طهران تنتظر قدوم الإدارة الأميركية الجديدة
سلوك إيران يستوجب عدم رفع «الضغوط القصوى» عنها
بات من الواضح لخبراء السياسة الخارجية أن حملة وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، الهادفة إلى «الضغوط القصوى» على إيران، قد فشلت، ولذلك فليس من المفاجئ ما يقوله الديمقراطيون بأن الأمن القومي الأميركي أصبح عبارة عن كرة قدم سياسية، وأن إيران طرف في هذه اللعبة، ولكن الجمهوريين يؤيدون ذلك أيضاً، وإن كان بصورة خالية من الانتقاد. وكتب مستشار الأمن القومي الأميركي السابق، مايكل سينغ، إن الضغوط القصوى «أدت إلى آلام اقتصادية غير مسبوقة للنظام الإيراني، ولكن لم ينجم عنها حتى الآن أي نتيجة يمكن أن تصب في المصلحة الأميركية». ورفضت الخبيرة في السياسة الخارجية الأميركية، كوري شاك، فكرة أن حملة «الضغوط القصوى» على إيران كانت ناجحة. وكتبت «هذه الحملة لم تكن ناجحة، إذ لم تف إيران بأي من المطالب الـ12 التي وضعها وزير الخارجية، مايك بومبيو، كشروط مسبقة من أجل مفاوضات جديدة مع إيران».
ولكن من الخطأ أيضاً إلغاء سياسة «الضغوط القصوى» باعتبارها كانت خطأ، أو أنها لم تكن فعالة بما يكفي، حتى مع حقيقة أن إيران عملت على زيادة تخصيب اليورانيوم، ودعمها للميليشيات التابعة لها. ولو سلمنا بحقيقة أن مطالب بومبيو الـ12 هي سياسة منطقية لا يمكن الاختلاف عليها (تطالب ايران بالتوقف عن دعم الإرهاب، وصنع الأسلحة النووية، ونشر الصواريخ الباليستية، ودعم الميليشيات التي تحارب حكومات المنطقة، والتهديدات بإزالة إسرائيل، إلى آخر قائمة المطالب) فإن الإشارة إلى أن هذه المطالب غير واقعية أو غير قابلة للتطبيق تعتبر بمثابة قبول بالسلوك المارق لإيران.
وفي واقع الأمر، فإن المشكلات التي يمكن أن تنجم عن إلغاء سياسة الضغوط القصوى، باعتبارها فاشلة، تتمحور حول ثلاث مشكلات رئيسة. أولاً: إن من الخطأ النظر إلى سياسة الولايات المتحدة بصورة معزولة، دون النظر إلى طبيعة استراتيجية إيران العدوانية. وثانياً: الافتراض بأن الاستراتيجيات الفعالة يجب أن تتوافق مع التقويم السياسي الأميركي، وهذا التوجه المتزايد حالياً يمثل أعراض تسييس الأمن القومي الأميركي، ويقوض تأثيره وفعاليته، ويؤدي إلى تشجيع إيران والأنظمة المارقة الأخرى الصبر والانتظار لحين مجيء إدارة أميركية أخرى، في مراهنة على إمكانية رفع الإدارة الجديدة الضغوط بسبب المشاحنات الحزبية في أميركا.
وثالثاً: حتى لو سلمنا بمشكلات «الضغوط القصوى»، فإن المنطق الذي يدعو إلى إيقافها يبدو غير سليم. ويسيطر الجناح الاقتصادي لفيلق الحرس الثوري الإيراني على نحو 40% من الاقتصاد الإيراني، ولذلك فإن رفع العقوبات عن إيران، في ظل غياب استراتيجية لمراقبة الصناعات التي يسيطر عليها الحرس الثوري، من شأنه أن يؤدي إلى زيادة ثراء هذا الفيلق المتشدد، وزيادة سطوته. وعلى الرغم من أن نُقّاد «الضغوط القصوى» يقولون إنها تقلل من شأن ما يعرفون بالإصلاحيين داخل إيران ونفوذهم، إلا أن ذلك في واقع الأمر يسلّط الضوء على حقيقة سوء فهم للسياسة الإيرانية، لأن من المعروف أصلاً أن الإصلاحيين ليس لهم أي نفوذ على القضايا الأمنية والعسكرية وسط المتشددين الذين يهيمنون على صنع القرار السياسي والأمني في إيران، كما أن أيديولوجية هؤلاء الإصلاحيين لا تختلف كثيراً عن موقف المتشددين، وتتركز معظم الخلافات بين الطرفين على التكتيك وليس على الاستراتيجيات.
