للتضليل وإبعاد المسؤولية عنها

إيران تواصل تلفيق الأخبار عن الطائرة الأوكرانية المنكوبة

صورة

تواصل إيران إطلاق الأخبار المزورة والمضللة المتعمدة عن الطائرة الأوكرانية المنكوبة، بما فيها تلك القصة التي تفيد بأن الرجل مشغل الصواريخ كان في حالة توتر، ولم يكن لديه أكثر من ست ثوان لاتخاذ القرار، فأسقط الطائرة عن طريق الخطأ. وتقول طهران إن هذا الرجل اعتقد أنه كان يعمل على إسقاط صاروخ كروز.

ويتألف كل نظام دفاع جوي حديث من ثلاثة أجزاء على الأقل، وهي: وحدة إطلاق الصاروخ التي تحوي الصواريخ الدفاعية الجوية، ورادار الاستحواذ الذي يبحث في منطقة واسعة كي يقدم الإنذار بوجود خطر ما على نحو مبكر، ورادار الاشتباك الذي يرصد الهدف ويساعد في إرشاد الصاروخ. ويستخدم صاروخ «تور»، الذي تعتقد الاستخبارات الأميركية أنه تم استخدامه لإسقاط الطائرة، هذا النموذج من الرادارات. ويمتلك هذا النظام الصاروخي أنظمة تحكم وسيطرة رقمية حديثة ونظام «ا. ف. ف»، أي تحديد العدو من الصديق، وجميعها مثبتة على العربة التي تطلق الصواريخ. ويطلق على النظام الصاروخي مع راداراته «تي . ل. ا .ر»، أي الحامل، ومنصة الإطلاق، والرادار. وكانت إيران قد اشترت 21 بطارية من هذا الطراز من الصواريخ عام 2007.

رواية زائفة

وفي الحقيقة، فإن المشغل لا يستطيع مجرد الضغط على الزر وإطلاق الصاروخ، لأن ذلك يأخذ دقيقة كاملة على الأقل، وأحياناً دقيقة ونصف الدقيقة أو أكثر، كي يصبح الصاروخ مستعداً للإطلاق. وبناءً عليه، فإن القصة التي تفيد بأن مشغل منصة إطلاق الصواريخ لم يكن لديه أكثر من ست ثوان لا يمكن تصديقها. وحتى الصواريخ الأكثر تطوراً وحداثة مثل «إس 300» أو «إس 400»، وهي صناعة روسية، تتطلب دقيقة أو دقيقتين لتكون جاهزة للإطلاق. وإضافة إلى ذلك، فإن مشغل منظومة الصواريخ الجوية غير مخول إطلاق الصاروخ ما لم يحصل على إذن من قائده، الذي يكون عادة موجوداً في قاعدة الصواريخ. وتزعم إيران أنه لم تكن هناك اتصالات مع القيادة، ولهذا فقد تم إطلاق الصاروخ دون الحصول على إذن بذلك. وبالتأكيد فإنه ليس هناك أي جندي، مهما بلغ من الغباء، يمكن أن يخاطر بإمكانية تعرضه للإعدام من قبل كتيبة الإعدام رمياً بالرصاص، لأنه أطلق صاروخاً بلا إذن.

وأقلعت الطائرة الأوكرانية المنكوبة في الساعة السادسة و11 دقيقة مساء من مطار طهران الدولي، وبعد ثلاث دقائق على الإقلاع تم تدميرها. وأي رادار، مهما كان متواضعاً، يكون قد تابع الطائرة منذ انطلاقها إلى حين تدميرها. وأي صاروخ يتم إطلاقه على الطائرة يحتاج إلى 10 ثوانٍ كي يرتطم بها، ولهذا يمكننا القول إن صورة الطائرة على الرادار كانت موجودة على نظام صواريخ «تور» الدفاعية طوال الثلاث دقائق التي كانت الطائرة تحلق بها قبل تدميرها.

مجال رؤية واسع

ويتمتع رادار الاستحواذ للصاروخ «تور» بمدى يصل إلى 25 كيلومتراً، وهذا يعني أنه لو كان هناك فعلاً أي صاروخ كروز أميركي أمامه، فإنه سيعرف بأنه هدف على بعد مسافة كبيرة. وتمنح المنطقة إلى الغرب والجنوب من طهران الرادار مجال رؤية واسعاً وجيداً. ورادار «تور» مصمم لاكتشاف الأهداف التي تطير على ارتفاع منخفض، مثل صواريخ كروز، وبناءً عليه، فإن الرادار كان ملائماً جداً لإعطاء التحذير قبل خمس أو 10 دقائق.

