رئيس الوزراء العراقي يريد السيطرة على الميليشيات المدعومة إيرانياً
عندما تم انتخاب مصطفى الكاظمي رئيساً للوزراء في العراق في السابع من مايو الماضي، كان أحد أهم تعهداته وضع جميع المجموعات المسلحة تحت سيطرة الدولة، بعد نحو عقدين من قيام لاعبين من خارج الدولة بممارسة نفوذ كبير على الحكومة.
وفي 25 يونيو اقتحمت قوات مكافحة الإرهاب مقر وحدات الحشد الشعبي في جنوب بغداد، وهي منظمة ترعاها الدولة، وتم اعتقال نحو 10 من أفراد اللواء 45 من الحشد الشعبي، وهو الأمر الذي اعتبر تحذيراً لـ«كتائب حزب الله»، وهي إحدى أضخم مجموعات الحشد الشعبي المثيرة للجدل والتي تتلقى التدريب والتمويل من إيران وتعلن ولاءها للمرشد الإيراني علي خامنئي، وهي متهمة بأنشطة خارجة عن القانون، مثل القتل والخطف وغيرهما، واعتبرتها الولايات المتحدة منظمة إرهابية في عام 2009.
هجمات متكررة
وجاء اعتقال شهر يونيو بعد هجمات متكررة على منشآت عراقية تستضيف قوات من الائتلاف الدولي، يعتقد أنها من مجموعات مرتبطة بإيران. وكانت عملية الاعتقال في يونيو غامضة، اذ تم إطلاق سراح معظم المعتقلين في 29 من الشهر ذاته.
وقال المتحدث باسم «كتائب حزب الله»، جعفر الحسيني، لـ«فورين بوليسي»، إن الذين تم اعتقالهم كانوا متهمين في تقديم دعم لوجستي للمجموعة، وهدد قائلاً إنه «ليس هناك أي قوة، سواء كانت محلية أو دولية، قادرة على نزع سلاح المقاومة»، مشيراً إلى تحالف المقاومة الممتد ما بين لبنان إلى إيران، واتهم الكاظمي بالتملق للأميركيين. وتعتبر «كتائب حزب الله» أكبر تحدّ لطموح الحكومة العراقية بإخضاع جميع المسلحين على أراضيها لسيطرة الدولة.
وتشكلت قوات الحشد الشعبي في يونيو 2014 إثر فتوى أطلقها المرجع الديني علي السيستاني، بعد سيطرة «داعش» على مدينة الموصل العراقية، وأصبحت مندمجة مع القوات الحكومية، ولعبت دوراً مهماً في استعادة مدينة الموصل. ورغم محاولة الحكومة السيطرة على هذه القوات، إلا أن بعضها على الأقل لايزال يعمل خارج سيطرة الدولة.
ومنحت الدولة هذه المجموعة بعض الامتيازات، مثل الحصول على رواتب حكومية وتقاعد، بهدف استمالة المعتدلين منهم إلى صفوفها. وثمة إشارات أخرى توضح أن حكومة الكاظمي تعمل على تقويض نفوذ الفصائل الفردية للحشد الشعبي، والتي تواصل العمل بصورة مستقلة. وذكرت وزارة الخارجية، في مايو، أن أربعاً من مجموعات الحشد الشعبي الموجودة في العراق، سيتم وضعها تحت تصرف رئيس الحكومة مباشرة، بهدف تشجيع البقية على الابتعاد عن النفوذ الإيراني و«كتائب حزب الله».
منع الموارد
وتحاول حكومة الكاظمي منع وصول الموارد إلى هذه المجموعات المسلحة. ولطالما كان التهريب مصدراً مربحاً للدخل لكل من يسيطر على الممرات غير الرسمية بين العراق وسورية، وإيران، كما أن الحدود الغربية للعراق يسيطر عليها لاعبون غير رسميين منذ اندحار تنظيم «داعش» هناك عام 2017.
وفي 11 يوليو زار الكاظمي الحدود العراقية مع إيران في حملة كانت تهدف الى محاربة الفساد، بهدف جمع الرسوم الجمركية. وقال إنه «يهدف من الحملة الى حماية الحدود، ومنع الأشباح من ابتزاز العراقيين»، مشيراً إلى «كتائب حزب الله». وبعد مرور بضعة أيام، أعلنت قيادة القوات المشتركة أنها ستسيّر دوريات لحماية حدودها مع إيران، إضافة إلى الحدود مع الكويت.
وبخلاف سلفه من رؤساء الحكومات، يحظى الكاظمي بدعم سياسي كبير. وأعلن رجل الدين الشيعي عمار الحكيم تشكيل ائتلاف يتضمن 40 عضواً من البرلمان لدعم رئيس الحكومة، الذي يقود أكبر كتلة برلمانية. ويترأس الحكيم حركة الحكمة الوطنية، وهي ائتلاف سياسي إسلامي، كما قاد المجلس الإسلامي الأعلى صاحب النفوذ الكبير في الفترة ما بين 2009 الى 2017.
