نتيجة الفوضى التي ارتكبتها إدارة ترامب
أهداف أميركا في الشرق الأوسط معرضة لضربة قوية
لاتزال إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، تحتفل بمقتل قائد فيلق القدس، الجنرال قاسم سليماني، الذي قال عنه ترامب إنه أسوأ إرهابي في العالم، ولكن بعد مرور نحو أسبوع على القتل، يبدو أن جميع أهداف أميركا في الشرق الأوسط تعرضت لضربة قوية.
وتريد الولايات المتحدة منع إيران من الحصول على السلاح النووي، ولكن إيران قالت إنها ستتخلى عن جميع القيود المفروضة على برنامجها النووي. وتريد الولايات المتحدة تحجيم نفوذ إيران في العراق الحليفة لها، ولكن بعد قيام واشنطن بقتل سليماني على التراب العراقي، منحت إيران نصراً في البرلمان العراقي، الذي صوت إلى جانب طرد جميع القوات الأميركية من العراق. وتريد الولايات المتحدة القضاء على تنظيم «داعش» في جميع الأراضي العراقية، ولكن العلاقة الآن تدهورت بين الطرفين، كما أن دول التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد «داعش» أوقفت عملياتها الآن ضد التنظيم، لتركز كل انتباهها نحو أي هجمات ممكنة من إيران. واستناداً إلى ما سبق، فإن ما يجري الآن يصب في مصلحة «داعش» وإيران.
وفي الواقع، فإن الفوضى التي قامت بها إدارة ترامب تمتد إلى ما هو أبعد من العراق وإيران، وأدت إلى تدمير علاقات أميركا مع الحلفاء الأوروبيين، ولكنها ربما تصب في مصلحة ترامب، الذي أعلن مراراً وتكراراً أن هدفه هو الانسحاب من الشرق الأوسط.
ولكن مع نهاية الشهر الماضي، أرسلت الولايات المتحدة تعزيزات عسكرية إضافية إلى المنطقة، إضافة إلى قوات من المارينز لحماية السفارة الأميركية في بغداد، بعد محاولة المتظاهرين اقتحامها الأسبوع الماضي. وتم إرسال قوات إضافية من الجنود الأميركيين، حيث نشرت أميركا نحو 14 ألف جندي في المنطقة منذ مايو الماضي، وتعهد ترامب بأنه لن يغادر الشرق الأوسط في نهاية الأسبوع الماضي، وحتى لو أنه خرج من إحدى دول الشرق الأوسط، فإنه يهدد بأنه سيضرب مرة أخرى، حيث هدد بأنه سيضرب أهدافاً في إيران، إذا هاجمت أي أميركي أو أية أهداف أميركية.
ولطالما أكد وزير الدفاع الأميركي، مارك إسبر، أن نشر هذه القوات في المنطقة تم لإجراءات دفاعية، حتى بعد قيام الولايات المتحدة بضرب خمسة مواقع عراقية وسورية، التي قال الجيش الأميركي إنها مرتبطة بميليشيات كتائب «حزب الله» العراقية، المسؤولة عن مقتل العديد من المقاولين الأميركيين. ومع ذلك، فإن مارك إسبر قال إن الضربات الأميركية جاءت رداً على أفعال تلك الميليشيات، وإنها دفاعية.
وقال رئيس الأركان المشتركة الأميركية، مارك ميللي، للصحافيين إن عدم الرد على الميليشيات يعتبر تقصيراً وإهمالاً، فيما قال وزير الخارجية، مايك بومبيو، إن مثل هذه الهجمات أفشلت العديد من المخططات الإرهابية التي كانت يمكن أن تقتل المئات من الأميركيين. والمشكلة أن بعض تصريحات الرئيس تبدو مغلوطة، ويضطر موظفو الإدارة إلى تحسينها.
ومن الأمثلة على ذلك، أنه بعد أن كتب ترامب على «تويتر» إنه سيضرب 52 موقعاً في إيران، بعضها ثقافي، اضطر بومبيو للرد على الانتقادات ضد استهداف المواقع الثقافية. وقال لمحطة «فوكس نيوز»: «هل مسموح لهم قتل شعبنا، ومسموح لهم التنكيل به، واستخدام عبوات ناسفة على جانبي الطرقات، ونحن غير مسموح لنا أن نلمس مواقعهم الثقافية. هذا غير معقول».
وفي مؤتمر صحافي، عقده يوم الاثنين الماضي، عمل مستشار الرئيس، كيليان كونواي، على تعقيد الأمور أكثر، عندما قال: «قال الوزير بومبيو إننا سنظل ضمن حدود القانون، وأعتقد أن إيران لديها العديد من المواقع العسكرية الاستراتيجية، التي يمكن اعتبارها مواقع ثقافية أيضاً، فهو لم يقل إننا سنستهدف المواقع الثقافية».
