بعد عقود من السيطرة والترهيب على الكونغرس
اللوبي الإسرائيلي بدأ يفقد سيطرته على الديمقراطيين
جئت إلى واشنطن قبل نحو أربعة عقود كي أدير حملة حقوق الإنسان الفلسطيني. وقمنا بإنشاء هذه الحملة من قبل عدد من المحامين وناشطي حقوق الإنسان في إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة، بعد أن سمعنا قصصاً مرعبة عن انتهاكات حقوق الإنسان بصورة يومية.
ونظراً إلى أن هذه القصص لم تكن معروفة بالنسبة للولايات المتحدة أو أنه تم تجاهلها، قمنا بإنشاء حملة حقوق الانسان الفلسطيني لتسليط الضوء على هذه الانتهاكات، ولحشد الدعم للضحايا الفلسطينيين.
غضب مجموعة الضغط
ومنذ البداية حققنا النجاح في اكتساب تأييد قادة الحقوق المدنية، وهم كبار الناشطين المناهضين للحرب على فيتنام، وقادة الكنائس من عدد من الطوائف المسيحية الرئيسة. ولكن هناك عدد قليل من أعضاء الكونغرس الذين أيدوا جهودنا، وبذلك عرّضوا أنفسهم لغضب مجموعة الضغط الداعمة لإسرائيل، والمعروفة باسم لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية (إيباك). وأبدى هؤلاء امتعاظهم من قيام مسؤولين أميركيين منتخبين، بتأييد الحقوق الفلسطينية، ولطالما عملوا على تهديد أعضاء الكونغرس المؤيدين للحق الفلسطيني، بأنهم سيهزمون في الانتخابات.
وفي عام 1979، تلقيت مكالمة من موظفة تعمل لدى أحد أعضاء الكونغرس الأميركي الذين كانوا يؤيدون بعضاً من قضايانا البارزة، وكان منتقداً صلباً للسياسة الإسرائيلية. ولطالما قام بالتصويت ضد قوانين تهدف إلى منح إسرائيل مزيدا من المساعدات، ومتحدثاً عن سجلها السيئ في حقوق الانسان. وأبلغتني الموظفة أن رئيسها التقى مع ممثلي «إيباك» وشخص آخر من السفارة الإسرائيلية، ودار بينهم نقاش ساخن، وطلبت مني زيارته في مكتبه، وزرته فعلاً ولكني لم أجده. وفي الحقيقة وعلى الرغم من أننا كنا صديقين، فانه لم يعد يتحدث معي بعد هذه الحادثة. وليس ذلك فحسب، وإنما خلال العقود التالية لوجوده في الكونغرس، لم يصوّت مطلقاً ضد القوانين التي تهدف إلى منح مزيد من المساعدات لإسرائيل، ومع الأيام أصبح من أكبر متلقي المساعدات المالية من أنصار إسرائيل.
خوف وتهديد
وبناءً عليه، بات الخوف والتهديد بالتعرض للهزيمة هما اللذان يحددان شكل موقف أعضاء الكونغرس عندما يتعلق الأمر بقضايا إسرائيل وفلسطين. وبالطبع فإن أعضاء الكونغرس الأميركي ليسوا أشجع البشر. ونتيجة للتأثير المفسد للمال في عالم السياسة والمبالغ المتزايدة التي يتم انفاقها في الحملات السياسية، يجد المسؤولون المنتخبون أنفسهم منخرطين في حملات لا تنتهي لجمع التبرعات.
وأذكر ذات يوم بأني عبّرت عن إحباطي لعضو الكونغرس السابق، دون كونيرز، من أن أعضاء الكونغرس الذين يمنحون دعمهم لإسرائيل دون مناقشة، كانوا يتصرفون بصورة تخلو من المبادئ وضد مصالح الولايات المتحدة، فضحك وقال لي منذ اليوم الأول لانتخابهم، يتمثل المبدأ الوحيد الذي يحدد سلوك أعضاء الكونغرس، برغبتهم في تجديد انتخابهم من جديد، وهم يعتقدون في أعماقهم أن «المصالح القومية للولايات المتحدة تصبح مرادفاً لإعادة انتخابهم»
وعلى الرغم من أن هناك العديد من أصحاب المبادئ في الكونغرس، إلا أن هناك كثيرين ليس لهم أهداف سوى إعادة انتخابهم. ولسان حال هؤلاء هو «لماذا أعارض المصارف وشركات التأمين، وصناعة الأدوية، والأسلحة، وإسرائيل، عندما تكون نتيجة ذلك هو خروجي من الكونغرس؟».
