2019 عام الاضطرابات والنزاعات عبر العالم.. العراق.. 3 أشهر من الحراك الشعبي والتناحر السياسي
شهدت المنطقة العربية والعالم في عام 2019 العديد من الأحداث الفارقة، منها عزل الرئيس السوداني، عمر البشير، ووفاة الرئيس التونسي، الباجي قائد السبسي، وعزل الرئيس الجزائري، عبدالعزيز بوتفليقة، وتفجّر ثورتين شعبيتين في العراق ولبنان، إضافة إلى اعتراف إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بشرعية المستوطنات، واعترافها بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان السورية. ومن الأحداث البارزة الأخرى تفجّر الخلاف حول سد النهضة الإثيوبي، وإجراءات عزل ترامب، وتفجّر تظاهرات السترات الصفراء في فرنسا، وأخرى في هونغ كونغ منذ أشهر عدة حتى الآن، والهجوم التركي على شمال سورية، وإجراء انتخابات جديدة في بريطانيا أوصلت بوريس جونسون، المؤيد لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، لرئاسة الوزراء، وغير ذلك من الأحداث.
وقد يواجه الإنسان صعوبة في إيجاد بعض الأحداث الإيجابية بين التقارير التي لا نهاية لها عن الحرب، والهجمات الإرهابية، وتحطّم الطائرات، ومشكلات المناخ، والفيضانات والأعاصير، وثوران البراكين، إلى غير ذلك من الأحداث المروّعة.
وبما أن هذه الأحداث تؤثر بشكل كبير في واقع المنطقة العربية ومستقبلها، فإننا سنحاول في هذا الملف، الممتد عبر حلقات عدة، تسليط الضوء على أهمها، بغرض التوثيق والاستفادة من الدروس.
لمشاهدة الموضوع بشكل كامل، يرجى الضغط على هذا الرابط.
• الرئيس يقف حائراً بين المتظاهرين والكتل النيابية
العراق.. 3 أشهر من الحراك الشعبي والتناحر السياسي
منذ الأول من أكتوبر الماضي، يعيش العراق حالة من الحراك والاحتجاج الشعبي يقابلها جمود سياسي متمثل في عدم الاستجابة لمطالبة المتظاهرين باختيار رئيس وزراء مستقل، وإزاحة الطبقة السياسية المستحوذة على إدارة البلاد منذ 16 عاماً، التي يتهمها المحتجون بـ«الفساد والتبعية لإيران»، وذلك رغم التغييرات السياسية الأخيرة التي تبدو كأنها صورية في ظل استمرار التناحر بين القوى الرئيسة التي تحتكر المشهد السياسي منذ إزاحة نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين عام 2003، فمع استقالة رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي، اختارت الكتل ذاتها التي كانت تدعمه شخصيات بديلة، وهو ما أثار رفض المتظاهرين.
بين الطرفين السابقين؛ المتظاهرين والكتل السياسية، وقف الرئيس العراقي برهم صالح حائراً، دون أن يقدر على حسم مسألة الكتلة الأكبر في البرلمان، والتي من حقها ترشيح رئيس الوزراء، أو أن يختار هو شخصية توافقية تتسم بالمواصفات التي ينشدها الشعب، ولم يكن أمامه سوى التلويح بالاستقالة أخيراً، أملاً في أن يؤدي ذلك إلى تنازلات من الطرفين تُفضي إلى حل للأزمة.
في المقابل، لم تحدث حتى اللحظة التنازلات التي ينشدها الرئيس العراقي، بالعكس تشير المصادر إلى أن هناك تحركات داخل البرلمان لعزل الرئيس العراقي نفسه، من خلال توجيه تهمة «خرق الدستور» له، على اعتبار أن المادة 76 تتضمن أن دور الرئيس هو تكليف مرشح الكتلة الأكبر في البرلمان، ولا يحق له رفض هذا الترشيح، وتطور الأمر إلى دعوى قضائية رفعها أحد النواب بالفعل تتهم رئيس الجمهورية بانتهاك الدستور.