ربما تكون الأخطاء المنطقية في هذا الحماس لرفض والاستغناء عن سياسة «الضغوط القصوى» على إيران جلية إلى أقصى حد، ويمكن الاستغناء عنها عند تطبيقها على تحديات أخرى تواجهها الولايات المتحدة. وقد فشلت العقوبات الأميركية في منع تطور البرنامج النووي لكوريا الشمالية، فهل كان الأفضل إرسال مساعدات لهذا البلد؟ وفشلت المحاولات لعزل فنزويلا، فهل كان من الأفضل تشديد الضغوط على الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو؟ ونفاد الصبر الاستراتيجي المطبق في مناطق أخرى تعج بالمشكلات سيكون له الأثر ذاته في الحصول على نتائج عكس ما هو متوقع. ولم تفلح استراتيجية الولايات المتحدة لمواجهة الصين في بحر الصين الجنوبي، لإجبار الصين على تغيير مسارها، على سبيل المثال، فهل حان الوقت الآن للاعتراف بأن مطالب الصين بالشعاب والجزر المرجانية في المنطقة محقة؟ الحرية والديمقراطية في أوروبا الشرقية تستعدي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فهل نرجع إلى انقسامات الحرب الباردة؟ وببساطة إنها مغالطة منطقية من حيث الادعاء بأنه نظراً إلى عدم فعالية أي استراتيجية أو بطء في عملها، فإن الاستراتيجية البديلة ستكون ناجحة، وهي الحل الأمثل، فالعالم مكان يعج بالفوضى، وأحياناً يؤدي اللجوء إلى نقيض استراتيجية غير ناجحة إلى الحصول على نتائج أكثر سوءاً بكثير من الأولى.
ويعرف الطالب شيوي وانغ، المتخرج في جامعة برنستون، واقع إيران أكثر بكثير من أي خبير أو أستاذ جامعي في أيامنا، واستقى هذه المعرفة عندما تم حبسه على يدي فيلق الحرس الثوري الإيراني لمدة ثلاث سنوات، كجزء من دبلوماسية الرهائن الإيرانية. وكان وانغ قد أشار إلى أن الرئيس الأميركي المنتخب، جو بايدن، كتب في الأسابيع التي سبقت انتخابه بأن سياسة الرئيس دونالد ترامب، المعروفة بـ«الضغوط القصوى» كانت هبة للنظام الإيراني، وإخفاقاً وفشلاً بالنسبة للمصالح الأميركية، لقد كان الأثر الحقيقي لهذه السياسة أكثر عمقاً مما أدركه معظم الذين ينتقدونها ويطالبون بإلغائها. وبالنظر إلى كيفية قيام القيادة الإيرانية بالعمل من أجل البقاء خلال إدارة ترامب على أمل التخلص من العقوبات في الإدارة المقبلة، فإن أفضل طريقة يمكن التعامل معها هي قلب حسابات القيادة الإيرانية فوق رأسها، والمحافظة على العقوبات لبضعة أشهر أخرى، كي لا تحقق ما أرادت من خلال الإدارة الأميركية الجديدة. ولقد كانت الصعوبات الاقتصادية خلال الحرب الباردة هي التي أطاحت بالاتحاد السوفييتي، وإذا لم تر القيادة الإيرانية الضوء في نهاية النفق، فإن السوابق تشير إلى أن المرشد الإيراني الأعلى، علي خامنئي، يمكن أن يضحي بالمبادئ المعلنة من أجل البقاء.
مايكل روبين : كاتب أميركي يكتب لـ«ناشونال إنترست»
- بومبيو وضع 12 شرطاً مسبقاً للتفاوض مع إيران.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news