محددات توقع الفائز في الانتخابات الرئاسية الأميركية 2020
تمثل الحملات الانتخابية الرئاسية في الولايات المتحدة الأميركية - بما تشمله من دعاية انتخابية - عاملاً رئيساً في العملية الانتخابية، وتعد آلية مهمة لعرض أفكار المرشحين وبرامجهم، بهدف دفع الناخبين لتأييدهم واختيارهم، ولكن هل تعتبر الحملات الانتخابية وحدها كافية لاختيار مرشح دون آخر؟
هذا ما طرحه المحلل السياسي والمؤرخ ألان ليختمان في كتابه «توقع الرئيس القادم.. مفاتيح البيت الأبيض»، الذي انتقد خلاله التركيز على الحملات الانتخابية، والخطب الدعائية، ودعا إلى التركيز على القضايا الجوهرية والأداء الفعلي للأحزاب، وقدَّم في هذا الإطار 13 عاملاً تاريخياً، أو «مفاتيح» لقياس أداء الأحزاب، وتحديد نتيجة الانتخابات الرئاسية.
محاولات إصلاح العملية الانتخابية
أقر الكونغرس بأهمية حماية نزاهة الديمقراطية الأميركية، وأصدر قانون مساعدة أميركا على التصويت لعام 2002 (Help America Vote Act)، الذي أنشأ لجنة جديدة لمساعدة الولايات على إصلاح أنظمتها الانتخابية. ويؤكد ليختمان أن عمل اللجنة سيستمر سنوات عدة، لاسيما بالنظر إلى محدودية التمويل المتاح، والنظام الانتخابي اللامركزي في الولايات المتحدة؛ حيث تختلف الإجراءات عبر مختلف الولايات، وبين المقاطعات داخل الولايات.
وفي عام 2005 شكل الرئيس السابق جيمي كارتر والجمهوري جيمس بيكر لجنة مستقلة للإصلاح الانتخابي، تم تنظيمها تحت رعاية مركز الديمقراطية وإدارة الانتخابات بالجامعة الأميركية، وأكد كارتر على أهمية تحديد نظام انتخابي للقرن الحادي والعشرين يستعيد ثقة وفخر الأميركيين مرة أخرى بوطنهم. ويوضح ليختمان أن هذا التركيز المتجدد على العملية الديمقراطية الأميركية يسلط الضوء على أهمية فهم العملية الانتخابية، ليس فقط من الناحية الفنية والإجرائية، ولكن الأهم هو فهم أفكار المرشحين الرئاسيين وأحزابهم، فالديمقراطية الحقيقية تتطلب ليس فقط توافر أنظمة عادلة ودقيقة للتصويت، لكنها تتطلب أيضاً استكشافاً صريحاً وواسع النطاق للقضايا التي تحيط بالمشهد الانتخابي.
ومع ذلك، يتعرض الأميركيون كل أربع سنوات لحملات انتخابية وصفها ليختمان بأنها سطحية ومتشابهة؛ لأن وسائل الإعلام والمرشحين والقائمين على استطلاعات الرأي والمستشارين متواطئون على فكرة واحدة، هي أن الانتخابات ليست سوى مناورات سياسية يتم من خلالها التلاعب بالناخبين، ما يتسبب في إنتاج حملات انتخابية سلبية، ومناقشات سطحية لا معنى لها، مؤكداً أن إصلاح السياسات الأميركية لن يتحقق حتى يدرك الأميركيون وصانعو القرار أن الانتخابات الرئاسية تدور حول مدى جودة الحكم والإدارة، وليس حول أداء المرشحين في الحملات الانتخابية، ويتطلب ذلك أن يتخلى الطامحون إلى الرئاسة عن وسائل الدعاية الهجومية، ويسعوا بدلاً من ذلك للتعبير بوضوح عما يجب على الأميركيين إنجازه خلال السنوات الأربع المقبلة في فترة الحكم.
13 مفتاحاً للبيت الأبيض
يرى ليختمان أن دراسة التاريخ تُظهر أن الناخبين الأميركيين البراغماتيين يختارون الرئيس وفقاً لأداء الحزب الذي يتولى إدارة البيت الأبيض، والأحداث السياسية، والأوضاع الاقتصادية، ونجاحات السياسة الخارجية وإخفاقاتها، والاضطرابات الاجتماعية، والفضائح، والسياسات المبتكرة، فإذا كان الأداء العام جيداً خلال فترة الحزب الحاكم؛ يفوز بأربع سنوات أخرى، أما إذا لم يتمكن من تحقيق الأداء المنشود فيفوز الحزب المنافس.
