اقتصادات «الكمامات الطبية» تتشكل في الشرق الأوسط
تنتعش مبيعات الكمامات الطبية والقفازات المتخصصة والأشرطة اللاصقة، وغيرها من المعدات الوقائية، في دول الإقليم بعد تمدد انتشار فيروس «كورونا» إلى دول العالم ومنها منطقة الشرق الأوسط، لاسيما أن الزيادة المستمرة في عدد الحالات الجديدة والدول المتأثرة، أدت إلى زيادة الطلب على الكمامات بدرجة وصلت إلى حد «الهوس» في بعض الأحيان، الأمر الذي أثار تخوفات دولية وإقليمية، بعد ارتفاع أسعارها ونفاد كمياتها، وتشكُّل سوق موازية لها.
طلب متزايد
تزايد الطلب المجتمعي على الكمامات المعروضة في الأسواق، خصوصاً أن العديد من الأسر تحاول توفيرها لأطفالها في مواسم المدارس، فضلاً عن العاملين بالشركات السياحية، بحيث ترتفع أسعار تلك الكمامات بدرجة كبيرة، وفي الوقت نفسه تتراجع كمياتها المعروضة. وحتى مع ارتفاع أسعار الكمامات بالعديد من دول الإقليم، لا يمكن العثور عليها بسهولة، في بعض الأحيان، إذ يلجأ العديد من أصحاب الصيدليات إلى تخزينها، فيما يقوم بعض التجار بتجميع العدد الأكبر منها بغرض التصدير.
مؤشرات عاكسة:
تعددت المؤشرات التي توضح تبلور «اقتصادات للكمامات» في العالم ككل، منها منطقة الشرق الأوسط، وذلك على النحو التالي:
1- إطلاق تصريحات دولية بشأن نقص الكمامات الطبية:
طلب المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم غيبريسوس، في 4 مارس الجاري، من العالم التوقف عن تخزين الكمامات والقفازات والمعدات الوقائية الأخرى، قائلاً إنه «قَلِق من أن فيروس كورونا المستجد يعرقل إمدادات المعدات الوقائية، ومنها الكمامات المطلوبة بشدة لحماية العاملين بالصحة الذين يكافحون التفشي حول العالم»، وأضاف: «نحن قلقون من تعرض قدرات الدول للاستجابة للخطر بسبب العرقلة المتزايدة للإمداد العالمي لمعدات الوقاية الشخصية، والتي تتسبب فيها زيادة الطلب وإساءة الاستخدام والتخزين». وذكر غيبريسوس أن «النقص يترك الأطباء والممرضين والعاملين بالصحة على غير استعداد للتعامل مع مرضى كوفيد-19».
2- صدور قرارات وزارية بتحديد أسعار الكمامات الطبية:
وهو ما ينطبق على ما جرى في الكويت، حيث أصدر وزير التجارة والصناعة، خالد الروضان، في 24 فبراير الماضي، قراراً وزارياً بتحديد أسعار بيع الكمامات الطبية، بناءً على خطاب من وزير الصحة بشأن تحديد أسعار الكمامات في القطاع الخاص، بحيث تراوح الأسعار بين 100 فلس و1.320 دينار كويتي للكمامة.
ونص القرار على «أن الأسعار المحددة هي الحد الأقصى لأسعار بيع الكمامات الطبية، ولا يسمح بتجاوزها»، محذراً من أن «كل من يخالف هذا القرار تطبق بحقه العقوبات المنصوص عليها بالقانون الكويتي، الخاص بالإشراف على الاتجار في السلع والخدمات والأعمال الحرفية وتحديد أسعارها».
3- نقاش حول نقص الكمامات وارتفاع أسعارها:
ناقشت لجنة الصحة داخل مجلس النواب المصري، منذ بداية فبراير الفائت وحتى الثلث الأول من مارس الجاري، عدداً من طلبات الإحاطة والبيانات العاجلة، بشأن خطة وزارة الصحة للتصدي لأزمة نقص الكمامات الطبية، وارتفاع أسعارها، بسبب زيادة الإقبال على شرائها، لاسيما عقب إعلان الوزارة اكتشاف أول حالة مصابة بفيروس «كورونا».
4- عودة مصانع إنتاج الكمامات للعمل:
أدى رواج سوق الكمامات إلى تزايد نسبي في عودة مصانع إنتاجها المتوقفة، سواء الحكومية أو الخاصة، في عدد من الدول بالإقليم، بعد فترة من الركود التي تعرضت لها هذه السلعة بسبب ضعف الطلب المحلي، لاسيما أنه في دول شرق أوسطية كان يجري استيراد الكمامات غالباً من الصين وماليزيا وتايلاند، إلا أنه بعد انتشار الفيروس بدأ الطلب يتزايد على المنتج المحلي، وجرى تشغيل المصانع المتوقفة إضافة إلى خطوط الإنتاج. والأكثر من ذلك، أشارت بعض وسائل الإعلام إلى أن مصنعي السيارات في لبنان بدأوا تخصيص خطوط إنتاج لصناعة كمامات صحية بأعداد كبيرة.