وبالطبع، فإن صاروخ «توماهوك»، وهو الصاروخ الوحيد الموجود في الترسانة الأميركية القادر على ضرب طهران، هو صغير الحجم مقارنة بطائرة تجارية. وتكون صورة الطائرة التجارية على الرادار أكبر من صورة صاروخ «توماهوك» بخمس مرات على الأقل. ويبلغ مدى أجنحة الصاروخ أقل من تسع أقدام مقارنة بالطائرة الأوكرانية التي يبلغ مدى أجنحتها 112 قدماً.

وأي رادار حديث يمكن أن يحدد ارتفاع الطائرة الأوكرانية المنكوبة أثناء ارتفاعها بعد الإطلاق. وحقيقة أن الطائرة المنكوبة كانت ترتفع نحو الأعلى يمثل دليلاً قوياً على أنها ليست صاروخ «توماهوك»، الذي يطير على ارتفاع 50 قدماً فقط. ويحاول صاروخ «توماهوك» عادة الاختفاء في فوضى الرادار والغطاء الطبيعي، مثل التلال والجبال، وحتى المباني المرتفعة. وبناءً عليه، فإن مشغل الرادار سيكون غبياً جداً إذا أخطأ في التفريق بين طائرة تجارية وهي تحلق نحو الأعلى وصاروخ «توماهوك».

وكانت الطائرة الأوكرانية مزودة بجهاز مستجيب للرادار، يبث إشارة صادرة عنها إلى شاشات الرادار لتعريف نفسها وتقديم معلومات أخرى للعاملين في مراقبة الحركة الجوية في المطارات، فلماذا لا يستطيع نظام صاروخي روسي الصنع، ويحمل نظام التمييز بين العدو والصديق، التمييز بصورة ذاتية بين الطائرة التجارية والعسكرية، خصوصاً إذا كان النظام الصاروخي موجوداً بالقرب من مطار تجاري ضخم؟ فإذا لم يتمكن من التمييز بين الطائرة التجارية والصاروخ، فان نظام تعريف العدو من الصديق سيكون سيئاً، ولا يستحق الاعتماد عليه.

وتبدو المحاججة الإيرانية غير منطقية ومضللة، بصورة متعمدة. وعن طريق إلقاء اللوم على مشغل نظام الصواريخ، يعمد المسؤولون إلى التهرب من المسؤولية. وبإلقاء اللوم على الاتصالات السيئة، فإنهم يبعدون أنفسهم حتى عن معرفة ما كان يحدث، عن طريق اختلاق وتلفيق مزيد من القصص المستندة إلى التضليل المتعمد والمعلومات الخاطئة. والآن تجري احتجاجات في إيران، تدعو إلى استقالة المرشد الأعلى علي خامنئي. ويدرك المحتجون أن رواية الحكومة كاذبة، وهم يشعرون بالغضب، لأن العديد من الأشخاص توفوا بلا داعٍ، بمن فيهم 82 إيرانياً و63 مواطناً كندياً، منهم نحو 57 من أصول إيرانية.

ومما لا يعقل تصديقه أن السلطات الإيرانية اعتقلت السفير البريطاني في إيران، روب ماكيير، بدعوى أنه يقود التظاهرات، وتم إطلاق ماكيير بعد وقت قصير من اعتقاله، ولكن الاحتجاجات تواصلت.

إن تحطم الطائرة الأوكرانية ليس حادثاً، لقد كان عملاً إجرامياً مدبراًً، ومن المؤكد أنه تم بأوامر من قوات الحرس الثوري، التي تدير الصواريخ الدفاعية في طهران.

ستيفن بريان  : باحث وكاتب أميركي في المجال السياسي


- مشغِّل منظومة الصواريخ الجوية غير مخول إطلاق الصاروخ.

- الطائرة الأوكرانية كانت مزودة بجهاز مستجيب للرادار، يبث إشارة صادرة عنها إلى شاشات الرادار لتعريف نفسها، وتقديم معلومات أخرى للعاملين في مراقبة الحركة الجوية في المطارات.

تويتر