لمرحلة انتقالية نحو حكم مدني.
هذه الاحتجاجات السلميّة غير المسبوقة قوبلت في الشهور الأولى من عام 2019 بردّ فعل عنيف من قِبل السلطات التي استعملت مُختلف الأسلحة في تفريق المتظاهرين، بما في ذلك الغاز المسيل للدموع، والرصاص المطاطي، بل شهدت بعض المدن استعمالاً واضحاً للرصاص الحيّ من قبل قوات الأمن، ما تسبب في سقوط عشرات القتلى والجرحى في صفوف المتظاهرين.
في ظل تزايد الاحتجاجات وشموليتها، علّقت السلطات الدراسة في الجامعات والمدارس بالخرطوم، فيما أعلنت حالة الطوارئ وفرض حظر التجوال ليلاً في بعض الولايات.
انتفاضة أبريل وعزل البشير
تظاهر مئات الآلاف في السادس من أبريل تخليداً لذكرى انتفاضة 6 أبريل التي أطاحت بحكم الرئيس السوداني السابق جعفر نميري، متوجهينَ نحو مقر القيادة العامة للقوات المسلحة السودانية وقصر الضيافة مقر إقامة الرئيس عمر البشير. عقد المحتجون اعتصاماً على مُستوى مقر القيادة فتدخلت قوات الأمن لتفريقهم بالقوّة.
واصل المتظاهرون اعتصامهم المفتوح أمام مقر القيادة العامة مطالبين بتنحي البشير وإسقاط النظام؛ وسطَ توترات حصلت بعدَ تدخل قوات الأمن مُجدداً لتفريق الاعتصام. شهد هذا الشهر تحولاً ضمنياً في موقف الجيش السوداني، بعدما اشتبك هذا الأخير مع عناصر من الشرطة بالرصاص الحيّ في سبيل حماية المُحتجّين، ما نجمَ عنه مقتل خمسة عسكريين.
تطوّرت الأمور بشكل مُتسارع فبعد نحو أسبوع من الاعتصام قُرب مقر القيادة العامة للجيش؛ عقد هذا الأخير في صبيحة يوم الخميس الموافق
لـ11 أبريل اجتماعاً لم يحضره البشير وسطَ أنباء تحدثت عن إغلاق مطار الخرطوم الدولي، وتطويق القصر الرئاسي بالآليات العسكريّة، ثمّ بعد نحو سبع ساعات أصدرت القوات المسلحة بياناً أعلنت فيه
خلع الرئيس عمر البشير عن السلطة واعتقاله في مكان آمن، وتشكيل مجلس عسكري انتقالي بقيادة أحمد عوض بن عوف، لقيادة البلاد لمدة عامين، كما أعلنت فرضَ حالة الطوارئ ثلاثة أشهر في البلاد، وعلّقت العمل بالدستور الحالي، إلى جانبِ حلّ كل من مجلس الوزراء، حكومات الولايات، المجالس التشريعية، وكذا حظر التجوال لمدة شهر في عموم البلاد.
استقالة بن عوف
بالرغم من ذلك؛ استمرت الاحتجاجات طيلة اليوم التالي، وطالب فيها المحتجّون بتنحية المجلس العسكري الانتقالي ككل وسط إصرارهِم على تشكيل حكومة انتقاليّة مدنية.
بعدها أعلن بن عوف تنازله عن رئاسة المجلس الانتقالي، وعيّن المفتش العام للجيش الفريق أول عبدالفتاح عبدالرحمن البرهان خلفاً له.
بالرغمِ من عزل البشير واستقالة بن عوف ثمّ صعود البرهان، إلا أنّ الاحتجاجات لم تتوقف، وظلّ عددٌ كبيرٌ من السودانيين في مقرّ الاعتصام قربَ القيادة العامّة للجيش، مُطالبين بتشكيل مجلس انتقالي مدني يقود البلاد في هذه الفترة بديلاً للمجلس العسكري.
بحلول الـ24 من أبريل تجمهر مئات الآلاف من المحتجين في شوارع العاصمة السودانية الخرطوم ثمّ ازدادت كثافة المتظاهرينَ بعد وصولِ قطارٍ من مدينة عطبرة مُحمّل بعدد كبير من السودانيين، للمشاركة في الاحتجاجات، ومواصلة الضغط على المجلس العسكري من أجلِ تسليم مقاليد السلطة.
مليونية السلطة المدنية
في الأوّل من مايو اتهمَ تجمّع المهنيين السودانيين المجلس العسكري بمحاولةِ فض الاعتصام القائم في ساحة القوات المسلّحة، وذلك بعدَ تعثر جولة ثالثة من المفاوضات بين المجلس وتحالف قوى الحرية والتغيير لتشكيل مجلس سيادي يقود البلاد.
وأعلن التحالف عن «مليونية السلطة المدنية» التي تمّت بالفعل في٣٠يونيو، حيثُ توافدَ مئات الآلاف من السودانيين من مُختلف المدن والمناطق إلى وسطِ العاصمة الخرطوم، مُطالبين بتشكيل مجلس انتقالي تكون فيه الأغلبيّة للمدنيين.
مجزرة القيادة العامة
تواصلَ اعتصام الشعب السوداني وسط العاصِمة الخرطوم، على الرغمِ من ارتفاع درجة الحرارة في هذه الفترة من السنة، وبالتزامن مع شهر رمضان.