تستند هذه الرؤية إلى ما أطلق عليه ليختمان «مفاتيح البيت الأبيض»، وهو نظام توقع مكون من 13 مفتاحاً، طرحه للمرة الأولى عام 1981، ويُظهر النظام أنه من الممكن توقع نتائج الانتخابات الرئاسية من المؤشرات التي تتابع بشكل أساسي أداء الحزب الحاكم للبيت الأبيض، وتتمثل هذه المفاتيح في ما يلي:
1- تفويض الحزب القائم: أن يشغل الحزب الحاكم مقاعد بالكونغرس بعد انتخابات التجديد النصفي أكثر مما كان عليه بعد انتخابات التجديد النصفي السابقة.
2- سباق الترشح: عدم وجود منافسة حقيقية أمام الحزب الحاكم.
3- شَغْل المنصب: أن يكون مرشح الحزب الحالي هو الرئيس الحالي.
4- منافس ثالث: عدم وجود حملة انتخابية لحزب ثالث أو مستقل يتمتع بثقل أو أهمية.
5- الوضع الاقتصادي على المدى القصير: ألا يعاني الاقتصاد حالة ركود خلال الحملة الانتخابية.
6- الوضع الاقتصادي على المدى البعيد: أن يكون النمو الاقتصادي السنوي الحقيقي للفرد خلال فترة الحكم مساوياً - أو يتجاوز - متوسط النمو خلال الفترتين السابقتين.
7- تغيير السياسة: أن يكون للإدارة القائمة تأثير على التغيرات في السياسة الوطنية.
8- الاضطرابات الاجتماعية: عدم وجود اضطرابات اجتماعية مستمرة خلال فترة الحكم.
9- الفضيحة: الإدارة الحالية غير ملوثة بالفضائح.
10- الفشل الأجنبي أو العسكري: ألا تعاني الإدارة الحاكمة فشلاً في الشؤون الخارجية أو العسكرية.
11 - النجاح الخارجي أو العسكري: أن تتمكن الإدارة القائمة من تحقيق نجاح كبير في الشؤون الخارجية أو العسكرية.
12- الكاريزما: أن يتمتع مرشح الحزب الحاكم بشخصية كاريزمية أو يظهر في صورة بطل قومي.
13- كاريزما المنافس: ألا يتمتع مرشح الحزب المنافس بشخصية كاريزمية.
ويوضح ليختمان أن هذه المفاتيح تعد شروطاً أو معايير لقياس الأداء، وفي هذا الإطار تقيس المفاتيح الأربعة الأولى (المفاتيح السياسية) بشكل أساسي قوة ووحدة الحزب الحاكم، بينما تقيس المفاتيح من 5 إلى 11 (مفاتيح الأداء السبعة) إنجازات الحزب وإخفاقاته عبر مجموعة واسعة من الاهتمامات، ويشير المفتاحان الأخيران (مفتاحا الكاريزما) إلى أن الشخصية تُحدث فرقاً في السياسة الرئاسية، لكن الاختلاف مهم فقط عندما يكون المرشح إما مقنعاً بشكل غير عادي أو يتمتع بمكانة بطولية.
ويضيف ليختمان أنه في حالة عدم تحقق خمسة معايير أو أقل، يفوز الحزب الحاكم، أما في حالة عدم تحقق ستة أو أكثر يخسر الحزب القائم، وعلى عكس العديد من النماذج التي طورها علماء السياسة، لا تتضمن المفاتيح أية بيانات استطلاعية، لكنها تستند إلى الصورة الكبيرة الخاصة بأداء الحزب الحاكم والدولة قبل الانتخابات، بالإضافة إلى ذلك لا تفترض المفاتيح أن آراء الناخبين مدفوعة بالمخاوف الاقتصادية وحدها، بل بناءً على تقييم واسع النطاق لأداء الأحزاب.
توقع نتائج الانتخابات
أكد ليختمان أن المفاتيح تمثل تطبيقاً زمنياً ناجحاً لنتائج كل انتخابات رئاسية جرت منذ عام 1860 حتى عام 1980 بأثر رجعي، وهي فترة أطول بكثير من أي نظام توقع آخر، ومن الناحية المستقبلية، توقعت المفاتيح في وقت مبكر الفائزين في كل انتخابات رئاسية من عام 1984 حتى عام 2016؛ حيث يؤكد الكتاب أنه في عام 1992 فقد جورج بوش الأب فرصته في ولاية ثانية - كما توقعت المفاتيح - بسبب الاقتصاد المتعثِّر، والافتقار إلى الإنجازات المحلية، كما توقعت المفاتيح في أبريل 2003 إعادة انتخاب الرئيس جورج دبليو بوش عام 2004، أي قبل عام ونصف من الانتخابات، مع عدم وجود منافس له في حزبه، أو منافسة جادة من طرف ثالث، كما كان سِجلُّه المختلط من الإنجازات في الداخل والخارج كافياً لتوقُّع فوزه في عام 2004.
