ترامب تسبب في أذى دائم للديمقراطية الأميركية
ما فعله الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بعد ظهور نتائج الانتخابات، والشكوك التي زرعها، والمزاعم التي روجها، ستظل بعد رحيله. وستستغرق استعادة الثقة في العملية الديمقراطية وقتاً وجهداً. وكما كتبتُ، خلال حملة عام 2016، عندما كان ترامب يهدد بعدم قبول الخسارة أمام هيلاري كلينتون، فإن الديمقراطية تعتمد على اعتراف الخاسرين؛ والموافقة على حق المرشحين الفائزين في الحكم، وعدم إثارة المظالم بين المؤيدين.
في الوقت الحالي، قد يكون المتذمرون أكثر ميلاً لتخريب المؤسسات الديمقراطية، في وقت يجب أن يعترف فيه الخاسرون بشرعية العملية التي أسفرت عن نتيجة سيئة بالنسبة لهم. ونظراً لأن الفائزين لديهم حافز أكبر من الخاسرين، لمواصلة ممارسة اللعبة الديمقراطية، فإن «الخاسرين لهم حق (الفيتو) في اللعبة الديمقراطية». وعندما تحدثت معه قبل موافقة ترامب على انتقال السلطة، أخبرني شون بولر، وهو أحد المؤلفين المشاركين في كتاب «موافقة الخاسرين»، بأنه ينظر إلى رفض ترامب التنازل على أنه ليس مجرد ضوضاء، لكن، أيضاً، إشارة. ويوضح بولر: «عندما يخسر فريق كرة قدم فإن اللاعبين المهزومين لا يهاجمون الحكام والفريق المنافس ولا يدينونهم»، متابعاً: «إذا لم يكن لديك احترام لقواعد اللعبة، فلن تلعب هذه اللعبة بعد الآن».
فريد من نوعهيقول معلقون إن ترامب فريد من نوعه، وبالتالي فإن تحديه للعملية الديمقراطية عبارة عن حدث منعزل. ومع ذلك، فإن تحدي ترامب للديمقراطية متجذر في الاستياء الأوسع نطاقاً. وأخبرني أندريه بليز، وهو مؤلف مشارك آخر في كتاب «موافقة الخاسرين»، بأن «أميركا في ورطة عميقة»، مشيراً إلى المؤسسات الديمقراطية المتعثرة في البلاد، والاستقطاب الحزبي الحاد. ويعتقد بليز أن «هناك عدداً قليلاً جداً من السياسيين من نوع ترامب»، لهذا يظل «متفائلاً بحذر» بشأن الديمقراطية الأميركية.
لكنه أشار إلى أن الديناميكية الأساسية لموافقة الخاسرين من الواضح أنها «لا تعمل بشكل جيد»، في الولايات المتحدة، وليس، فقط، بسبب رد فعل الرئيس على نتيجة الانتخابات. وقال بليز: «هناك مبدأ أن يكون دورك في بعض الأحيان، وليس دورك في أوقات أخرى، ويبدو أن بعض الناس لا يقبلون ذلك». ولا توجد سابقة مباشرة في التاريخ الأميركي الحديث، أو حتى بين الديمقراطيات الأخرى، لما يحدث الآن في أميركا.
ديمقراطية راسخة
رفض رئيس المكسيك الحالي، أندريس مانويل لوبيز أوبرادور، قبول نتائج انتخابات بلاده في 2006 و2012، لكنه لم يكن رئيساً في ذلك الوقت، والديمقراطية في المكسيك أقل رسوخاً مما هي عليه في أميركا. وانتقد شارل ديغول جمهورية فرنسا الرابعة لسنوات، لكن انهيارها عام 1958 أفسح المجال أمام جمهورية خامسة ظلت ديمقراطية. وقال بولر: «هذا لم يحدث من قبل إلى هذه الدرجة». متابعاً: «ديمقراطية راسخة تبتعد عن ديمقراطيتها، وتبتعد عن آليات عملها».
