الحرس الثوري مستعد للسيطرة على السلطة في إيران
هناك مقولة جديدة تنتشر في إيران، بأنه يتم، حالياً، امتصاص السلطة من الرأس إلى أصابع القدم، أي من الرجال الذين يرتدون العمامات إلى الرجال الذين يرتدون أحذية عسكرية. ويقدم البرلمان الإيراني الجديد أحدث الأدلة، فرئيسه، محمد باقر قاليباف، هو عميد سابق في الحرس الثوري. وثلثا أعضاء مجلس إدارة البرلمان، هم إما أعضاء سابقون أو لايزالون منتمين إلى الحرس الثوري الإيراني، والمنظمات المعاونة له. ولطالما توقع الكثيرون في إيران والولايات المتحدة استيلاء الحرس الثوري على الحكومة الإيرانية. وستكون الخطوة التالية نحو هذه النتيجة هي انتخاب مرشح تابع للحرس، رئيساً في عام 2021.
إيران هي دولة منقسمة، إذ تدير المؤسسات المنتخبة الشؤون اليومية للدولة في ظل سلطة المرشد الأعلى، الأكثر نفوذاً، والذي يعطي التعليمات للمنظمات الأمنية، بما في ذلك الحرس الثوري. ولأكثر من عقدين، كافح الإصلاحيون داخل المؤسسة السياسية الإيرانية، من أجل تعزيز قوة المؤسسات المنتخبة ضد سلطة الدولة الموازية. والآن، فهم يتصالحون مع فشل ذلك المشروع، ويستعدون لقادة الدولة الموازية لغزو الهيئات المنتخبة، وتعزيز السلطة لأنفسهم.
حقيقة أن حكومة إيرانية سيديرها الجيش ليست نتيجة مفروضة، لكن يبدو أنها الأكثر ترجيحاً. والإيرانيون محبطون من التوترات الحزبية والأزمات المتفاقمة. إذ استنزفت العقوبات الأميركية شريان الحياة الاقتصادي للبلاد، وانخفضت القدرة الشرائية إلى ثلثي ما كانت عليه قبل 10 سنوات.
ويبدو أن الرئيس حسن روحاني، غير القادر على الوفاء بوعوده في السياسة الداخلية أو الخارجية، قد استسلم للواقع، كما تشير إدارته الأخيرة للوباء. إذ كان متردداً، حتى فوات الأوان، في الاعتراف بأن فيروس «كورونا» يمثل تهديداً وطنياً. وأدت رسائله المتناقضة حول هذا الموضوع إلى إرباك الجمهور، بل تعرض لانتقادات من المرشد الأعلى. وبالمقارنة، يمتلك الحرس الثوري ذراعاً متينة تزداد قوة؛ لكن طبيعة مزاياه، بحد ذاتها، قد تمنعه من أن يصبح وصياً على الدولة.
محور اهتمام
أصبح الحرس الثوري محور الاهتمام الوطني والدولي منذ أواخر التسعينات، عندما تولى الإصلاحيون السياسيون مقاليد الحكومة الإيرانية المنتخبة. وبدأت وسائل إعلام إصلاحية في مراقبة وانتقاد هذه المؤسسة العسكرية. ورداً على ذلك، بدأ الحرس في بناء شركة إعلامية خاصة به، سعت للسيطرة على الخطاب العام، وعرض صورة مبالغ فيها إلى حد كبير عن نفسه. ويقدم الحرس الثوري الإيراني نفسه كعلاج للقلق القومي الإيراني، لكنه في الواقع مساهم كبير في المشكلة. وفي ظل العقوبات الأميركية، قام الحرس بتوسيع نطاق اقتصاد سري، تقوده نخبة فاسدة جديدة من «رواد الأعمال المهربين». ويمنع الحرس الثوري الحكومة من توظيف خبراء يعتبرهم غير لائقين سياسياً، كما أنه يخرج السياسات والمشروعات الحكومية عن مسارها كما يشاء. وطوال الوقت، تصدر دعاية تصر على أن السياسيين والبيروقراطيين هم المسؤولون.
ضباط محبطون
يتمتع الحرس الثوري الإيراني بالعديد من المزايا، أثناء التنافس في السلطة، لكنه ليس بالصلابة التي لا يمكن مواجهتها. وعلى الرغم من الحصة الاقتصادية الكبيرة التي يمتلكها الحرس، الآن، فلاتزال السلطة التنفيذية تحكم الاقتصاد في جميع المجالات الحيوية. وتضع الحكومة السياسة المالية والنقدية، وتتحكم في موارد النفط والغاز، وتدير خزينة الدولة. كما تهيمن الحكومة، أيضاً، على الرعاية الاجتماعية والمساعدات الإنسانية، التي يعتمد عليها الحرس الثوري، بشكل متزايد لبناء شبكات المحسوبية الخاصة به.