كذلك أشارت المفاتيح في توقعات نُشرت في بداية عام 2010 إلى احتفاظ الديمقراطيين بمؤشرات إيجابية كافية لتأمين إعادة انتخاب الرئيس باراك أوباما في الانتخابات الرئاسية لعام 2012، وذلك على الرغم من التعافي البطيء من واحدة من أسوأ الكوارث الاقتصادية في الولايات المتحدة، وانخفاض معدلات التأييد الرئاسي، ولذلك شكَّلت التوقعات مفاجأة وتحدياً كبيراً، وقد توقع الكاتب فوز دونالد ترامب بالبيت الأبيض عام 2016 قبل أسابيع من تلك الانتخابات.
ويؤكد ليختمان أن نظام المفاتيح يطرح توقعاته الخاصة بالتصويت الشعبي الوطني فقط، وليس التصويت داخل الولايات الفردية، مشيراً إلى أنه في ثلاثة انتخابات منذ عام 1860 كان هناك فارق كبير بين نتائج التصويت الشعبي مقارنة بنتائج المجمع الانتخابي، ورغم ذلك اتسمت النتائج الخاصة بتحديد الفائزين في الانتخابات وفقاً لنظام المفاتيح بالدقة، لكن يرى بعض المحللين أنه ربما تطرأ تغيرات مستقبلاً؛ نظراً للانقسام الحاد في أميركا بين «الولايات الحمراء» الجمهورية و«الولايات الزرقاء» الديمقراطية.
الدروس المستفادة من المفاتيح
على الرغم من أن نظام المفاتيح، الذي تم تطويره للانتخابات الأميركية، لا يمكن تطبيقه على الأنظمة السياسية الأخرى، فإن الدروس المستفادة منه لها آثار عالمية؛ حيث تسهم في نشر الديمقراطية، وتشير التجربة الانتخابية في الولايات المتحدة - كما تم قياسها من خلال المفاتيح - إلى أن القادة الذين يكتسبون السلطة في المجتمعات الديمقراطية يكون تركيزهم الأساسي على جودة الحكم، وليس الدعاية السياسية.
ويؤكد ليختمان أنه مع انتشار الديمقراطية في جميع أنحاء العالم في القرن الحادي والعشرين، ينبغي لقادة العالم أن ينتبهوا إلى أن أولئك الذين يخدمون شعوبهم بشكل جيد سينجحون في انتخابات حرة ونزيهة، مقابل فشل آخرين، بغض النظر عن مدى براعة مستشاريهم أو حملاتهم الانتخابية، حيث أظهرت المفاتيح أن ما يهم في الانتخابات الرئاسية هو الحُكم الفعال، كما يتم قياسه من خلال الأحداث اللاحقة لفترة الرئاسة من خلال التركيز على جوهر القضايا، وليس الحملات الدعائية؛ لأن الجمهور لا ينخدع، وبالتالي فالجهود المبذولة للتلاعب من خلال وسائل الإعلام لا تتسبب إلا في إهدار الوقت والجهد والموارد.
وعما إذا كان مجرد معرفة المفاتيح يفتح الباب أمام إمكانية محاولة التلاعب بها، يؤكد ليختمان أن الإدارات الأميركية تبذل ما في وسعها لتحفيز الاقتصاد في عام الانتخابات، وتحقيق إنجازات داخلية وخارجية، لكن يتم الحكم على الحزب الحاكم وفقاً لنجاحاته وإخفاقاته الحقيقية، وهو سجل لا يمكن تصنيعه أو تزويره من قِبل أي طرف.
ويؤكد ليختمان أهمية تطوير الحزب الحاكم لجداول أعمال للمستقبل، بحيث يكون تركيزه الأساسي على الاستمرار في الحكم بأكبر قدر ممكن من الفاعلية من أجل منع الإطاحة بأي مفاتيح إضافية، وهذا لا يعني تبني استراتيجية دفاعية، بل يعني أن تُواصل الإدارة أسلوب الحكم الذي يضعها في المقدمة، وأن تكون مستعدة للتعامل مع التحديات فور ظهورها.
توقعت المفاتيح في وقت مبكر الفائزين في كل انتخابات رئاسية من عام 1984 حتى عام 2016.
المفاتيح تمثل تطبيقاً زمنياً ناجحاً لنتائج كل انتخابات رئاسية جرت منذ عام 1860 حتى عام 1980 بأثر رجعي، وهي فترة أطول بكثير من أي نظام توقع آخر.