«كورونا» سيُلحق أضراراً مستدامة لو لم يواجَه بشكل صحيح
بعد تفشّي فيروس كورونا المستجد، في جميع أنحاء العالم، وهبوط الأسواق وخفض المحللين لتوقعات النمو، أصبحت إمكانية تكبّد الاقتصاد العالمي للخسائر، واضحة. والمناطق الصينية الأكثر تضرراً من الفيروس، في مقاطعة هوبي، هي موطن لعدد هائل من الشركات، تزوّد نحو 56 ألف شركة متعددة الجنسيات. ويعاني العديد من هذه الشركات متعددة الجنسيات، بالفعل، اضطرابات في التوريد، إذ يتم تأخير مواد التصنيع الحيوية من الصين. ومن المرجح أن تصل التأثيرات إلى عمالقة التكنولوجيا، وشركات الأدوية وشركات الصناعة الثقيلة، وغيرها من القطاعات.
ويبدو أن الوضع في الصين أصبح تحت السيطرة، أخيراً. وبعد تخبّط في رد الفعل الأولي، تسارع الحكومة إلى إعادة فتح المصانع وتوسيع نطاق التصنيع لتلبية الطلب العالمي. ويقال إن أصحاب العمل يعرضون تذاكر سفر مدفوعة لإقناع العمال بالعودة إلى المصانع والمكاتب؛ لكن من المرجح أن تفشل هذه الجهود بسبب تردد العمال وعدم الثقة بالمؤسسات الصينية. وحتى إذا تمكنت الصين من استئناف المستوى الطبيعي للعمل، فقد تستغرق سلاسل التوريد وقتاً طويلاً للحاق بالركب.
مشكلة صحية عامة
ومع ذلك، تعاملت الحكومات والمنظمات الدولية مع تفشي الفيروس كمشكلة صحية عامة، بدلاً من مشكلة اجتماعية أكبر ستؤثر أسبابها وعواقبها في كل شيء، بما في ذلك التمويل والتأمين والسياحة والزراعة. وتدعو كل أنواع الكوارث، تقريباً، قطاعات متعددة الى الاستجابة والوقاية. وبينما تكافح فرق الإطفاء حرائق الغابات، على سبيل المثال، تقلل تدابير البناء والعوازل من احتمال اندلاع الحرائق، في المقام الأول، كما تقدم أجهزة الإنذار تحذيرات مبكرة لأولئك المعرّضين للخطر. وعندما يُهدد الإعصار بلداً ما، تقوم السلطات المحلية بإجلاء الأشخاص قبل أيام من ضرب العاصفة. وفي كلا النوعين من الكوارث، تتحمل مجموعة متنوعة من الجهات الفاعلة، العامة والخاصة، التكاليف في نهاية المطاف. وتعتبر الأوبئة فريدة من نوعها من حيث إنها تعامل، بشكل شبه حصري، على أنها تهديد للصحة العامة، مع القليل من جهود الوقاية وعدم وجود آلية لتقاسم التكاليف عبر القطاعات المتأثرة.
الكلفة الحقيقية
تفشّي فيروس كورونا المستجد سيتسبب في أضرار دائمة للبلدان والاقتصادات المحلية، أكثر من الأسواق العالمية أو التجارة الدولية. وشهد الأسبوعان الأخيران عمليات بيع هائلة في أسواق الأسهم، حول العالم، ما يشير إلى أن الآثار الاقتصادية على نطاق عالمي من المرجح أن تكون جذرية، لكنها قد تكون قصيرة الأجل. وتلقت الأسواق ضربة خلال وباء «سارس»، في عامي 2002 و2003، لكنها تعافت بسرعة. وينطبق الشيء نفسه على صناعة الطيران، التي عانت خسائر في شرق آسيا نتيجة لـ«سارس»، ولكن سرعان ما استأنفت الاتجاه التصاعدي الذي استمر حتى أوائل هذا العام. وفي الواقع، هناك عاملان يجعلان من الممكن أن يؤدي تفشي كورونا، حالياً، إلى آثار سلبية أكثر من الفيروس المرتبط بـ«سارس»، إذ إن حصة الصين في أسواق التصنيع والسياحة العالمية أكبر اليوم مما كانت عليه في عام 2003، ويبدو أن الفيروس المستجد ينتشر عبر الحدود أسرع بكثير ممّا فعل «سارس».