علاوة على ذلك، فإن هذه المؤسسة العسكرية أكثر انقساماً من الداخل، وأقل انضباطاً مما يُفترض عادة. وكانت التوترات حاضرة منذ البداية، عندما نشأت النزاعات بين القادة خلال الحرب الإيرانية - العراقية. وأصبح الضباط المحبطون الذين تركوا الحرس الثوري، خلال الثمانينات، دعاة بارزين للإصلاح السياسي. وترك البعض المؤسسة أوائل التسعينات. وغادر آخرون أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
واليوم، وثق الخبراء الفجوات بين الأجيال داخل الحرس، كما أن الجيل الشاب منقسم، أيضاً، في ما بينه. وتعكس وسائل الإعلام التابعة للحرس الثوري هذه الاختلافات. وعلى سبيل المثال، توقفت، أخيراً، منظمة «أوج للفنون والإعلام» التابعة للمؤسسة، عن تصوير الخصوم في أفلامها على أنهم أعداء قبيحون ومضحكون.
وفي الوقت نفسه، أنتج فرع إعلامي آخر تابع للحرس الثوري برنامجاً تلفزيونياً، يسمى «غاندو»، والذي برر اعتقال مراسل «واشنطن بوست»، جيسون رضايان. والتوترات بين هاتين المجموعتين الإعلاميتين الشابتين تصل، أحياناً، إلى الجمهور. وانتقدت المجموعة الثانية، في فبراير، بشدة طريقة «أوج»، في صناعة الأفلام، متهمة إياها بـ«إهدار أموال النظام وموارده، لإيذاء النظام».
ضعف الخصوم
في الوقت الحالي، قد تكون القوة السياسية الأكبر للحرس الثوري هي ضعف خصومه، فقد فاز روحاني بالانتخابات عامَيْ: 2013 و2017، على وعد بإعادة الأمل للشعب الإيراني. وتنتهي، الآن، ولايته وسط يأس واسع النطاق. واندلعت احتجاجات على مستوى البلاد عامَيْ: 2018 و2019، وسحقها الحرس الثوري. وتفتقر الإدارة، الآن، إلى الصدقية لتعبئة قاعدتها الاجتماعية ضد الحرس، في صناديق الاقتراع، أو على مستوى الشارع. ومع ذلك، رغبة الحرس الثوري في إدارة الحكومة، حقاً، تبقى سؤالاً معقداً.
والموارد السياسية والاقتصادية، التي تحتفظ بها الحكومة مغرية بالتأكيد، لكن التجربة أظهرت أن من يتولى السلطة التنفيذية، بغض النظر عن انتمائه السياسي، من المرجح أن يصبح شوكة في خاصرة الحرس؛ وحتى الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، الذي جاء بدعم كامل من الحرس، سرعان ما أصبح مارقاً.
عودة المتشددين
يتوقع، على نطاق واسع، أن تنذر الانتخابات الرئاسية الإيرانية القادمة بعودة المتشددين إلى السلطة. وفقد الإصلاحيون معظم رأسمالهم الاجتماعي ومكانتهم في إيران؛ لكن عام 2021، لن يمثل نهاية السياسة في إيران. وعلى العكس من ذلك، سيضيف فقط فصلاً جديداً إلى كتاب مفتوح النهاية. والصراع بين النخب السياسية الإيرانية موجود منذ تأسيس الجمهورية، وسيستمر في إنتاج فرص للتغيير؛ بما في ذلك التغيير الذي قد لا يروق للمعارضة، ولا للنخب الحاكمة. وقد يتوق الحرس الثوري الإيراني إلى السيطرة، لكنه قد لا يكون سعيداً بالنتيجة.
يتمتع الحرس الثوري الإيراني بالعديد من المزايا، أثناء التنافس في السلطة، لكنه ليس بالصلابة التي لا يمكن مواجهتها. وعلى الرغم من الحصة الاقتصادية الكبيرة التي يمتلكها الحرس، الآن، فلاتزال السلطة التنفيذية تحكم الاقتصاد في جميع المجالات الحيوية.
يقدم الحرس الثوري الإيراني نفسه كعلاج للقلق القومي الإيراني، لكنه في الواقع مساهم كبير في المشكلة.