الطبقة العاملة ساعدت بايدن على تحقيق انتصاره
بعد انقشاع غبار الانتخابات الأميركية، التقى النقاد والنشطاء السياسيون والمقربون من الأحزاب ليرووا ما حدث في انتخابات 2020. وسيركزون كل الاهتمام على الناخبين الذين اعتبرت مواقفهم واضحة تماماً بالنسبة للرئيس السابق دونالد ترامب، والرئيس المنتخب جو بايدن، وهم سكان الضواحي من البيض الأثرياء، لكن هذه ليست القصة الحقيقية لهذه الانتخابات.
وعلى الرغم من أن استطلاعات الرأي بعد الانتخاب لم ينته إعدادها بعد، إلا أنها تظهر أن الطبقة العاملة، وهي العائلات من السود والبيض التي يقل دخلها عن 100 ألف دولار، إضافة إلى معظم الشبان، هم الذين حققوا لبايدن هذا النصر. وفي الحقيقة هم لم يصوتوا لبايدن بأرقام كبيرة جداً، وإنما كانوا يدقون على الأبواب، طالبين من الأميركيين التصويت لبايدن، كما أنهم كانوا يتصلون بالآخرين للسبب ذاته، وينفذون أصعب الأعمال الديمقراطية في زمن الجائحة. وهؤلاء الناخبون يمثلون قلب ومستقبل الحركة التقدمية الكبيرة داخل الحزب الديمقراطي وخارجه، وينبغي على الرئيس المنتخب بايدن ونائبته، كامالا هاريس، أن يركزا اهتمامهما عليهم.
كارثة للفقراء
وفي الحقيقة فإن ترامب كان بمثابة الكارثة الحقيقية للفقراء والطبقة العاملة، وبناء عليه لجأوا إلى الانتخابات كأداة للانتقام، فقد ظُلموا من قبل حكومة القلة الأميركية التي قادها ترامب، وعانوا أسوأ معاناة نتيجة عدم اتخاذ هذه الحكومة الخطوات المناسبة إزاء جائحة «كورونا»، وتعرضوا للخطابات العنصرية، وعنف المتطرفين البيض، وبناء عليه فقد أصبحوا كارهين لترامب.
لكن نتيجة الانتخابات تنطوي على تحذير لبايدن، ففي خضم هذه الأزمات الوطنية المتداخلة، تمتلك إدارته نافذة مهمة للتواصل من خلالها مع الطبقة العاملة، والشبان الذين ساعدوا على فوزه في الانتخابات، لكن إذا فشل في تقديم مقتضيات المرحلة، أي إذا اختار إبقاء الوضع كما هو، الذي تميز بسيطرة الشركات الكبرى وغياب كبير للمساواة، فإنه لن يكون بمثابة ترامب الثاني، وإنما سيكون أشد سوءاً بكثير منه.
ونستطيع الآن رؤية بعض الملامح من خلال الناخبين الملونين، الذين كان الحزب الديمقراطي يعتبر انحيازهم إلى جانبه من المسلّمات، إلا أنهم أيدوا ترامب في انتخابات 2016، وعلى الرغم من أنهم حملوا بايدن إلى السلطة بهامش 46 نقطة، إلا أن الدرس الذي يجب تعلمه بوضوح هو «الحزب الديمقراطي يرتكب مخاطرة بتجاهله لقاعدته الانتخابية».
وفي نهاية المطاف، فقد كانت منظمات الطبقة العاملة، التي أجرت ملايين المحادثات مع الناخبين هذا العام، هي التي حققت الفرق في الانتخابات، ولم يكن الناشطون السياسيون، ولا حركة «لينكولن بروجكت» المناهضة لترامب، ولا حزب الطريق الثالث، الذين طرقوا الأبواب وتحدثوا مع الناخبين واستمعوا إلى مخاوفهم، فقد تم تسريح أعضاء نقابيين من فينكس الجنوبية، وهي منطقة في ولاية أريزونا، وآخرين من أصول إفريقية من مدينة كينوشا في ولاية ويسكونسن، وفي الحقيقة ليس هناك من يريد أن يسمح لليمين المتشدد في الحزب الديمقراطي أن يدعي أنه مخوّل بممارسة سياسة الوضع الراهن.
