الحكومة الإيرانية تخسر معركتها لكسب الرأي العام
تحوّل هدف غضب الإيرانيين بين عشية وضحاها من الولايات المتحدة إلى قيادة البلاد. قبل أسبوع، عبّر الملايين عن حزنهم على مقتل قائد فيلق القدس بالحرس الثوري، قاسم سليماني، وبدا وكأن موته في غارة أميركية بطائرة بدون طيار قد وحّد الإيرانيين خلف القيادة. ولكن في نهاية الأسبوع الماضي، خرجت حشود غاضبة عبرت عن سخطها على الحكومة، بعد أن اعترفت بأن أحد صواريخها أسقط عن طريق الخطأ طائرة مدنية أوكرانية، ما أدى إلى مقتل 176 شخصاً، منهم 82 إيرانياً، واعتبروه تستراً منها، وأصبح النظام الإيراني محاصراً بين الضغط المتزايد من العقوبات الأميركية والسخط الشعبي.
كانت شعارات المحتجين على كارثة الطائرة استفزازية بشكل غير عادي. لم يستهدفوا المرشد الأعلى، علي خامنئي فحسب، بل أيضاً الحرس الثوري، الذي لا يكون هدفاً في العادة، كما تضمنت المسيرات مجموعات مثل طلاب الجامعات الذين تشعر القيادة بالقلق الشديد منهم.
هذا الانفعال الشديد أمر مفهوم. في نوفمبر الماضي، اتخذت الاحتجاجات لهجة معادية للنظام، وامتزج الغضب الناجم عن المصاعب المعيشية بسبب العقوبات الأميركية، بالاستياء من الفساد الرسمي الذي يُعتقد أنه زاد من تأثيره. وتمكنت السلطات من كبت هذه الاحتجاجات من خلال التعتيم على الإنترنت، وحملة القمع الوحشية التي راح ضحيتها أكثر من 300 شخص، وفقاً لمنظمة العفو الدولية. كما أن موت أكثر من 50 شخصاً في تدافع وقع قبل أيام في جنازة سليماني - تسبب في غضب شديد حتى في الوقت الذي كان فيه الإيرانيون يعبّرون عن حزنهم على وفاة سليماني. والآن، ثارت ثائرة الشعب الايراني بعد محاولة الحرس الثوري تضليل الشعب بإنكاره إسقاط الطائرة الأوكرانية.
ومن المفارقات، أن هذا الحادث الأخير قد يضعف المعتدلين مثل الرئيس حسن روحاني، البطل الرئيس للصفقة النووية الإيرانية لعام 2015. روحاني، الذي يرأس أيضاً مجلس الأمن القومي الأعلى في إيران، تعرض للإذلال لأن الحرس الثوري لم يخبره بحقيقة إسقاط الطائرة، على الرغم من كونه يشرف على الشؤون الأمنية، وقد يعتبره الإيرانيون العاديون، وحتى القوى المعتدلة داخل النظام، بمثابة علامة على عدم ارتباطه بالقضايا الأمنية الحاسمة.
وفي حين أن إسقاط الطائرة كان بمثابة نكسة سريعة للحرس الثوري الإيراني في أعقاب وفاة سليماني، فقد يكون ذلك أيضاً بمثابة ضربة سياسية للمتشددين داخل النظام. علاوة على ذلك، لا ينبغي للبيت الأبيض أن يفترض أن سياسته المتمثلة في «أقصى قدر من الضغط» التي تهدف إلى إجبار طهران على إعادة التفاوض بشأن الاتفاق النووي قد أوصلت النظام إلى حافة الانهيار، إذ لايزال معظم الإيرانيين لا يرون بديلاً عن القيادة الحالية.
لا يمكن تحمّل الضغوط
ومع ذلك، لا يمكن لطهران تحمّل هذه الضغوط المتعددة إلى أجل غير مسمى. قد يكون مقتل سليماني قد بدّد، في المستقبل المنظور، أي احتمال لإجراء محادثات جديدة مع الولايات المتحدة. ومع ذلك، ينصح البعض إيران بالرجوع إلى التزاماتها بموجب الاتفاق النووي لعام 2015؛ فقد أطلقت المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا يوم الثلاثاء آلية النزاع الخاصة بالصفقة، وحاولت هذه الدول جاهدة إنقاذ الصفقة. يجب على طهران أن تمتنع، أيضاً، عن شن مزيد من الهجمات على مصالح الولايات المتحدة من جانب وكلائها في الشرق الأوسط، والتي يلمّح المتشددون إلى أنها قد تكون وشيكة.
وتجيئ كارثة الطائرة الأوكرانية في خضم التوتر بين الولايات المتحدة وإيران التي وصلت إلى درجة الغليان. يجب أن تلهم الأرواح البريئة، البالغ عددها 176، جميع الأطراف العودة للبحث عن طرق تفضي إلى مسار دبلوماسي. ستكون مأساة لا تُنسى إذا كانت هذه أول المآسي القادمة على الطريق.
- إسقاط الطائرة كان بمثابة نكسة سريعة للحرس الثوري الإيراني في أعقاب وفاة سليماني، فقد يكون ذلك أيضاً بمثابة ضربة سياسية للمتشددين داخل النظام.