لا حاجة إلى إضافة مشكلة جديدة
وحتى الأعضاء أصحاب المبادئ القوية عرف عنهم بأنهم يتخذون مثل هذه القرارات. وفي ثمانينات القرن الماضي وبعد أن قامت إسرائيل بطرد اثنين من محافظي المدن الفلسطينية، ذهبت إلى الكونغرس للحصول على الدعم. وكان أول شخص التقيت به عضواً في الكونغرس معروفاً بأنه بطل حقوق الإنسان. فقلت له «أطلب مساعدتك لأني أعرف أنك مدافع دائم عن حقوق الانسان. وقد تحدثت بصوت مرتفع عن ضحايا جنوب إفريقيا، والفلبين، وأميركا اللاتينية. وأنت قائد في النضال من أجل التخلص من السلاح النووي، والحقوق المدنية هنا في الولايات المتحددة»، ولكن رده كان «إذا فعلت ما تطلبه مني، فسيتم إنفاق المال من أجل هزيمتي في الكونغرس، ولن أكون موجوداً هنا في الكونغرس، كي أدافع عن هذه القضايا التي طالما دافعت عنها»، والآن عرفت أنه كان يعرف أن ما قاله ليس صحيحاً. وكان يريد إعادة انتخابه.
أثر المال
وفي الحقيقة فإن المال الذي تنفقه «إباك» يلعب دوراً مهماً في هزيمة عضو الكونغرس واستبداله بآخر، ولكن ليس العامل الحاسم. وكانت «إيباك» قد رسخت سطوتها في ثمانينات القرن الماضي، عندما حصلت على مكافأتين عن طريق المصادفة، فقد ادعت «إيباك» انها المسؤول عن هزيمة اثنين من أعضاء الكونغرس الجمهوريين البارزين. وأدرك هذه الحادثة جيداً، اذ إنه على الرغم من أن «إيباك» ضخت الكثير من المال، لكن ذلك لم يكن هو السبب الحاسم في الخسارة، اذ إن العضو الجمهوري خسر في ذلك العام، لأنه تم نقل انتخابه من دائرة ذات أغلبية جمهورية الى أخرى تفضل الديمقراطيين. واضافة إلى ذلك، ففي العام الذي خسر فيه كانت هناك موجة ديمقراطية في الدولة، اذ إن الحزب الديمقراطي فاز بـ27 مقعداً إضافياً في الكونغرس. ولكن ذلك لم يمنع «إيباك» من التبجح بأنها هي التي أخرجته من الكونغرس، واستغلت هذا النصر، لإشاعة الخوف من جبروتها.
وعلى الرغم من الأموال التي أنفقتها «إيباك» من أجل هزيمة العضو الجمهوري، إلا أني التقيت به بعد شهر من هزيمته، وأخبرني أن السبب الحقيقي لهزيمته هو أنه للمرة الأولى يختار الناخبون السود خصمه، اذ إنهم كانوا يمنحونه أصواتهم دائماً. وفي الحقيقة فإن العديد من هؤلاء الذين يدافعون بشراسة عن إسرائيل في العلن، هم في السر من المعادين للسامية. وعلى مر السنين جمعت قائمة بأسماء أعضاء الكونغرس الذين كانوا يقولون لي وبثقة «أنا حقاً معك، ولكني خائف من معارضة (إيباك)».
جيمس زغبي مؤسس ومدير المعهد العربي الأميركي
المال الذي تنفقه «إيباك» يلعب دوراً مهماً في هزيمة عضو الكونغرس واستبداله بآخر، ولكن ليس العامل الحاسم.
الخوف والتهديد بالتعرض للهزيمة هما اللذان يحددان شكل موقف أعضاء الكونغرس عندما يتعلق الأمر بقضايا إسرائيل وفلسطين.
أسباب التغير
يمكن أن نذكر بعض أسباب ذلك التغير، والمتمثلة في غطرسة رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، الفظيعة. وحقيقة أن اللوبي الطاغي الداعم لإسرائيل في واشنطن هو اليمين المسيحي في الحزب الجمهوري، إضافة إلى الزواج الافتراضي بين نتنياهو وترامب، والانقسام العميق في الوسط اليهودي، الذي نجمت عنه ولادة مجموعات جديدة قوية تدافع عن العدالة والسلام، إضافة إلى حقيقة أن الأميركيين من أصول عربية أصبحوا الآن أكثر قوة وغير خائفين من التكلم بصوت عالٍ، وتنامى الدعم للحقوق الفلسطينية، خصوصاً بين الناخبين السود، وكذلك أيضاً بين اللاتينيين والأميركيين الآسيويين، والشبان بصورة عامة. ونتيجة لهذه العوامل مجتمعة بدأ التغيير، وأتمنى أن يحدث سريعاً.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news