وقال بولر إن مخاوفه تتجاوز ترامب لتشمل العديد من القادة الجمهوريين، الذين دعموا مزاعمه، التي لا أساس لها، بشأن نزاهة الانتخابات. وقد تكون هناك أسباب سياسية عقلانية قصيرة المدى وراء ذلك، «لكن هناك عواقب طويلة المدى، وهو أنهم يقفون متفرجين، بينما ينكر شخص ما شرعية العملية الانتخابية ويقولون بدرجات متفاوتة: (نعم، هذا صحيح)»، كما يوضح بولر.
وهناك، أيضاً، مؤشرات واضحة إلى أن رسالة ترامب تلقى صدى واسعاً بين مؤيديه، بينما تراجعت ثقة الجمهوريين بالنظام الانتخابي. وقال بليز إن السؤال هو: كم عدد الجمهوريين الذين يؤمنون حقاً بادعاءات ترامب بالاحتيال، وكم منهم يرددون ببساطة رواية الرئيس بسبب خيبة الأمل من النتيجة؟ ومن جهته أوضح بليز: «أفترض أنها أقلية صغيرة، لكن إذا لم تكن أقلية صغيرة، فهذا حقاً مصدر قلق كبير».
وتؤكد التهديدات الأخيرة بالعنف ضد المسؤولين الحكوميين، وجود خطر. وفي ذلك يقول بولر: «بمجرد أن يبدأ الناس التشكيك في شرعية النتيجة، ونزاهة الموظفين العموميين، يمكن أن تبدأ الأمور في الانهيار على نطاق واس»، متابعاً: «يمكننا أن نخمن أنه من الآن فصاعداً، سيتم الطعن في الكثير من السباقات المتقاربة ووصفها بأنها فاسدة، لذلك سنرى الكثير من المسؤولين المنتخبين يضطرون إلى الدفاع عن أنفسهم عقب الانتخابات».
خيبة أمل
قد يظل أنصار ترامب مستائين لفترة أطول بكثير مما هو معتاد بعد المنافسات المتنازع عليها، ما يخلق شريحة من الناخبين لا تشعر، فقط، بخيبة أمل مؤقتة، لكن، أيضاً، بخيبة أمل مزمنة. وقال بولر: «يمكن للناس أن يحملوا الضغائن لفترة طويلة»، لاسيما عندما تنبع هذه الضغائن من مزاعم الغش. لهذا السبب من المهم للغاية أن يتنازل المرشحون الخاسرون. والبيان الذي ألقاه بيل كلينتون، في 14 ديسمبر 2000، بعد أن أوقفت المحكمة العليا إعادة فرز الأصوات في فلوريدا، هو أحد أفضل الأمثلة على الخسارة بأمان. وقال: «الليلة الماضية أظهر الرئيس المنتخب بوش، ومنافسه آل غور، ما هو أفضل في أميركا»، في إشارة إلى خطاب تنازل آل جور وخطاب الفوز، الذي ألقاه جورج دبليو بوش.
وفي الآونة الأخيرة، بينما كان ترامب يغرد على «تويتر»، بشأن تصويت 2020 «الذي لا معنى له»، تواصلت عبر «زوم»، مع تيري إدموندز، وبول غلاستريس، وجون بولاك، كُتاب الخطابات الثلاثة الذين عملوا على بيان كلينتون. وتذكر الثلاثة أنهم بدأوا العمل بمجرد ورود كلمة عن قرار المحكمة العليا، وعزم آل جور على التنازل، إذ اجتمعوا بالبيت الأبيض لمعرفة ما سيقوله الرئيس بعد ذلك.
يتذكر غلاستريس أن مسودة الخطاب «لم تكن بها مرارة»، أو «غاضبة»، متابعاً: «لقد اعترف فقط بما يشعر به الأشخاص الذين صوتوا لآل جور، ودعموا بيل كلينتون. وكان الخطاب، بطريقته الخاصة، مقبولاً لدى المتلقين». واختفت الإشارة، في الخطاب، إلى دفاع آل جور عن فرز الأصوات، ولم تكن هناك إشارة إلى التجاوز الحزبي، وانعدام الثقة بالانتخابات.