ولكن سواء ثبت الضرر بالاقتصاد العالمي، أكثر من «سارس» أو الأوبئة السابقة، أم لا، فمن المؤكد أن آثاره على البلدان ستكون شديدة ودائمة. وتسبب الأوبئة أضراراً طويلة الأجل للاقتصادات، وكذلك لصحة الناس وإنتاجيتهم، وذلك بتحويل الموارد عن الرعاية الصحية غير الطارئة، وكذلك عن السلع والخدمات العامة الأخرى.
أضرار طويلة الأمد
تسبب الأوبئة أضراراً طويلة الأجل للاقتصادات، وكذلك لصحة الناس وإنتاجيتهم؛ فقد دمر فيروس «إيبولا»، قطاع الرعاية الصحية في إفريقيا، ما تسبب في انخفاض في القوى العاملة بمجال الرعاية الصحية، في ليبيريا، وترك فجوات في الموارد البشرية لاتزال قائمة حتى يومنا هذا. وأدى إغلاق المدارس لمدة شهور إلى تعطيل التعليم وترك الأطفال عرضة للاستغلال، ما تسبب في تصاعد العنف الجنسي. لكن قصة تفشي فيروس إيبولا في غرب إفريقيا لا يجب أن يكون حال الأوبئة في المستقبل. وعلى الرغم من أنه من المستحيل توقع موعد ومكان ظهور الأمراض المعدية، في المستقبل، إلا أن هناك طرقاً لتقليل تواترها والمخاطر التي تسببها. ويمكن للحكومات الوطنية والهيئات الدولية اتخاذ تدابير لمنع حدوث الأسوأ، وتوجيه الأموال حيثما تكون هناك حاجة إليها، ومشاركة التكاليف إذا كان الوباء غير ممكن تجنّبه.
الاستجابة والوقاية
حذرت منظمتنا «إيكو هيلث ألاينس» غير الربحية، لسنوات، من احتمال انتقال فيروس كورونا المستجد من الخفافيش إلى البشر، في آسيا. وعلى مدى السنوات الـ60 الماضية، ظهرت غالبية مسببات الأمراض الحيوانية المنشأ الجديدة نتيجة للتغييرات في ممارسات الإنتاج الزراعي أو الغذائي، أو استخدام الأراضي، أو من التفاعل مع الحياة البرية. وهناك حاجة إلى استراتيجية وقائية أكثر فاعلية، من شأنها تعزيز وتنسيق القوانين والمعايير الوطنية والدولية التي تحكم استخدام الأراضي، بما يضمن جعل ممارسات الإنتاج الزراعي والغذائي عالية المخاطر أكثر أماناً.
إن النظم الغذائية على وجه الخصوص في حاجة ماسة إلى التحديث، في معظم أنحاء العالم. ويعتمد مئات الملايين من الأشخاص، في الدول النامية، بشكل أساسي على أسواق الحيوانات الحية للحصول على الغذاء، وتعد هذه الأسواق مصدراً رئيساً لتهديدات الوباء الناشئة، مثل الأنفلونزا، وهي متهمة في كل من «سارس» وتفشي فيروس كورونا الحالي، لذا فإن تقليل عدد الحيوانات الحية التي تتحرك في أسواق المواد الغذائية سيقلل من خطر تفشي الأمراض المعدية في المستقبل.
وفي هذا السياق، اتخذت الصين خطوة إيجابية بعد أن ربطت السلطات فيروس كورونا المستجد بسوق للحيوانات البرية في مدينة ووهان. وفي 24 فبراير، عززت الحكومة قانون حماية الحياة البرية، لحظر تجارة واستهلاك الحيوانات البرية. وتقدّر قيمة صناعة الحياة البرية في الصين بـ74 مليار دولار، وما لاشك فيه أن اللوائح الجديدة والأكثر صرامة ستضر بالعديد من الشركات، ولكن من المرجح أن تكون الكلفة باهظة مقارنة بتفشّي فيروس كورونا الحالي، الذي أفقد الصين بالفعل نحو 196 مليار دولار.
