أصحاب المليارات في أميركا يتبرعون لأعمال الخير خدمة لأغراضهم
مع تزايد طوابير الملايين العاطلين عن العمل في أميركا من أجل الحصول على الطعام، أو من يخاطرون بحياتهم من أجل الحصول على الخدمات الأساسية، يقوم أصحاب المليارات الأميركيون بتقديم تبرعات كبيرة، حيث قدم رئيس شركة «أمازون» جيف بيزوس 100 مليون دولار، من أجل بنوك الطعام للفقراء، ومليارات عدة من مؤسس شركة مايكروسوفت، بيل غيتس، من أجل أبحاث لقاحات فيروس كورونا، أما مدير شركة سيارات «تسلا»، إيلون ماسك، فقد تبرع بآلاف أجهزة التنفس الاصطناعي، إضافة إلى كميات من الأقنعة، و25 مليون دولار من عائلة والتون، وشركة والمرت التابعة لها.. وتستمر قائمة المتبرعين.
ونشرت، يوم الأربعاء الماضي، مجلة فوربس التي تعنى بأصحاب المليارات، قائمة أصحاب المليارات السنوية، وقالت المجلة بسعادة إن «أصحاب المليارات في العالم، يساعدون الجهود العالمية، لمحاربة تفشي فيروس كورونا»
وأنا لا أقصد هنا عدم تشجيع العمل الخيري، ولكن معظم هذه الأعمال الخيرية تهدف إلى خدمة أغراض أصحاب المليارات. بداية نستطيع القول بأن هذه المبالغ التي يتبرع بها هؤلاء تعتبر صغيرة جداً، مقارنة بالثروات التي يمتلكونها، حيث تشكل الـ100 مليون التي تبرع بها بيزوس، على سبيل المثال، دخله لمدة 11 يوماً. وفي الحقيقة، إن العمل الخيري الذي يتم الإعلان عنه بصورة جيدة يصرف الانتباه عن كيفية قيام هؤلاء «المليارديرية» بتعريض عمالهم وموظفيهم للخطر، وبالتالي تعريض العامة أيضاً.
ومع ارتفاع معدل البيع عبر الإنترنت، تزايد معدل التوظيف على نحو كبير لدى شركة أمازون. ومع ذلك، فإن بيزوس لا يمنح موظفيه أي إجازة مرضية، إلا إذا أثبتت الفحوص إصابتهم بفيروس كورونا، وحتى عند ذلك فإنهم ربما يحصلون على أسبوعين فقط. وفي 20 مارس الماضي، أرسل أربعة من أعضاء الكونغرس الأميركي رسالة إلى بيزوس، معربين عن قلقهم من أن شركته لا تقوم بما يكفي لحماية عمال المستودعات.
وأدى ازدهار شركة والمرت العالمية إلى قيامها بتوظيف نحو 100 ألف عامل، خلال الأسابيع الثلاثة الماضية. لكن الشركة فشلت في تنفيذ نظام التباعد الاجتماعي لنحو أسبوعين، بعد نشر مراكز مراقبة الأمراض والوقاية منها دليلاً إرشادياً عن الموضوع في 16 مارس. وتوفي العديد من العمال جراء ذلك. ولايزال معظم العمال لا تتوافر لهم قفازات ولا كمامات ولا معقمات للأيدي. ولا يحصل العمال على إجازات مرضية مدفوعة الأجر، ولا حتى في متاجر الشركة، حيث أصيب الموظفون بفيروس كورونا.
أما إيلون ماسك، فقد رفض في البداية التوقف عن العمل وتحدى أوامر الشرطة، وأبقى مصنع سيارات «تسلا» مفتوحاً في فيرمونت، بولاية كاليفورنيا، حيث أبلغ الموظفين بأن المصنع هو العمل «الضروري».
والطريقة الثالثة في العمل الخيري الواضح، تتمثل في خدمة أغراض المرء عن طريق الإيحاء بأن الحكومة يجب ألا تطلب الكثير من الأثرياء، حتى في الأزمات الوطنية، وكما تقول صفحة الرأي في صحيفة «وول ستريت جورنال»، التي يمتلكها الملياردير الأميركي روبرت موردوخ، لو أن لدينا ضرائب على الثروة كما تقترح عضو الكونغرس إليزابيث وارين «فمن غير المرجح أن يكون لدى (بيل غيتس) القدرة على التصرف بهذه الجرأة»، إذ إنه إذا طبق القانون الذي تطالب به وارين، فإن غيتس سيدفع نحو ستة مليارات دولار سنوياً كضرائب، أي دخله السنوي عن ثروته البالغة 100 مليار دولار.