وعلى الرغم من أنه دعم سلف الكاظمي، وهو عادل عبدالمهدي، إلا أن عمار الحكيم انقلب عليه في العام الماضي، ودعا إلى احتجاجات ضد الحكومة في أكثر من منطقة في العراق في يوليو 2019.
دعم كبير
ويحظى الكاظمي بدعم الكثير من الشعب العراقي، ويمكن أن يستخدم هذا الدعم ضد خصومه. ومنذ تسلمه السلطة في مايو الماضي، عمل الكاظمي على تحسين وتعزيز صورة حكومته في أعين العامة. وأعاد تعيين قائد قوات مكافحة الإرهاب عبدالوهاب الساعدي، الذي يحظى هو الآخر بالشعبية، والذي أدى إبعاده عن منصبه، إلى اندلاع احتجاجات ضد الحكومة في نهاية عام 2019، ودفع الدولة نحو أزمة. وساعدته هذه الخطوة لوحدها على استعادة الثقة بين أفراد الجيش أنفسهم، ومع الشعب بصورة عامة. واضافة إلى ذلك يعتقد الكثير من العراقيين أن الميليشيات تمثل تهديداً للسلم والاستقرار، كما أن جهود الكاظمي لجلبها تحت عباءة الدولة ينسجم مع مطلب الكثير من العراقيين العاديين.
ولكن هذه الميليشيات لن تتخلى عن دورها بسهولة، وكان قائد «عصائب أهل الحق»، قيس الخزعلي، وهي من مجموعات الحشد الشعبي، قد بث بياناً متلفزاً رداً على اعتقال «كتائب حزب الله»، محذراً الكاظمي من التورط في قضايا أكثر من مجرد تحضير الدولة من أجل انتخابات مبكرة، ومعالجة القضايا الاقتصادية والصحية التي يعانيها العراقيون الآن.
وقف الهجمات
وشدد الخزعلي على أن الكاظمي لن يكون قادراً على وقف الهجمات التي تقوم بها «فصائل المقاومة» على القوات الأميركية في العراق. وقال علناً إن الحكومات السابقة «تجاهلت هذا الموضوع لأنهم كانوا يدركون أنهم لا يستطيعون البت به مطلقاً». وتواجه المجموعة المسلحة التي يقودها الخزعلي تهماً بالتورط في قتل المتظاهرين والناشطين خلال التظاهرات الأخيرة ضد الحكومة.
وعلى الصعيد السياسي فإن وقوف الحكيم إلى جانب الكاظمي يعتبر تطوراً مهماً، ولكن هذا الأخير سيحتاج إلى البحث عن مزيد من الحلفاء. وعلى الرغم من أن «تحالف الفتح»، وهي الكتلة البرلمانية التي تمثل الحشد الشعبي، منحت دعمها للحكومة، إلا أن قائدها هادي العامري أوضح أنه قدم دعمه بصورة مشروطة، على أساس إجراء انتخابات مبكرة وإخراج القوات الأميركية من العراق. وحذر أيضاً من أن دعمه يمكن أن يتم سحبه في أي لحظة. وعلى الرغم من وجود المزيد من الشخصيات السياسية التي ترغب في رؤية العراق أكثر استقراراً، وأنها ترغب في العمل مع الكاظمي، إلا أنه لايزال هناك الكثيرون الذين يفضلون الحفاظ على المجموعات المسلحة خارج سيطرة الدولة.
ويبدو أن الكاظمي يمشي على حبل مشدود، ويتعين عليه الموازنة بين آراء العامة والجيش والسياسيين الآخرين، وبالطبع إيران أيضاً، من أجل تعزيز شرعية الدولة العراقية وسلطتها. ولن يكون ذلك بالأمر السهل، لكن مكانة الكاظمي في الدولة، إضافة إلى جهوده حتى الآن، تشير إلى أنه في وضع أفضل من أسلافه، لتمكين الدولة من محاربة العنف في العراق.
شيلي كيتيلسون صحافية أميركية مستقلة تركز على الشرق الأوسط وأفغانستان.
يحظى الكاظمي بدعم الكثير من الشعب العراقي، ويمكن أن يستخدم هذا الدعم ضد خصومه. ومنذ تسلمه السلطة في مايو الماضي، عمل الكاظمي على تحسين وتعزيز صورة حكومته في أعين العامة.
تحاول حكومة الكاظمي منع وصول الموارد إلى المجموعات المسلحة. ولطالما كان التهريب مصدراً مربحاً للدخل لكل من يسيطر على الممرات غير الرسمية بين العراق وسورية، وإيران، كما أن الحدود الغربية للعراق يسيطر عليها لاعبون غير رسميين منذ اندحار تنظيم «داعش» هناك عام 2017.