5- تزايد مبيعات الكمامات عبر الإنترنت:
نشرت بعض الشركات «الوهمية»، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، قصصاً لأشخاص توفوا نتيجة فيروس «كورونا» في بعض دول العالم، بهدف إثارة الفزع بين المتابعين، مع تحفيزهم على شراء كميات وفيرة من الكمامات لحماية أنفسهم من الفيروس، وهو ما رصدته بعض وسائل الإعلام الإماراتية، حيث أشارت صحيفة «الإمارات اليوم»، في 4 مارس الجاري، إلى أن «جميع الإعلانات التابعة للشركات التي تبيع الكمامات الطبية، تكون من خارج الدولة، بهدف استغلال الأزمة الصحية التي يمر بها العالم، وترهيب المجتمعات بوجود مرض قاتل، نظراً لصرامة تعامل القانون معها في ما يتعلق بنشر الشائعات أو رفع الأسعار».
6- صدور توقعات بنمو السوق العالمية لـ«الكمامات الطبية»:
هناك سوق عالمية تتشكل لتلك الكمامات من مستوردين وموزعين وأصحاب صيدليات. فعلى سبيل المثال، أشارت صحيفة «القبس» الكويتية، في 26 يناير الماضي، نقلاً عن موقع «decision» لتحليل البيانات، إلى أن السوق العالمية للكمامات الطبية ستنمو بمعدل سنوي مركب تبلغ نسبته 10%، خلال السنوات الخمس المقبلة، حيث ستصل قيمة السوق العالمية إلى 4.4 مليارات دولار عام 2024، مقابل 2.5 مليار دولار في 2019.
الكفاءة الصحية
إن انتشار فيروس «كورونا»، في بعض دول الشرق الأوسط، دفع إلى تزايد الطلب على الكمامات الطبية، إذ صار حال المواطنين العاديين يشبه حال الأطباء، الذين لا تنفصل هذه الكمامات عن وجوههم، ما يثير التساؤلات حول مدى كفاءة النظم الصحية لرصد ومكافحة انتشار المرض، لاسيما في ظل نقص أدوات ومستلزمات الحماية الشخصية الطبية، وضعف الرقابة الرسمية على التجار في وقت الأزمات، الأمر الذي يتطلب تعزيز دور مؤسسات المجتمع المدني المعنية بحماية المستهلك، و«الحق في الدواء».
الوعى بأهمية وتوقيت استخدام الكمامات
ظهرت الدعوات لضرورة الوعي بأهمية وتوقيت استخدام الكمامات. فعلى سبيل المثال، دعا رئيس شعبة المستلزمات الطبية بالغرفة التجارية بالقاهرة، محمد إسماعيل عبده، في 3 فبراير الفائت، المواطنين إلى عدم التكالب على شراء الكمامة، لكونها لا تقي خطر فيروس «كورونا»، لأن «بها ثقوباً تسمح للتنفس ما يسهل الإصابة بالفيروس»، ناصحاً بـ«الحفاظ على النظافة الشخصية والمداومة على ذلك، والبعد عن أماكن الإصابة، أهم من وضع الكمامة التي لا تقي الإصابة بالمرض، إلا بنسبة ضئيلة جداً».
كما أن بعض الدول، مثل الأردن، اعتمدت على خيارات بديلة للكمامة، مثل «الشماغ» للوقاية من «كورونا»، وهو ما أشار إليه وزير الصحة، سعد جابر، في مداخلة عبر التلفزيون الأردني، في 25 فبراير الفائت، بقوله: «إن اللجنة الوطنية والفرق الطبية تقول إن الشماغ فعّال مثله مثل الكمامة، ويغني عنها عندما يغسل ويعقم بشكل دوري»، مضيفاً: «خلينا نرجع لأصولنا ونلبس الشماغ، فهو فعّال ويمنع التقبيل وهذا شىء إيجابي».
أدى رواج سوق الكمامات إلى تزايد نسبي في عودة مصانع إنتاجها المتوقفة، سواء الحكومية أو الخاصة، في عدد من الدول بالإقليم، بعد فترة من الركود تعرضت لها هذه السلعة بسبب ضعف الطلب المحلي، لاسيما أنه في دول شرق أوسطية كان يجري استيراد الكمامات، غالباً، من الصين وماليزيا وتايلاند.