إدارة بايدن لن تقدم الكثير إلى القضية الفلسطينية
شعر الفلسطينيون بالارتياح بعد هزيمة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في الانتخابات. ومثل الكثير من بقية شعوب العالم، كانوا ينتظرون النتيجة بقلق. وفي حين أن فوز الرئيس المنتخب، جو بايدن، أو بالأحرى خروج ترامب الوشيك؛ يقدم للفلسطينيين مهلة قصيرة، فإنه يقدم لهم، أيضاً، واقعاً جديداً، يجب أن يتعاملوا معه الآن. وقد تثبت إدارة بايدن أنها أقل تهديداً للقضية الفلسطينية من سابقتها، لكن ليس من المرجح أن تسهل الطريق نحو الحرية أو الحقوق الفلسطينية.
بعيداً عن ذلك، من المرجح أن يستهل بايدن العودة إلى الوضع الطبيعي لما قبل ترامب؛ لمنظور «أوسلو» كإطار عمل، يستند إلى اتفاقات 1993 و1995، والذي يدعو إلى حل الدولتين، من خلال مفاوضات ثنائية بوساطة الولايات المتحدة. وهذه الاتفاقات معيبة لأسباب عدة، ليس أقلها أنها عفا عليها الزمن إلى حد كبير. واتباع استراتيجية سياسية متجذرة في الاعتماد على عدد كبير من الرؤساء الأميركيين المتناوبين - والآن إدارة بايدن - لن يمنح الفلسطينيين حريتهم. ولتحقيق التحرير، يجب على الفلسطينيين أن يستغلوا السنوات الأربع المقبلة، للنظر داخلياً، وإحياء حركة وطنية ظلت على فراش الموت، منذ عقود.
وعلى مدى السنوات الأربع الماضية، هاجمت إدارة ترامب، بلا هوادة، حق الفلسطينيين في تقرير المصير، وسعت بشكل أساسي إلى محوه تماماً. واستهدف البيت الأبيض ركائز المجتمع والسياسة الفلسطينية، من خلال الاعتراف بضم إسرائيل للقدس، والضغط على السلطة الفلسطينية لقطع مدفوعات الرعاية الاجتماعية لعائلات السجناء السياسيين، وإلغاء تمويل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين.
خلال الأسبوع الماضي، أصبح مايك بومبيو أول وزير خارجية أميركي يزور مستوطنة إسرائيلية غير شرعية في الضفة الغربية، ليكسر أحد المحظورات التي استمرت عقوداً في واشنطن.
وكانت استراتيجية الرئيس، في الواقع، هي إجبار الفلسطينيين على الاستسلام، وسط معاناة الملايين منهم. والآن، مكّن ترامب نتنياهو من هدم وتهجير مجتمعات فلسطينية بأكملها، ووصف الحركة العالمية للمقاطعة، وسحب الاستثمارات، وفرض العقوبات بأنها معادية للسامية.
وما زاد الوضع سوءاً، أن بومبيو أعلن أن النبيذ المصنوع في المستوطنة غير القانونية، بما في ذلك النبيذ الأحمر الذي سمي باسمه، سيُصنَّف على أنه «صنع في إسرائيل»، في اعتراف بضم إسرائيل الفعلي للضفة الغربية. وما جعل نهج ترامب أكثر وضوحاً، هو أنه انتهك قواعد الاتفاقية، التي أصبحت تحدد الـ30 عاماً الماضية من الشلل السياسي. وتحدى ترامب التشدق بحل الدولتين، بينما يتم الإذعان عملياً لواقع الدولة الواحدة، الذي تشكله إسرائيل على الأرض.
مناطق معزولة
ومن خلال ما يسمى «صفقة القرن»، أدرك ترامب بحق أن حل الدولتين بموجب نموذج «أوسلو»، لم يعد ممكناً، لأن إسرائيل قد حولت عمداً دولة فلسطينية محتملة إلى سلسلة من المناطق المعزولة. وبدلاً من المضي قدماً في الخطاب الوهمي لصالح حل الدولتين، الذي شجعته الإدارات الأميركية السابقة، فإن صفقة ترامب أضفت الطابع الرسمي للواقع على الأرض، والذي يشبه أرخبيلاً فلسطينياً مجزأً، يغرق في بحر زاحف من السيطرة الإسرائيلية. وللمرة الأولى، أيد رئيس أميركي علانية رؤية «إسرائيل الكبرى»، حيث سيكون الفلسطينيون رعايا من الدرجتين الثانية والثالثة في نظام السيادة الدائمة لشعب على الآخر، والمعروف باسم الفصل العنصري.
