«المطاردة في الشوارع واقتحام المنازل» معاناة يومية لأطفال العيسوية
منذ شهر يونيو عام 2019 وحتى اليوم، تشن القوات الإسرائيلية هجمة شرسة على بلدة العيسوية، في الجهة الشمالية الشرقية للمسجد الأقصى المبارك بالمدينة المقدسة، وسكانها، متمثلة في الاقتحامات اليومية للأحياء والمنازل، وحملات الاعتقال والتنكيل، وفرض الحبس المنزلي على المقدسيين، إلى جانب نصب الحواجز العسكرية على مداخل البلدة وشوارعها.
هجمة العقاب الجماعي هذه امتدت لتطال الصغير قبل الكبير في بلدة العيسوية، التي يعيش فيها 30 ألف مقدسي، حيث تعمدت القوات الإسرائيلية استهداف الأطفال، ابتداء من إطلاقها تحذيرات لأهالي العيسوية في حالة مشاركة أولادهم في المواجهات داخل البلدة، ووصولاً إلى اعتقالهم أثناء عودتهم من مدارسهم، أو اقتحام منازلهم بصور قاسية.
وطالت حملة الاعتقالات، المستمرة حتى اليوم، أكثر من 600 مواطن، ثلثهم من الأطفال القاصرين، ودون سن الـ12 عاماً، وذلك وفقاً لمعطيات نشرتها جمعية «حقوق المواطن»، وهي مؤسسة حقوقية إسرائيلية - فلسطينية، في شهر يناير الجاري.
براءة منهكة
في نهاية يوليو من العام الماضي، استدعت الشرطة الإسرائيلية والد الطفل، قيس فراس عبيد (ست سنوات)، للتحقيق معه للاشتباه في إلقاء طفله الحجارة على دوريات الشرطة، التي تمت بعد يوم من مطاردة القوات الإسرائيلية للطفل (قيس) لاعتقاله، لكنه تمكن من الفرار إلى منزله، حيث حالت والدته وجدّه دون اعتقالهم له.
ويقول فراس عبيد، والد الطفل (قيس): «إن طفلي كان يوم مطاردته من قبل القوات بجوار المنزل، واشترى عبوة عصير كرتون صغيرة، وبعد أن شربها ألقى بها على الرصيف، وكان في المكان جنود إسرائيليين، اعتقدوا أنه يلقي حجارة عليهم، فهجموا عليه وهرب مسرعاً إلى البيت واختبأ تحت السرير، إلا أن القوات لاحقته مقتحمة المنزل، وكانت زوجتي موجودة ووالدي كذلك، وحالا دون اعتقال (قيس)، وأخذوا هوية زوجتي ومن خلالها كتبوا استدعاء باسمي ورقم هويتي».
ويضيف: «أثناء التحقيق اتهموا (قيس) بإلقاء الحجارة على القوات، ونفيت ذلك مستشهداً بأنه ألقى علبة عصير صغيرة على الرصيف، وبعد وقت طويل غادرت مركز التحقيق، بعد التعهد بعدم إلقاء طفلي الحجارة، وهذا لم يحدث مطلقاً، ولكن حتى أحميه من بطشهم».
قبل يوم من مطاردة الطفل قيس عبيد، استدعت الشرطة الإسرائيلية الطفل محمد ربيع عليان (أربعة أعوام)، للتحقيق معه بتهمة إلقاء الحجارة باتجاه مركبة عسكرية إسرائيلية خلال اقتحامها بلدة العيسوية.
مشهد حضور الطفل محمد عليان إلى مركز الشرطة الإسرائيلية، شاهده الجميع عبر وسائل الإعلام التي رافقته من منزله إلى المركز، وهو يصطحب معه الحلوى والشراب، برفقة والده، إلى جانب عدد من الجيران والمقدسيين الذين جاؤوا لمساندة الطفل الصغير، أثناء توجهه إلى التحقيق.
ويقول ربيع عليان والد الطفل (محمد) لـ«الإمارات اليوم»: «إن (محمد) كان يلعب مع أطفال آخرين بجواره، حينما ركضوا جميعاً باتجاه منازلهم، بعد دهم القوات الإسرائيلية للبلدة، وبات طفلي مطارداً من قبل القوات التي حاولت اعتقاله، إلا أن أهالي البلدة تصدوا لهم ومنعوا اعتقاله، لكن الشرطة سلمتني أمر استدعاء للتحقيق معه، بحجة إلقاء الحجارة». ويوضح أنه لم يفاجأ بقرار التحقيق مع طفله، ومحاولة اعتقاله رغم صغر سنه، حيث توجه هو وطفله بمعنويات عالية إلى مركز الشرطة، معززين بحشد شعبي من المقدسيين.