وفي صبيحة الثالث من يونيو شنّت القوات السودانية هجوماً عنيفاً على المدنيين في مقر الاعتصام واستخدمت فيهِ الرصاص الحيّ، ما تسبّب في وقوع قتلى ومئات الجرحى، ثمّ ارتفع هذا العدد إلى 128 قتيلاً، حسب إحصاءات لجنة أطباء السودان المركزيّة.
وأعلن قادة التظاهرات الإضراب السياسي والعصيان المدني الشامل والمفتوح اعتباراً من يوم تنفيذ المجزرة حتى إسقاط النظام.
شعارات ألهبت التظاهرات
رفعت العديد من التظاهرات عبارة «الشعب يريد إسقاط النظام»، وكذلك «يا خرطوم ثوري ثوري لن يحكمنا لصوص كافوري»، وشعار «حرية - سلام - عدالة... الثورة خيارُ الشعب».
وتفاعلَ المتظاهرون أيضاً مع شعارات أخرى، من بينها شعار «الطلقة ما بتقتل بقتل سُكات الزول»،
وشعار «دم الشهيد بكم، ولا السؤال ممنوع؟».
اتفاق الانتقال السياسي
نجحت حركة الاحتجاج في التوصّل لاتّفاق مع الجيش ينصّ على تقاسم السلطة بينهما في مجلس سيادي مشترك بين المدنيين والعسكريين تمّ تشكيله في 17 أغسطس، حيث وقع المجلس العسكري وحركة الاحتجاج رسمياً الاتفاق على الانتقال السياسي.
وفي 21 أغسطس، أدى المجلس السيادي الذي سيحكم السودان خلال المرحلة الانتقالية برئاسة الفريق عبدالفتاح البرهان اليمين الدستورية خلال أول 21 شهراً، فيما سيتولى شخص مدني رئاسة المجلس خلال الفترة المتبقية وحتى إجراء انتخابات ديمقراطية في عام 2022.
في 8 سبتمبر، تم تشكيل حكومة مدنية وتثبيت عبدالله حمدوك رئيساً للوزراء، وأدت حكومته اليمين الدستورية.
في 22 سبتمبر، شكّل حمدوك لجنة للتحقيق في حملة قمع اعتصام الخرطوم في يونيو.
في 28 نوفمبر، أصدرت السلطات الانتقالية قانوناً حلّت بموجبه حزب البشير «المؤتمر الوطني» ومصادرة كل أصوله، وهو مطلب رئيس للمحتجين، وأتبعته بقرار حلّت بموجبه النقابات التي تأسّست في عهد الرئيس المخلوع، وكانت تشكلّ إحدى دعائم حكمه.
إيداع البشير في مؤسّسة إصلاحية لعامين
في 14 ديسمبر قضت المحكمة التي كانت تنظر قضية الفساد المالي التي يحاكم فيها الرئيس السوداني المخلوع، عمر حسن البشير، بإيداعه في مؤسسة إصلاحية لمدة عامين، ومصادرة المبالغ التي تحفظت عليها السلطات.
وبحسب نصوص القوانين المعمول بها في السودان فإن أقصى عقوبة في التهمتين اللتين يحاكم فيهما البشير تبلغ 13 عاماً، لكن القاضي أصدر حكمه المخفف نظراً لتجاوز البشير سن الـ70.
واتهم البشير بالحصول على أموال من مصادر أجنبية .
ومساء اليوم نفسه، أكدت النيابة فتح تحقيق بحقه بتهم القتل وارتكاب «جرائم ضد الإنسانية» في دارفور، وجنوب كردفان، والنيل الأزرق.
وحضر البشير عدداً من جلسات محاكمته، التي بدأت في 19 أغسطس الماضي، وظهر خلال تلك الجلسات، وهو في قفص حديدي مرتدياً الزي السوداني التقليدي.
الـ«كنداكة» آلاء صلاح أيقونة الاحتجاجات
طالبة الهندسة المعمارية، آلاء صلاح، التي تحولت إلى أيقونة الاحتجاجات، بعدما قادت الهتافات خلال التظاهرات والاعتصام أمام القيادة العامة للجيش بالخرطوم، أكدت أن النساء يشكّلن حجر الأساس في الانتفاضة ضد حكم البشير.
وقد انتشرت لها تسجيلات مصورة عبر الإنترنت أظهرتها وهي تقف على سيارة تقود الحشود خارج مقر القيادة العامة للجيش، وتلهب ثورية المتظاهرين بأنشودة حماسية عن «الكنداكة»، مرتدية الثوب السوداني الأبيض وهي تغني وتحفّز الحشود، بينما يعكس قرطاها الذهبيان ضوء كاميرات الهواتف النقالة المحيطة بها.
وتميّزت التظاهرات السودانية بحضور مكثف للنساء والفتيات اللاتي لعبنَ دوراً أساسياً في استمرار الاحتجاجات على مستوى الشارع، وذلك بفعلِ حضورهنّ الدائم رفقة بقية الشباب والرجال من أجلِ المطالبة بتنحي البشير.
دور السودانيات لم يقتصر على المشاركة في الاحتجاجات فقط، بل تعدّاه لما هو أبعد من ذلك، وصار حضورهنّ ضرورياً عند كل تظاهرة، لما يقدمنه من دعم للثوار من خِلال إسعاف الجرحى والمصابين، وكذا المُشاركة في تحميس وتشجيع بقية المشاركين من خِلال الزغاريد والأهازيج.
ليس هذا فقط، بل أظهرت صور ومقاطع فيديو تصدي الشابات السودانيات لعناصر قوات الأمن، ومنعهم من التقدم في أحيانٍ كثيرة.