وكشف ترامب و«خطته للسلام» المزعومة واجهة نظام (أوسلو) المعيب هيكلياً. وعلى مدى العقود الثلاثة الماضية، كانت السياسات الخارجية، التي تتبناها دول العالم، عاجزة عن إنهاء القمع والظلم الإسرائيليين، والحفاظ على حل الدولتين. ومع ذلك، استمر نموذج أوسلو، لأنه قدم لصانعي السياسة توازناً مقبولاً أعفاهم من العمل ومحاسبة إسرائيل.
وتم دعم هذا النظام، من خلال المساعدات الخارجية التي تم ضخها في مشروع بناء الدولة - السلطة الفلسطينية - الذي يسمح للفلسطينيين بالحفاظ على مستوى معيشي مقبول، حتى لا يطلقوا انتفاضة، أو يكونوا ضحية أزمة إنسانية. وعلاوة على ذلك، فهو يسمح لإسرائيل بـ«إدارة الصراع» دون كلفة حقيقية، من خلال التعاقد من الباطن، واتفاقات التعاون الأمني وتقديم الخدمات، مع السلطة الفلسطينية. والصمغ السياسي الذي أبقى هذه المسرحية متماسكة هو الشعار الفارغ لمحاولة «إعادة كلا الجانبين إلى طاولة المفاوضات» في «عملية سلام»، بوساطة الولايات المتحدة، كما لو كنا على أعتاب عام 1991، بدلاً من 2021.
مسار جديد
إن منظور «أوسلو» خطير، وحالة من الجمود تقيد وتخنق أي تقدم حقيقي نحو معالجة المظالم المنهجية، التي تلحقها إسرائيل بالشعب الفلسطيني. وبدلاً من تصور مسار جديد للمضي قدماً، من خلال مسار يعكس حقائق كل ما تغير على مدى العقود الثلاثة الماضية؛ ينشغل مؤيدو اتفاقية أوسلو بإعادة ترتيب الكراسي على ظهر سفينة «تيتانيك»، بينما تغرق السفينة نفسها. ثم يتظاهر هؤلاء المؤيدون بالدهشة لاستمرار الوضع الراهن المتدهور الذي يواجهه الملايين، الذين يعيشون في ظل واقع الدولة الواحدة، حيث الحرية والحقوق تمنحها الهوية العرقية.
والفلسطينيون بحاجة ماسة إلى نهج مختلف جذرياً. إنه أسلوب لا يستطيع «أوسلو» توفيره بحكم تصميمه، ولا يمكن لإدارة بايدن فعل ذلك، أيضاً. ومن نواحٍ عدة، لم يكن نهج ترامب تجاه الصراع خروجاً عن السياسة الأميركية بقدر ما كان تتويجاً لها؛ فقد جاء في أعقاب مسار دام عقوداً، حدده رؤساء الولايات المتحدة، في ظل إجماع سياسي من الحزبين، في واشنطن، وكان بايدن ونائبته كامالا هاريس، في المقدمة والمركز.
اليوم، هناك دعوات متزايدة من قبل الحركة التقدمية الأميركية، بقيادة السيناتور بيرني ساندرز، والنواب: إلهان عمر، ورشيدة طليب، وألكساندريا أوكاسيو كورتيز؛ لوضع شروط للتمويل العسكري لإسرائيل. ولكن إذا كان الماضي يمثل أي مؤشر، فإن إدارة بايدن وهاريس ستسعى إلى تعزيز علاقة الولايات المتحدة بإسرائيل، بدلاً من تحديها.
حماية المصالح
عام 1986، قال بايدن في قاعة مجلس الشيوخ إن التمويل العسكري الأميركي لإسرائيل كان «أفضل استثمار بقيمة ثلاثة مليارات دولار نقوم به». وأضاف: «لو لم تكن هناك إسرائيل، كان على الولايات المتحدة الأميركية أن تخترع إسرائيل لحماية مصالحها».