ويشير والد الطفل (محمد) إلى أن الشرطة الإسرائيلية تراجعت عن قرار الاستدعاء بحق الطفل (محمد)، واكتفت بتحذيره وهو خارج المركز بعدم إلقاء طفله الحجارة. ويتابع عليان: «إن ما جرى مع طفلي (محمد) هو مسلسل يومي يتعرض له أطفال بلدة العيسوية، وهو أيضاً ضمن الهجمة التي تواجهها البلدة، ولكن هذه الممارسات تصيب الأطفال بحالات نفسية قاسية تلازمهم فترة طويلة، وهذا ما حدث مع (محمد)، حيث بات مشهد مطاردته من قبل عشرات الجنود المدججين بالسلاح، ومحاولة اعتقاله ماثلاً في ذهنه حتى اللحظة».
انتهاكات
ما جرى مع الطفلين (محمد) و(قيس) يعد نموذجاً لما يواجهه أطفال بلدة العيسوية، حيث إن تكرار حملات الاعتقال ضد أطفال البلدة المقدسية، المتواصلة حتى الآن، جعلهم هدفاً أساسياً للشرطة الإسرائيلية، فهناك أطفال لم تتجاوز أعمارهم خمس أو ست سنوات، تم استدعاؤهم والتحقيق معهم داخل مراكز التوقيف، وآخرون فرض عليهم الحبس المنزلي أو الإبعاد لفترات متفاوتة عن منازلهم وبلدتهم، إلى جانب تعرضهم للاعتداء بالضرب والتنكيل الوحشي، أثناء الاعتقال والتحقيق معهم دون وجود الأهالي.
ويقول عضو لجنة المتابعة في بلدة العيسوية، محمد أبوالحمص: «إن إسرائيل تحاول فرض أمر واقع جديد على أهل العيسوية، من خلال مطاردة الأطفال في الشوارع، واقتحام منازلهم لاعتقالهم، وتعرضهم للضرب خلال الاعتقال والتحقيق معهم، إلى جانب فرض الإقامة الجبرية على عدد من الشبان، واعتقال العشرات منهم، وكذلك هدم بيوت الأهالي بذريعة البناء من دون ترخيص».
ويشير إلى أن أغلب الذين اعتقلتهم القوات منذ بدء حملتها ضد العيسوية هم من الأطفال والقصّر، حيث بلغ عدد من اعتقلوا حسب معطيات المنظمات الحقوقية أكثر من 200 طفل.
ويوضح أبوالحمص أن القوات الإسرائيلية تعتقل الأطفال وتطاردهم بصورة وحشية، من دون مراعاة صغر سنهم، أو احترام قوانين الطفل وحقوق الإنسان، مشيراً إلى أن القوات أصابت 10 أطفال في أعينهم جراء إطلاق الرصاص بشكل مباشر أثناء ملاحقتهم، ومحاولة اعتقالهم، منذ بدء الحملة ضد العيسوية حتى اليوم.
حملات اعتقال متواصلة
يؤكد رئيس لجنة أهالي الأسرى المقدسيين أمجد أبو عصب، بأن حالات اعتقال الأطفال تكررت في مدينة القدس المحتلة بشكل مستمر، وبصورة وحشية أنهكت براءة طفولتهم، لافتا إلى القوات تستخدم أساليب قمعية عنيفة ضد الأطفال خلال اعتقالهم، وأثناء التحقيق معهم.
ويوضح أبو عصب، أن أساليب التحقيق التي تتبعها القوات مع الأطفال قاسية، حيث يتم ترهيبهم دون مراعاة براءتهم، والتحقيق معهم بمعزل عن أهاليهم، كما يتعرض معظمهم للضرب المبرح والاعتداء الممنهج من أجل إخافتهم.
ويضيف «تنقل القوات الأطفال الأسرى إلى مراكز شبيهة بمراكز الأحداث والتي تفتقر للظروف الحياتية الجيدة، تماما كما حدث مع الطفل المقدسي محمد حوشية، المعتقل في أحدها منذ أربع سنوات حيث كان عمره حينها 12 عاماً».
القوات الإسرائيلية تعتقل الأطفال وتطاردهم بصورة وحشية، من دون مراعاة صغر سنهم، أو احترام قوانين الطفل وحقوق الإنسان، وأصابت القوات 10 أطفال في أعينهم، جراء إطلاق الرصاص بشكل مباشر أثناء ملاحقتهم ومحاولة اعتقالهم، منذ بدء الحملة ضد العيساوية حتى اليوم.