عقارات القدس لقمة سائغة لقانون «أملاك الغائبين» وتهديد الضم
قرار الضم الذي يسعى الاحتلال إلى فرضه على ثلث مساحة أراضي الضفة الغربية، والمتمثل في سلبها بالكامل، وإخضاعها لسيطرته الأمنية والإدارية، وضمها إلى المستوطنات، لا يشمل فقط حدود الضفة، بل يتمدد لنهب أراض واسعة من مدينة القدس، والاستيلاء على أملاك وعقارات تابعة للمقدسيين منذ مئات السنين.
وهذا ما كشفت عنه جمعية حركة «السلام الآن» الإسرائيلية، التي تؤكد أن الضم ستكون له انعكاسات خطرة على مدينة القدس، مشيرة إلى أن نحو ثلث المساحة المخصصة للضم، وفقاً لخطة ترامب، والبالغة مساحتها 530 ألف دونم، هي أراض فلسطينية خاصة.
وتقول حركة «السلام الآن»، في تقرير موسع لها عن تداعيات الضم، إن «الأراضي والمساحات الشاسعة التي ستصادر، سيطبق عليها قانون أملاك الغائبين الإسرائيلي، وهو ما يحرم مئات الآلاف من الفلسطينيين من ممتلكاتهم وعقاراتهم الخاصة، وسلبها للاستيطان والضم».
أملاك غائبة
وكان الاحتلال، بعد ضم الجزء الشرقي من مدينة القدس عام 1967، طبّق عليها القانون الإسرائيلي، كما شهدت أملاك وعقارات المقدسيين تطبيق قانون أملاك الغائبين، الذي يسمح للدولة العبرية بالسيطرة على الممتلكات التي كانت تعود إلى الفلسطينيين حتى عام 1948.
وخلال الأشهر الأخيرة الماضية، نقل الاحتلال ملكية عشرات المنازل والأراضي في بلدة سلوان، جنوب المسجد الأقصى المبارك، والحي الإسلامي في البلدة القديمة بالقدس للمستوطنين، بادعاء قانون أملاك الغائبين الذي ابتدعه الاحتلال، وذلك بحسب مدير مركز القدس للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، زياد حموري.
ويقول حموري لـ«الإمارات اليوم»، إن «وزارة القضاء والبناء والإسكان الإسرائيلي تشرف، بالتعاون مع ما يسمى (دائرة أراضي إسرائيل) على تمرير مخططات الاستيلاء والتهويد، مستغلة قانون أملاك الغائبين، الذي مكّن الاحتلال من وضع اليد والاستيلاء على أراضي وأملاك الفلسطينيين».
ويمضي حموري بالقول إن «حكومة الاحتلال أسهمت بتمويل مشروعات السيطرة على العقارات ببلدة القدس القديمة، التي تقدر بنحو 60 منزلاً، ونحو 100 محل تجاري، بميزانيات وصلت إلى 100 مليون دولار، فيما وكلت جمعية (صندوق ميراث حائط المبكى) الحكومية بمشروعات التهويد والاستيطان في ساحة البراق، والإشراف على الحفريات بتخوم الحرم القدسي، وتحت المسجد الأقصى المبارك».
ويشير إلى أن الاحتلال خلال السنوات الماضية عمد إلى تأجير الأوقاف والعقارات المسلوبة إلى «منظمات الهيكل»، وشركة تطوير الحي اليهودي في البلدة القديمة دون مقابل.
نقل الملكية
عائلة سمرين في بلدة سلوان، جنوب المسجد الأقصى المبارك في مدينة القدس، تعد مثالاً واضحاً على ما تعانيه مئات العائلات المقدسية التي ينهب الاحتلال أملاكها وأرضها، لنقل ملكيتها إلى المستوطنين، بزعم تطبيق قانون أملاك الغائبين الذي تفرضه إسرائيل.
وتواجه عائلة سمرين حالياً قراراً إسرائيلياً بإخلاء منزلها في بلدة سلوان، بحجة أنه يعود إلى ملكية الصندوق القومي اليهودي له.