نعم، كانت الأمة منقسمة ولم يوافق بيل كلينتون وآل جور على قرار المحكمة العليا؛ لكنهما قبلا الحكم، وشدد كلينتون على الحاجة إلى إعادة اكتشاف «الوحدة»، و«الأرضية المشتركة». وقال إدموندز: «لقد عملنا من أجل الناس، ولكل من الرئيس ونائب الرئيس (المرشح الديمقراطي آل جور)، اللذين كانا رجلَيْ دولة، أدركا أن تلك كانت لحظة تتطلب الكثير من المصالحة، أكثر من الانقسام. وأخبرني بولاك بأنه تعمد إخفاء ملاحظاته المبكرة عن البيان، في ملف خطابه الرسمي، للأجيال القادمة، لأنه شعر بأن النقطة التي يجب أن يتم احتسابها لكل صوت، كانت مركزية للديمقراطية الأميركية، ومرحلة التاريخ الأميركي التي كان يعيش فيها.
لكن ماذا يحدث لديمقراطيتنا، عندما لا تتم صياغة شكاوى أولئك الذين يخسرون الانتخابات، والملاحظات الرئاسية، بعناية، لتنوير الأجيال القادمة، لتجنب الشعور باليأس الذي تخلفه الانتخابات؟
وماذا يحدث عندما يتم نشرها على نطاق واسع. أو يحفزها رئيس أميركي خاسر في الانتخابات، ويعلن أن النظام الديمقراطي في البلاد بالكامل «مزور»؟
ترامب سياسي فريد من نوعه، يقول بليز، لكن «ماذا لو حدث ما حدث في عام 2000، اليوم، وحتى دون ترامب، مع كل هذا الاستقطاب الحزبي، لا أدري ما كان سيحدث؟»، متابعاً: «هذا سيكون صعباً للغاية».
يوري فريدمان مدير التحرير في المجلس الأطلسي وكاتب في «ذي أتلانتك»
قد يظل أنصار ترامب مستائين من الناحية السياسية، لفترة أطول بكثير مما هو معتاد بعد المنافسات المتنازع عليها، ما يخلق شريحة من الناخبين لا تشعر، فقط، بخيبة أمل مؤقتة، لكن، أيضاً، بخيبة أمل مزمنة.
ترامب فريد من نوعه، وبالتالي فإن تحديه للعملية الديمقراطية يُنظر إليه على أنه حدث منعزل.
مهمة صعبة
يستحيل الحفاظ على الانضباط الحزبي، في عصر وسائل التواصل الاجتماعي. في المقابل، يمكن للقادمين الجدد الأذكياء، مثل النائبة في الكونغرس، ألكساندريا أوكاسيو كورتيز، الجلوس بأمان في مقاطعتها، والدعوة إلى وقف تمويل الشرطة، وإعادة النظر في تكوين المحكمة العليا، بينما يتحمل زملاؤها في الولايات الأرجوانية العبء الأكبر من رد الفعل السلبي. وإذا لم يصبح النظام السياسي أكثر استجابة، ستستمر وسائل التواصل الاجتماعي في الهيمنة على النقاش، لتكون قوة محرك التطرف.
وفي الوقت الحالي، نجحت أميركا في اجتياز الاختبار مرة أخرى. ولاتزال السيطرة على مجلس الشيوخ موضع شك، وربما يعتبر ذلك علامة أخرى على حكمة الناخبين. ويريد البعض إطاحة كل جمهوري ساعد في هجوم ترامب على القوانين والقيم الأميركية، لكن ربما تكون الحكومة المتنوعة جزءاً من عملية التهدئة التي تحتاجها البلاد.
والأميركيون منقسمون بشكل سيئ، لكن يبدو أنهم يتفقون على أن السلطات التنفيذية غير المتوازنة، وغير الخاضعة للرقابة، يجب أن تتم معالجتها. واهتزت أسس الديمقراطية الأميركية، ومزق نظام الشرف فيها رئيس متهور. والرجل الذي تمنى أن يكون ديكتاتوراً، يتم استبداله برجل لائق، أراد دائماً أن يكون رئيساً. ويؤمن جو بايدن بالعمل الحكومي، ويؤمن بقدرة أميركا على أن تكون أفضل. ومهمته هي توحيد البلاد حول هذا المبدأ. وقبل أن تتمكن أميركا من رسم مسار جديد، يجب أن تعود إلى الخريطة.. أولاً.