إيران.. تأجيج الصراع
يبدو المشهد العراقي متشعباً بما يجعل من الصعوبة فك طلاسمه، وربما كان هذا التشعب والتشابك غير القابل للفك مقصوداً من الأطراف الخارجية التي تؤجج الاختلافات في الداخل العراقي، وعلى رأس تلك الأطراف إيران، التي اتهمها جزء كبير من الشارع العراقي بالوقوف خلف النظام السياسي الذي يطالبون بإسقاطه، وما أجج غضب المتظاهرين هو الزيارات المتكررة لقائد «فيلق القدس» في «الحرس الثوري الإيراني»، قاسم سليماني، إلى العراق، وتصريحات المرشد الإيراني علي خامنئي حول العراق.
وبعد شهر من الاحتجاجات، وتحديداً في الأسبوع الأول من نوفمبر الماضي، اندلعت أعمال عنف في كربلاء، أدت الى مقتل أربعة متظاهرين برصاص قوات الأمن، لدى محاولتهم حرق مبنى القنصلية الإيرانية، وبعد نحو شهر من الاحتجاجات أيضاً، اتفقت قوى سياسية رئيسة على الإبقاء على السلطة القائمة آنذاك، حتى وإن اضطر الأمر إلى استخدام القوة لإنهاء الاحتجاجات، وذكرت مصادر حينها أن الأحزاب اتفقت خلال اجتماع ضم غالبية قيادات الكتل الكبيرة على التمسك برئيس الحكومة عادل عبدالمهدي، مقابل إجراء إصلاحات في ملفات مكافحة الفساد وتعديلات دستورية، واتفقت الأطراف أيضاً على «دعم الحكومة في إنهاء الاحتجاجات بكل الوسائل المتاحة».
ولفتت مصادر سياسية إلى أن الاتفاق بين الأطراف المعنية (بما فيها سائرون والحكمة)، جاء بعد لقاء قائد «فيلق القدس» قاسم سليماني، مع زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، ومحمد رضا السيستاني (نجل المرجع الشيعي علي السيستاني)، الذي تمخض عنه الاتفاق على أن يبقى عبدالمهدي في منصبه، لكن قبل نهاية الشهر اضطر عبدالمهدي إلى الاستقالة تحت ضغط الشارع.
لم تقف إيران موقف المتفرج، وواصلت مساعي قصوى لتمرير مرشحها قصي السهيل الذي كان وزيراً في الحكومة المستقيلة، لكن الشارع أعلن رفضه التام للسهيل، معتبراً أنه مرشح عن إيران، بالإضافة إلى كونه جزءاً من الطبقة التي انتفض الشعب للإطاحة بها.
وفي منتصف ديسمبر الجاري، حذّر وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، إيران، من «ردّ حاسم» إذا تعرضت مصالح الولايات المتحدة للأذى في العراق، بعد سلسلة من الهجمات الصاروخية على قواعد عسكرية.
وقال بومبيو في بيان: «يتعيّن علينا اغتنام هذه الفرصة لتذكير قادة إيران بأنّ أيّ هجمات من جانبهم أو من ينوب عنهم من أي هوية، تلحق أضراراً بالأميركيين أو بحلفائنا أو بمصالحنا فسيتمّ الردّ عليها بشكل حاسم».
وأضاف: «يجب أن تحترم إيران سيادة جيرانها، وأن تكف فوراً عن دعم الأطراف الثالثة في العراق وفي جميع أنحاء المنطقة»، وترجمت الولايات المتحدة هذا التحذير بشن سلسلة غارات، أول من أمس، على قواعد تابعة لفصيل عراقي موالٍ لإيران، ما أسفر عن مقتل 19 مقاتلاً على الأقل، بعد يومين من هجوم صاروخي على قاعدة عسكرية قرب كركوك، أدى إلى مقتل متعاقد أميركي، ولم تستبعد واشنطن أي خطوات أخرى «إذا لزم الأمر».
صوت الشارع.. غضب متصاعد
بين قوى سياسية متناحرة، ورئيس يكاد يكون عاجزاً عن حل الأزمة، يبدو أن الشارع العراقي لديه إصرار بالغ على تحقيق مطالبه، فالإضرابات وقطع الطرقات تعم بغداد ومدن جنوب العراق، وموجات الغضب تتصاعد يومياً، بعدما قوبل الحراك الشعبي بقمع أدى إلى مقتل نحو 460 شخصاً، وإصابة ما لا يقل عن 25 ألفاً بجروح.