وتعود حكاية منزل عائلة سمرين إلى أربعينات القرن الماضي، عندما بنى الجد الأكبر للعائلة، الحاج موسى سمرين، المنزل في أرضه، التي تبعد عشرات الأمتار عن المسجد الأقصى المبارك من الجهة الجنوبية، إضافة إلى دونمين من الأرض الخالية أمام المنزل، التي اهتم بزراعتها وجني ثمارها على مدار عقود.
وفي عام 1967، نزح أبناء الحاج موسى إلى الأردن، فعاش معه ابن أخيه في المنزل، واشتراه منه قبل وفاته، لتنتقل الملكية بشكل تلقائي إلى ابنه محمد سمرين، الذي تزوج وأنجب فيه سبعة من الأبناء، وذلك بحسب، أمل سمرين، زوجة صاحب المنزل المهدد بالاستيلاء التهويدي.
وتقول أمل سمرين: «طوال السنوات الماضية كانت أطماع المستوطنين تزداد للاستيلاء على منزلنا، بسبب موقعه الاستراتيجي المجاور للمسجد الأقصى المبارك، حيث يدعي الاحتلال أنه يقع ضمن ما تسمى (مدينة داوود)».
وتضيف أن «الاحتلال حوّل ملكية عقارنا إلى (حارس أملاك الغائبين)، بزعم أن أبناءه يعيشون في الأردن، وليس له ورثة في البلاد، حيث تم ذلك دون إبلاغنا، حتى أرسَل إلينا إخطاراً بإخلاء المنزل عام 1991، على الرغم من أن البيت لم يخل يوماً، ونعيش فيه منذ السبعينات، بعد أن ورثناه عن الجد موسى».
ومنذ ذلك التاريخ حتى اليوم، تخوض عائلة سمرين معركة طاحنة، دارت رحاها في أروقة المحاكم، ضد سلب منزلها بادعاء خضوعه لقانون أملاك الغائبين، ولكن الاحتلال نقل ملكية العقار من حارس أملاك الغائبين إلى «سلطة التطوير الإسرائيلية»، ثم إلى شركة «هيمونتا» التي تسعى اليوم إلى طرد سكانه الأصليين منه.
كتل استيطانية
المساحات الشاسعة في الضفة الغربية ومدينة القدس، خصوصاً الأملاك والعقارات الفلسطينية الخاصة التي تشكل ثلث الأراضي المهددة بالضم، ستقع فريسة للتوسع الاستيطاني الذي يعد الجانب الآخر لقرار الضم.
ويقول الخبير في شؤون الاستيطان، وعضو اللجنة العامة للدفاع عن أراضي الضفة الغربية، عبدالهادي حنتش، إن «الضم له انعكاسات خطرة على السكان الفلسطينيين، فالاحتلال يريد فرض القانون الإسرائيلي على الكتل الاستيطانية، ولكن هناك مدناً وقرى وتجمعات فلسطينية كبيرة في الضفة الغربية ومدينة القدس، جميعها مهددة بالسلب والضم إلى هذه الكتل».
ويلفت حنتش إلى وجود ثلاث كتل استيطانية في مدينة القدس والضفة الغربية مرشحة للضم، وهي: «غوش عتصيون»، وجميع الكتل الاستيطانية التي يضمها التجمع الواقع بين مدينتي الخليل وبيت لحم، وتجمع «معاليه أدوميم» في القدس، والكتلة الثالثة مستوطنة «أرئيل» شمال الضفة الغربية، التي تحوي حكومة مستوطنين بداخلها.
ويوضح أن الاحتلال يسلط الضوء بشكل كبير على تجمع «معاليه أدوميم» الاستيطاني في القدس، ويعتبره جزءاً لا يتجزأ من مدينة القدس، مضيفاً «لذلك يريد الاحتلال إغلاق مدينة القدس بشكل كامل، وفصلها عن جسم الضفة الغربية، لتكون جزأين، شمال وجنوب، لا يربط بينهما إلا الشارع رقم 40، الذي يبلغ عرضه 16 متراً فقط».
تخوض عائلة سمرين معركة طاحنة، تدور رحاها في أروقة المحاكم، ضد سلب منزلها المجاور للأقصى، بادعاء خضوعه لقانون «أملاك الغائبين».