وإضافة إلى ذلك، فإن جميع أعمال الخير التي قدمها أصحاب المليارات مجتمعين، تمثل جزءاً صغيراً من التريليونات التي أنفقتها الحكومة على أزمة فيروس كورونا. فكيف تصدق صحيفة «وول ستريت جورنال» أننا سندفع ذلك الدين العام الإضافي، إذا لم يدفع الأثرياء منا مزيداً من الضرائب؟ وحتى بعد انتهاء كابوس فيروس كورونا، فإن معظم الأميركيين سيواجهون معاناة كبيرة من الضغوط المالية.
ولماذا يتعين علينا تصديق أن «جرأة» غيتس في التبرع، أو أي ملياردير آخر، بالضرورة يمكن أن تعكس قيم المجتمع وحاجته؟ في الحقيقة إن حكم القلة ليس كالأنظمة الديمقراطية.
وأسوأ المخاوف التي تصيب طبقة أصحاب المليارات، هو أن يؤدي رد الحكومة على الوضع الذي كانت عليه البلاد خلال أزمة كورونا، إلى شبكة ضمان اجتماعي أضخم وبصورة دائمة. وقالت «جورنال» في الافتتاحية: «بعد أن يتم القضاء على الفيروس، وحتى يتم ذلك، سيكون أكبر المخاطر هو حدوث حملة سياسية، تهدف إلى توسيع مسؤولية الحكومة عن حياة الكثير من الأميركيين».
وفي نهاية المطاف، إن الكساد العظيم، الذي وقع في ثلاثينات القرن الماضي، أدى إلى ظهور الضمان الاجتماعي والحد الأدنى للأجور، إضافة إلى قناعة راسخة مفادها أنه يتعين على الحكومة ضمان الحد الأدنى من مستوى المعيشة. وأدت الحرب العالمية الثانية إلى صدور قانون حماية حقوق المحاربين القدامى، ثم قانون تعليم الدفاع الوطني، الذي كرس دور الحكومة كممول للدراسات العليا.
وحتى البرامج التي لا تحظى بشعبية كبيرة عند بداية صدورها، مثل قانون الرعاية الصحية، فقد وسعت مفهوم الشعب الأميركي لما هو منطقي أن تقوم به الحكومة لرعاية مواطنيها. ولايزال قانون الرعاية الصحية مستمراً حتى الآن ويحظى بشعبية أكثر من أي وقت مضى، على الرغم من إصرار الحزب الجمهوري على إلغائه، وجهود الرئيس دونالد ترامب لتقويضه.
ونظراً إلى أن وباء كورونا يشكل تحدياً للأمن والسلامة بالنسبة لكل الأميركيين، يقترح بعض الساسة المحافظين أشياء لم يكن من الممكن التفكير بها أو حتى وصفها، قبل بضعة أشهر، حيث دعا عضو الكونغرس الجمهوري، غوش هولي، الحكومة الفيدرالية «لتغطية 80% من الأجور بالنسبة لجميع الأعمال والشركات في الولايات المتحدة، حسب متوسط الأجر الوطني» حتى تنتهي أزمة فيروس كورونا. وقال هولي: «سيستفيد العاملون من الأجور الثابتة، عندما يتأكدون من أن أجورهم ثابتة»، والحقيقة أن منطق هولي سيبرر بسهولة الإجازة المرضية المدفوعة الأجر على الصعيد الوطني، والدخل الأساسي الكلي بصورة دائمة. وإذا كشف هذا الوباء عن شيء إيجابي، فهو أن شبكة الضمان الاجتماعي الحالية في الولايات المتحدة، وكذلك نظام الرعاية الصحية، لا يحميان معظم الأميركيين في حالة حدوث طوارئ وطنية.
ونحن الغرباء فقط كأميركيين من بين جميع الدول المتقدمة، الذين نُخضع مواطنينا لانعدام الأمن المستمر. ونحن الغرباء، أيضاً، في امتلاكنا لطبقة من أصحاب المليارات، الذين من خلال سيطرتهم على الكثير من سياساتنا عمدوا إلى منع المقترحات التي تصب في مصلحة العامة، على الأقل حتى الآن.
روبرت ريتش: بروفيسور في السياسة العامة، جامعة كاليفورنيا، ووزير سابق للعمل في الولايات المتحدة.
- الكساد العظيم، الذي وقع في ثلاثينات القرن الماضي، أدى إلى ظهور الضمان الاجتماعي والحد الأدنى للأجور، إضافة إلى قناعة راسخة مفادها أنه يتعين على الحكومة ضمان الحد الأدنى من مستوى المعيشة. وأدت الحرب العالمية الثانية إلى صدور قانون حماية حقوق المحاربين القدامى، ثم قانون تعليم الدفاع الوطني، الذي كرس دور الحكومة كممول للدراسات العليا.
- إذا كشف هذا الوباء عن شيء إيجابي، فهو أن شبكة الضمان الاجتماعي الحالية في الولايات المتحدة، وكذلك نظام الرعاية الصحية، لا يحميان معظم الأميركيين في حالة حدوث طوارئ وطنية.