نداءات عنصرية
وينطبق ذلك على الديمقراطيين في وول ستريت، إضافة إلى الجمهوريين الرافضين لانتخاب ترامب، وهؤلاء بصورة خاصة أمضوا عقوداً عدة يستخدمون نداءات عنصرية، ويؤججون ثقافة الحروب، ويرمون بالفتات إلى قاعدتهم الانتخابية. ونشعر بالسعادة الآن لأن هؤلاء تقبلوا، أخيراً، حقيقة أن مرشح الحزب الجمهوري غير ملائم، لكن ذلك لا يعني أننا سندعوهم لأن يكونوا في موقع القيادة، إذ إن من سيقودون بلدنا إلى المستقبل هم الأشخاص الذين أسهموا في بناء الدولة ووضعوا أساساتها، إنهم أفراد الطبقة العاملة متعددة الأعراق والألوان، الذين ساعدوا على المضي قدماً في ظل الجائحة التي تضرب العالم، وهم الآن يطالبون بالإصلاح الحقيقي.
وظهر تأثير الشبان الصغار بصورة خاصة هذا العام بأعداد تاريخية، ما أدى إلى زيادة أصواتهم بنسبة ثماني نقاط مئوية، ويعتبر هذا الجيل الأكثر تنوعاً من الناحية العرقية في تاريخ الولايات المتحدة، كما أنه الأكثر تقدمية، وفي الحقيقة فإن هذا الأمر ليس مفاجئاً، إذ إن مستقبل هذا الجيل يتعلق بالتوازن الاقتصادي والسياسي البيئي، وظهر أفراد هذا الجيل هذا العام كقوة كبيرة لهزيمة التهديد الوحيد المتمثل في ترامب، أكثر من مجرد حبهم لبايدن أو الحزب الديمقراطي. ويمتلك بايدن والحزب الديمقراطي الفرصة حالياً للفوز بجيل يتسم بولاء طويل الأمد، لكن فقط إذا تمكنوا من إنجاز التغيرات التي يطالب بها الشبان الأميركيون.
وهذا يعني تمرير صفقة خضراء جديدة من شأنها أن تنقذ الاقتصاد من الركود، وتخلق ملايين فرص العمل، وتعالج أزمة المناخ بصورة مباشرة. ويعني تأمين الرعاية الصحية للجميع لمنع موت آلاف الأميركيين (أو إفلاسهم) نتيجة جائحة «كورونا»، والأمراض الأخرى، ويعني أيضاً أن يدفع الأثرياء حصتهم من الضرائب، وإعادة الضرائب التي لم يتم دفعها نتيجة إنجازات ترامب القضائية، ويعني أيضاً القيام بإصلاح انتخابي لضمان أن تمثل حكومتنا إرادة الأغلبية.
وهذه السياسات، وغيرها، تمثل ما ينبغي على بايدن القيام به، ومن الناحية السياسية فإن «القبول بالوضع الراهن» يمثل عودة غير مباشرة إلى سياسات ترامب، وبالطبع فإن هذا الوضع لم يكن مفيداً مطلقاً بالنسبة للفقراء أو الطبقة العاملة، ولن يفيدها الآن أيضاً، وفي الحقيقة أن يكون المرء أفضل من ترامب مسألة سهلة، وتستحق هذه المرحلة، ومواطنو الولايات المتحدة، قيادة تتمتع برؤية ثاقبة لتقدم ما هو ملائم للشعب الأميركي. ويعتمد مستقبل الحزب الأميركي ومستقبل أميركا على ذلك.
نينا تيرنر عضو في الكونغرس عن ولاية أوهايو
قبول بايدن بالوضع الراهن يمثل عودة غير مباشرة إلى سياسات ترامب، وهذا الوضع لم يكن مفيداً مطلقاً بالنسبة للفقراء والطبقة العاملة، ولن يفيدهم الآن أيضاً.
ظهر تأثير الشبان الصغار بصورة خاصة هذا العام بأعداد تاريخية، ما أدى إلى زيادة أصواتهم بنسبة ثماني نقاط مئوية، ويعد هذا الجيل، الأكثر تنوعاً من الناحية العرقية في تاريخ الولايات المتحدة، كما أنه الأكثر تقدمية.