الزعيم الكوري الشمالي «يتواضع» ويأمر بعدم تصويره وعائلته كأسطورة
لعقود من الزمان، صوّر أفراد العائلة الحاكمة في كوريا الشمالية أنفسهم على أنهم أشباه آلهة، لا يخطئون أبداً، أما الآن، في الوقت الذي تواجه البلاد بعضاً من أصعب التحديات منذ سنوات على جبهات عدة، يتخذ الزعيم كيم جونغ أون نهجاً مختلفاً، ويُؤكد أنه غير معصوم لأنه بشر، ومع مواجهة البلد لوباء الفيروس التاجي، وأضرار الفيضانات، والعقوبات الاقتصادية، يعتذر كيم ويعترف بأخطاء وزلات سياسية، ويزور مناطق الكوارث، وطبقاً لوسائل الإعلام الحكومية، فقد أمر المسؤولين بالكف عن «تصوير عائلته كأسطورة» لأن ذلك قد «يخفي الحقيقة».
كان خروج كيم عن التقاليد واضحاً، الأسبوع الماضي، عندما اعتذر سريعاً عن قتل كوريا الشمالية لموظف مدني كوري جنوبي، بعد يوم واحد فقط من مطالبة المسؤولين في سيؤول بالرد، ونادرا ما كانت بيونغ يانغ ترد بمثل هذه المباشرة أو السرعة، ويقول خبراء أمنيون إن التعبيرات الصريحة عن مثل هذه التنازلات ليست علامة ضعف، بل إشارة إلى أن كيم يرى نفسه يعمل من موقع قوة، حيث يجلس على قمة ترسانة نووية يزعم أنها يمكن أن تضرب البر الرئيس للولايات المتحدة، كما يشيرون إلى أن نظام كيم لن يكون في عجلة من أمره لإحياء المحادثات النووية مع الولايات المتحدة للفوز بالإغاثة الاقتصادية.
زينة
ويتساءل الخبير في القيادة الكورية الشمالية الزميل غير المقيم في مركز ستيمسون بواشنطن، مايكل مادن: «هل كل ذلك مجرد زينة للنافذة السياسية؟»، ويجيب عن هذا التساؤل بعبارة «نعم»، ويسترسل في التساؤل «هل هي ديمقراطية على غرار كوريا الجنوبية؟» ويخلص الى القول: «لا، لكن يحاول كيم جونغ أون تطبيع الأوضاع في كوريا الشمالية بقدر ما يستطيع».
اختبأت كوريا الشمالية في جزء كبير من تاريخها وراء قداسة عائلة كيم، وتعاملت مع الأزمات الداخلية بشكل مختلف تماماً، يقول رئيس المعهد الكوري للوحدة الوطنية، كوه يو هوان، وهو مركز أبحاث حكومي كوري جنوبي، إن القادة عملوا وفقاً لمبدأ «عدم الخطأ»، ويضيف: «ولأنهم يعتقدون انفسهم آلهة، فقد صوروا أنفسهم بأنهم من المستحيل أن يرتكبوا أخطاء».
وزعمت الدعاية الحكومية أن مؤسس الدولة وجد كيم، كيم إيل سونغ، كان يحلق في الخيال ويحول أكواز الصنوبر إلى رصاص وقنابل يدوية أثناء قتاله لليابان في الحرب العالمية الثانية، وكانت قاعدة عملياته ضد القوات اليابانية هي جبل بايكتو، الذي تم استخدامه لتأليهه، مع الإشارة إلى أحفاده باسم «سلالة بايكتو»، وتزعم الدعاية الكورية الشمالية أن النجوم الساطعة ملأت السماء عندما ولد ابنه كيم جونغ إيل على جبل بايكتو.
خلال السبعينات، كانت كوريا الشمالية أكثر ازدهاراً اقتصادياً من كوريا الجنوبية، ما سمح لكيم إيل سونغ ببعض الاستقرار، لكن الدعاية نادراً ما كانت تظهر صوراً للاضطرابات الاقتصادية اللاحقة في كوريا الشمالية، إن وجدت، عندما كان النظام يتأرجح على وشك الانهيار في أوائل التسعينات، بالقرب من نهاية حكمه، وزعمت الدعاية أن كيم إيل سونغ يمكنه التحكم في الطقس، لكن هناك القليل من الأدلة على أنه كان قادراً على فعل الكثير لتحسين الوضع في البلاد من خلال سياساته.