توجيه الموارد
الإجراءات الوقائية مهمة لمنع الضرر الاقتصادي والأمني الذي يمكن أن تسببه الأمراض المعدية، ولكن يتعين على الحكومات والهيئات الدولية أن تكمل مثل هذه البرامج بخطط طوارئ لتوجيه الموارد حيثما كانت هناك حاجة إليها، وتقاسم التكاليف، أثناء تفشي الوباء. وقدم البنك الدولي أداة لهذا الغرض، وهي صندوق تمويل حالات الطوارئ الوبائية، الذي يوفر تأميناً مدعوماً من القطاع الخاص يهدف إلى دعم الدول الفقيرة، إذا تأثرت بالأوبئة المتفشية على نطاق واسع. وتعد خطة الطوارئ خطوة أولى جيدة، لكنها مصممة للمساعدة المالية، بغض النظر عما إذا كانت البلدان المعنية قد اتخذت تدابير وقائية أم لا. ومثل التأمين على السيارات، ينبغي تسعير منتجات التأمين ضد الوباء، وفقاً لمخاطر الزبون؛ والتي يجب أن تعتمد جزئياً على قدرة أي بلد على إظهار أنه يتخذ تدابير وقائية.
يتمثل أحد الخيارات في إنشاء صندوق دولي منفصل للاستجابة للوباء من ضرائب الصناعات ذات المخاطر الكامنة، مثل منتجي الحيوانات الحية وبائعيها، وشركات الحطب واستخراج المعادن، وغيرها.لدى الأمم المتحدة آليات للاستجابة للأوبئة، ومعالجة الأوبئة، باعتبارها كوارث حقيقية تتطلب استجابة دولية أكثر توحداً. وينبغي التعامل مع تفشي الأمراض المعدية بموجب إطار «سينداي للحد من مخاطر الكوارث»، وهو اتفاق عالمي التزم الموقعون عليه بخطط وطنية للحد من مخاطر الكوارث. وهذا من شأنه أن يساعد البلدان على معالجة الأسباب الجذرية لتهديدات الأمراض المعدية، بدلاً من معالجتها على أنها حالات بسيطة. ويجب على الأمم المتحدة، جعل إدارة مخاطر الوباء أولوية في أنشطتها. وعليها المطالبة، بشكل روتيني، بـ«تقييمات المخاطر»، لتقييم مبادرات التنمية المقترحة، ويجب أن تشمل مخاطر ظهور الأمراض المعدية بين أولئك الذين تم تقييمهم.
وإذا تمت العملية بشكل صحيح، فإن الوقاية من الأوبئة والاستجابة لها ستكون أمراً عادياً، ويصبح تشخيص وعلاج الأمراض الروتينية أسرع وأكثر دقة، يوماً بعد يوم. ومع مرور الوقت، سيكون هناك عدد أقل من الطلبات على أموال الطوارئ، وتتراجع الاضطرابات المجتمعية نتيجة تفشي الأمراض المعدية، وتزيد الثقة بالنظم الصحية. في الواقع، تنتشر الأوبئة أكثر من الأمراض، وهي تهدد صحة المجتمعات والاقتصادات بأكملها، ومعاملتها على أنها أزمات صحية، فقط، سيؤدي إلى فترة من الذعر واللامبالاة والاستجابة غير الفعالة.
كاثرين ماكلابابا وويليام كاريش :خبيران ومستشاران في «إيكو هيلث ألاينس»
- يقال إن أصحاب العمل يعرضون تذاكر سفر مدفوعة لإقناع العمال بالعودة إلى المصانع والمكاتب؛ لكن من المرجح أن تفشل هذه الجهود بسبب تردد العمال وعدم الثقة بالمؤسسات الصينية. وحتى إذا تمكنت الصين من استئناف المستوى الطبيعي للعمل، فقد تستغرق سلاسل التوريد وقتاً طويلاً للحاق بالركب.
- 74
مليار دولار هي قيمة صناعة الحياة البرية في الصين.
- يعتمد مئات الملايين من الأشخاص، في الدول النامية، بشكل أساسي على أسواق الحيوانات الحية للحصول على الغذاء، وتُعد هذه الأسواق مصدراً رئيساً لتهديدات الوباء الناشئة، مثل الأنفلونزا، وهي متهمة في كل من «سارس» وتفشّي فيروس كورونا الحالي.