ولا يستطيع الفلسطينيون العودة إلى بنود «أوسلو»، والانخراط في استراتيجية التبعية السياسية، للسنوات الأربع المقبلة، أو أكثر. ولن ينجز بايدن التحرير الفلسطيني، أو حتى ما يسمى الدولة التي يسعى الكثيرون لإقامتها في إطار نموذج «أوسلو». وفي الوقت الحالي، أفضل ما يمكن أن يأمله الفلسطينيون هو أن يعكس بايدن أو يعالج بعض سياسات ترامب الضارة. ومع ذلك، يجب تخفيف هذه التوقعات.
ومع كون السيناريو الأفضل في واشنطن هو الركود، فقد حان الوقت للفلسطينيين للبحث داخلياً عن حلول، بما في ذلك إعادة إيقاظ حركة وطنية، عانت أحد أحلك فصولها في التاريخ. ويجب أن يستثمر الفلسطينيون في نظام سياسي شامل وتمثيلي وديمقراطي، يمكن أن يوفر لملايين الأفراد المحرومين حق التصويت لصياغة مستقبلهم. وقد يكون ذلك من خلال الإصلاح والانتخابات لمنظمة التحرير الفلسطينية، أو قد يتخذ شكل نظام سياسي جديد مصمم للجمع بين الفلسطينيين، وإنهاء الانقسام السياسي والاجتماعي والجغرافي، الذي وقف حتى الآن في طريق مشروع وطني موحد.
ويجب أن يجلب الفضاء السياسي الجديد رؤى جديدة لمستقبل فلسطين. ومعظم المجتمع الفلسطيني تقل أعماره عن 30 عاماً، ما يعني أنهم جزء من جيل «أوسلو»: أولئك الذين وُعدوا بدولة لكنهم لم يحصلوا عليها. وهؤلاء الفلسطينيون حياديون تجاه الحل، وليس لديهم ميول أيديولوجية تجاه دولتين أو دولة واحدة. وكل ما يريدونه هو أن يكونوا أحراراً، ويتمتعون بكامل حقوقهم، لكن النظام الحالي يحرمهم كليهما.
مستقبل أفضل
يجب أن تركز الرؤية للمستقبل على الحاجة إلى تفكيك نظام التفوق العرقي في واقع الدولة الواحدة، وتقديم عقد اجتماعي جديد لجميع الأشخاص الذين يعيشون بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط، مبني على الحرية والعدالة، وحقوق لا تتوقف على الهوية العرقية أو الدينية. وسيتطلب تحقيق هذا الهدف حركة من الفلسطينيين ذوي التفكير المماثل، واليهود الإسرائيليين العازمين على بناء مستقبل أفضل للجميع. لكن هذه الرؤية الجديدة لا يمكن أن تتبلور دون أن يخلق المجتمع العالمي بيئة مناسبة، يمكن أن تزدهر فيها.
واتخذت محكمة العدل الأوروبية خطوة أولى جيدة بإلزام إسرائيل بضرورة تصنيف المنتجات المصنوعة في المستوطنات والمبيعة داخل الاتحاد الأوروبي. وأخيراً، تجب الاستفادة من المساعدات الخارجية، للتأكد من احترام الديمقراطية، وضمان عدم تعزيز الهياكل السياسية الخانقة لاتفاقية «أوسلو».
وبالطبع، هذه التغييرات هي مجرد بداية نحو ضمان مستقبل واعد للجميع. لكن مجرد البدء هو تحول جذري بعيداً عن الركود. ويدرك الفلسطينيون أن المجتمع الدولي لا يستطيع منحهم الحرية، لكن لديه القدرة على الاختيار بين دعم أو إعاقة الشعب الفلسطيني في سعيه لتحقيق ذلك.
بايدن يرى في إسرائيل حليفاً استراتيجياً. أرشيفية
• عام 1986، قال بايدن في قاعة مجلس الشيوخ إن التمويل العسكري الأميركي لإسرائيل، كان «أفضل استثمار بقيمة ثلاثة مليارات دولار نقوم به». وأضاف: «لو لم تكن هناك إسرائيل، كان على الولايات المتحدة الأميركية أن تخترع إسرائيل لحماية مصالحها».
سالم براهمة - مدير معهد فلسطين للدبلوماسية العامة