وامتدت الاحتجاجات إلى إضرابات في الجامعات والمدارس والمؤسسات الحكومية، كما وصلت إلى قطع الطرق المؤدية إلى حقول النفط، للضغط على السلطة لتحقيق المطالب، أو لرغبة فئة من المحتجين بالتعيين في المؤسسات النفطية، فالعراق هو خامس أكبر مصدر للنفط في العالم، وهو يصدر نحو 3.4 ملايين برميل يومياً من ميناء البصرة في جنوب هذا البلد الذي يعتمد بشكل كامل تقريباً على عائدات النفط التي تشكل 90% من ميزانية البلاد، ورغم الثروة النفطية الهائلة، يعيش واحد من كل خمسة أشخاص في العراق تحت خط الفقر، وتبلغ نسبة البطالة بين الشباب 25%، بحسب البنك الدولي.
ويرفض المتظاهرون أياً من «مرشحي الأحزاب» السياسية التي شاركت في حكم البلاد خلال السنوات الماضية، ورغم تصويت البرلمان قبل أيام، على اصلاحات لقانون انتخابي، لا توجد مؤشرات لخطوات باتجاه إجراء انتخابات قريبة، رغم أن من بين مطالب المتظاهرين، حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة.
ورغم انخفاض حدة العنف خلال الأيام القليلة الماضية، كشفت مفوضية حقوق الإنسان الحكومية عن وقوع 68 حادث خطف وفقدان على خلفية التظاهرات، وبلغت محاولات الاغتيال في صفوف الناشطين والمتظاهرين 33 حالة، موزعة بواقع 15 حالة قتل، و13 إصابة، وخمس محاولات فاشلة.
على هامش الحراك.. «التوك توك» بطل في الظل
في الظل.. هناك دائماً أبطال خلف الكواليس يقفون في مكان ما قد لا يكون ظاهراً للجميع، ومع اشتداد الحراك الشعبي في العراق ضراوة، كان «التوك توك» ملازماً للمتظاهرين وصديقهم الوفي، فهو وسيلة نقلهم إلى أماكن التظاهر، وفي ساحات الاشتباكات يتحول إلى وسيلة للفرار، وفيها أيضاً يتحول إلى سيارة إسعاف تنقل المصابين إلى المستشفيات أو العيادات الميدانية، وبعد انتهاء الاشتباكات نجد «التوك توك» أحياناً هو نفسه الضحية، حيث يكون قد تعرّض للإحراق أو الصدم.
في ساحة التحرير بوسط بغداد، على خطوط التماس عند مداخل الجسور المقطوعة، على ضفاف دجلة، في شارع الرشيد، في الأزقة، يبدو «التوك توك» متأهباً لأداء دوره.
وبحسب وكالة «فرانس برس» فقد نال «التوك توك» مكانة كانت مفقودة قبل الاحتجاجات، فقد كانت هذه العربة محط نظرة دونية حيالها وحيال سائقيها، وغالبيتهم من الأحياء المعدمة، لكن منذ الأول من أكتوبر، تغيرت هذه النظرة، حيث صار الجميع عائلة واحدة، فالتوك توك هو من يأخذ المصاب أو الجريح إلى المستشفيات، ومن يوصل الأكل والدعم إلى المتظاهرين.
لايزال هناك الكثير من المهام التي تقع على عاتق «التوك توك» مستقبلاً، فلا يبدو أن هناك حلاً قريباً يلوح في الأفق للأزمة العراقية، وحتى إن حدث توافق بين الكتل السياسة والرئاسة على شخصية تتولى رئاسة الوزراء وتشكيل الحكومة الجديدة، وحتى لو حدث ذلك، فمن المستبعد أن تتخلى النخبة السياسية عن السلطة التي يطالب المحتجون بإزاحتهم عنها.
يبدو المشهد العراقي متشعباً بما يجعل من الصعوبة فك طلاسمه، وربما كان هذا التشعب والتشابك مقصوداً من الأطراف الخارجية التي تؤجّج الاختلافات في الداخل العراقي، وعلى رأس تلك الأطراف إيران.
460
شخصاً قتلوا وأصيب نحو 25 ألف متظاهر جراء قمع الاحتجاجات في العراق.
واحد من كل خمسة أشخاص في العراق يعيش تحت خط الفقر.. والبطالة بين الشباب 25%.