لقد أسهم قتل سليماني في تسريع توجهات هي في الأساس كانت جارية، فقد كانت إيران تحاول التهرب من التزاماتها بالاتفاقية النووية مع إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، عام 2015، ولكنها أعلنت بعد قتل الجنرال الإيراني أنها لن تلتزم مطلقاً بالقيود التي تفرضها الاتفاقية على برنامجها النووي.
وكانت إدارة ترامب قد خرجت من الاتفاقية عام 2018، وتعهدت بوضع اتفاقية أخرى، يتم من خلالها فرض القيود على أعمال العنف التي ترتكبها أذرع إيران في المنطقة، إضافة إلى البرنامج النووي، ولكن ذلك لم يحدث.
أما بالنسبة لنفوذ إيران المتزايد في المنطقة، فإن الوزير بومبيو يعزوه إلى الاتفاقية النووية، التي أكد أنها منحت إيران راحة كبيرة من العقوبات، ساعدتها على تمويل الإرهاب، ولكن التوسع الإيراني الأخير بدأ قبل ذلك بكثير. وبعد الغزو الأميركي للعراق عام 2003 وسقوط النظام، منح ذلك الميليشيات المدعومة من إيران موطئ قدم في الدولة، وقاعدة يتم الانطلاق منها للهجوم على القوات الأميركية. وأسهم القتال ضد تنظيم «داعش» في تقوية هذه الميليشيات أكثر، حيث اعتمدت الحكومة العراقية جزئياً عليهم لقتال التنظيم الإرهابي، ومنذ ذلك الوقت يكافح العراق من أجل إعادتهم تحت سلطة الحكومة، وأنفقت الولايات المتحدة ملايين الدولارات لتدريب القوات العراقية، في محاولة لإبعاد العراق عن الفلك الإيراني. وخلال هذه الفترة اندلعت الحرب الأهلية في سورية، وقامت القوات الإيرانية ووكلاؤها بدعم الحكومة السورية، بقيادة الرئيس بشار الأسد، ما ساعد على تعزيز ما وصفه مسؤولون بأنه «الهلال الشيعي»، للنفوذ الذي يمتد ما بين إيران والعراق ولبنان. والتناقض ليس بين ترامب وبقية إدارته، وإنما داخل ترامب نفسه، فقد أعلن مرتين حتى الآن أنه هزم «داعش»، وأنه حاول مغادرة سورية، ولكنه يغير رأيه. واعترف أنه يكره الحرب، ولكنه يحب قتل الأشقياء، ولكن ما سيحدث بعد قتلهم فإنه مسؤولية الآخرين.
عواقب
مرة أخرى توقف جزء من القتال ضد «داعش»، بعد مقتل سليماني. ولم يوقف الأميركيون تعاونهم مع الوحدات العسكرية العراقية منذ مقتل سليماني فقط، بل إن بقية أعضاء حلف «الناتو» أوقفوا عملياتهم في العراق أيضاً، وهذه المرة الثانية خلال ثلاثة أشهر التي يتم فيها وقف العمليات ضد «داعش». وكانت الأولى بعد أن قرر الرئيس ترامب أن يبقى بعيداً عن طريق الهجوم التركي ضد الأكراد حلفاء أميركا.
ويواصل المسؤولون الأميركيون القول إن هدفهم من الضغط على إيران هو «استعادة الردع»، حيث كان مجيء كل مجموعة إضافية من الجنود إلى المنطقة، أو حتى عملية مقتل سليماني، تهدف إلى وقف دائرة العنف عن طريق إرسال رسالة واضحة لإيران، مفادها أن عواقب أعمالها ستكون وبالاً عليها، ولكن المشكلة أنه إذا لم يتم ردع الإيرانيين، فإنهم ربما يقومون بأعمال عنف عديدة، للسبب ذاته الذي تهدف إليه الولايات المتحدة، ومفاده: الإثبات أن العواقب الوخيمة لن تكون على إيران فقط.
أهداف سياسية متناقضة
تتمثل إحدى الفوائد المترتبة على كون الطرفين الأميركي والإيراني يمتلكان أهدافاً سياسية متناقضة في أنه عندما يفشل أحدهما، فإن الآخر يحقق النجاح، ولكن ما يصفه الجيش الأميركي بـ«الهزيمة الشاملة لتنظيم داعش»، الذي تم تحقيقه من قبل شركاء محليين، مثل العراقيين، وبدعم أميركي، ربما انتهى الآن، لأنه بات من الصعب التعاون مع العراقيين إذا غادر الجيش الأميركي المنطقة، وهو هدف تتوق إليه وزارتا الخارجية والدفاع الأميركيتان.
تريد الولايات المتحدة تحجيم نفوذ إيران في العراق الحليفة لها، ولكن بعد قيام واشنطن بقتل سليماني على التراب العراقي منحت إيران نصراً في البرلمان العراقي.
كاثي جيلسنان صحافية في «ذي اتلانتك»
- 14000
جندي نشرتهم أميركا في المنطقة منذ مايو الماضي، وتعهد ترامب بأنه لن يغادر الشرق الأوسط.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news