شواء البطاطا
ولا يوجد سجل يُظهر أن ابنه، كيم جونغ إيل، يقوم بجولة في المناطق التي تضررت بشدة من الفيضانات والمجاعة، بعد أن تولى السلطة في عام 1994، ولم تقدم وسائل الإعلام الحكومية الكورية الشمالية تقارير كاملة عن الأزمات، وبدلاً من ذلك قامت بنشر صور لكيم جونغ إيل وهو يشوي البطاطا مع رفاقه على نار المعسكر.
وفي مواجهة الصعوبات الاقتصادية، تجنب كيم جونغ إيل انهيار النظام من خلال التفاوض للحصول على مساعدات اقتصادية من الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، مقابل وعده بنزع السلاح النووي، على الرغم من أن بيونغ يانغ استمرت سراً في تخصيب اليورانيوم وبيع الأسلحة إلى الشرق الأوسط.
وفي سنواته الأولى في السلطة، انغمس كيم جونغ أون في صناعة الأساطير العائلية، وزعمت الكتب المدرسية في كوريا الشمالية أنه استطاع قيادة سيارة في سن الثالثة، وفاز بسباق لليخوت في التاسعة، لكن بأوامر من كيم اعترفت صحيفة «رودونغ سينمون» الرئيسية بكوريا الشمالية، في مايو، أن كيم لا يملك القوة للارتفاع، وفي الشهر نفسه جادلت الصحيفة في افتتاحيتها بأن الدعاية الآن يجب أن تكون أكثر واقعية.
وقام كيم بإجراء تغييرات على الطريقة التي يتم بها تصوير الأسرة، في الوقت الذي أصبحت المعلومات متاحة لجميع شعوب العالم، وبعد أن أصبح استخدام الهواتف المحمولة والتهريب عبر الحدود أمرين شائعين، ويتواصل العديد من الكوريين الشماليين سراً مع العائلات التي فرت إلى الجنوب.
وفي غضون ذلك، وضع الزعيم الكوري الشمالي نفسه في موقف مختلف عن أسلافه، فقد التقى بالرئيس الأميركي، دونالد ترامب، ثلاث مرات، وبحسب زعمه، أكملت كوريا الشمالية برنامجها النووي منذ أكثر من عامين، إنها نقطة يذكرها كثيراً، بما في ذلك خطاب ألقاه في يوليو، ويقول كيم: «بفضل الردع النووي الموثوق به والفعال للدفاع عن النفس، لم تعد كلمة حرب موجودة على هذه الأرض، وسيضمن ذلك أمن ومستقبل دولتنا إلى الأبد».
شيء واحد مؤكد
يقول مسؤول الأمن القومي الكوري الجنوبي السابق، تشون سيونغ وون، معلقاً: «شيء واحد مؤكد، فقد توقفت كوريا الشمالية في عهد كيم جونغ أون عن تصوير زعيمها على أنه إله، وأنه يستطيع أن يتسامح في ذلك»، وخلال زيارته للمناطق المتضررة من الفيضانات، في أغسطس، أخبر كيم شعبه بأن خطط النمو الاقتصادي قد واجهت «انحرافات وأوجه قصور غير متوقعة»، واعداً بخطة خمسية جديدة بحلول أوائل العام المقبل. ويقول مراقبو كوريا الشمالية إن كيم يحاول على ما يبدو تصوير نفسه على أنه زعيم وثيق الصلة بالمواطنين العاديين، كما أنه جزء من عجلة الدفع الأكبر، لبناء حكومة تعتمد بشكل أقل على مفاهيم الألوهية المزعومة لعائلة كيم. ومنذ توليه السلطة في عام 2011، أعاد كيم تجمعات الهيئات الحاكمة في البلاد، التي تم تعليقها إلى حد كبير في عهد والده، وفي الآونة الأخيرة فوّض سياسات وقطاعات محددة للمستشارين، من بينهم أخته الصغرى، كيم يو جونغ، كوسيلة لتقاسم المسؤوليات، كما يعتقد خبراء كوريا الشمالية.
اختبأت كوريا الشمالية، في جزء كبير من تاريخها، وراء قداسة عائلة «كيم»، وتعاملت مع الأزمات الداخلية بشكل مختلف تماماً.
أجرى «كيم» تغييرات على الطريقة التي يتم بها تصوير الأسرة في الوقت، الذي أصبحت المعلومات متاحة لجميع شعوب العالم، وبعد أن أصبح استخدام الهواتف المحمولة والتهريب عبر الحدود أمرين شائعين، ويتواصل العديد من الكوريين الشماليين سراً مع العائلات التي فرت إلى الجنوب.
خلال سنواته الأولى في السلطة، انغمس كيم جونغ أون في صناعة الأساطير العائلية، وزعمت الكتب المدرسية في كوريا الشمالية أنه استطاع قيادة سيارة في سن الثالثة، وفاز بسباق لليخوت في التاسعة.