سبسطية الأثرية عاصمة الرومان الفلسطينية تـئـن تحت وطأة الاستيطان
على بعد 12 كيلومتراً في الجانب الشمالي الغربي لمدينة نابلس بالضفة الغربية، وعلى تلة يبلغ ارتفاعها 440 متراً، تتربع بلدة سبسطية المشهورة باسم عاصمة الرومان الفلسطينيّة، عرش الحضارة والتاريخ، لاحتضانها معالم أثرية، تعود إلى زمن العصر الروماني.
إلا أن هذه المكانة التاريخية الزاخرة بالتراث الأثري، الممتد عمره منذ أكثر من 3000 عام، تئن اليوم تحت وطأة الإهمال تجاه آثارها الحضارية، وحصارها من قبل مستوطنة «شافي شمرون» الجاثمة على أراضيها، إلى جانب تصاعد هجمات المستوطنين العدائية ضد معالمها وأعمدتها الأثرية.
ففي شهر نوفمبر الماضي، بدأ المستوطنون مسلسل اقتحام المواقع الأثرية في بلدة سبسطية، في محاولة للسيطرة عليها، وتحقيق أطماعهم في نقل معالمها وأعمدتها التاريخية، ويتكرر هذا الاقتحام أسبوعياً كل يوم أربعاء.
اقتحامات مستمرة
ويقول رئيس بلدية سبسطية، محمد عازم، في حديث لـ«الإمارات اليوم»، إن بلدة سبسطية تحتضن حقباً زمنية وحضارية تمتد من البعد الديني حتى البعد التاريخي، لذلك تشهد حركة سياحية نشطة يومياً، حيث تستقبل 300 سائح غربي، إلى جانب حركة السياحة الفلسطينية الداخلية التي تنشط في المساء، وهذا لم يرق للاحتلال ومستوطنيه، الذين يمارسون ضغطاً شديداً ضد سبسطية، ومعالمها الأثرية، وسكانها».
ويضيف: «هذا الضغط بدأت ترجمته على الأرض، من خلال عملية الاقتحام الأسبوعية كل يوم أربعاء، حيث يتجمع المستوطنون من مستوطنات الضفة كافة، من مدينة الخليل حتى مدينة جنين، لدهم الموقع الأثري في سبسطية، التي تتحول إلى منطقة عسكرية مغلقة».
ويلفت عازم إلى أن الاحتلال يغلق المنطقة الأثرية، ويعزلها عن البلدة، فترة اقتحام المستوطنين للبلدة، فيما يمنع السكان من الحركة، ويتم الاعتداء على كل فلسطيني يوجد بالموقع الأثري في سبسطية.
ويتابع رئيس بلدية سبسطية: «في نهاية الأسبوع، يتوافد الفلسطينيون للتنزه والاستجمام في سبسطية، فيقتحم الاحتلال البلدة، ويطلق الرصاص، لتفريقهم، وإغلاق الطرق أمامهم، لمنعهم من الوصول إلى الموقع الأثري، ومنع أشكال التوافد والسياحة داخل موقع سبسطية».
استهداف
من جهة ثانية، يقول مسؤول ملف الاستيطان شمال الضفة الغربية، غسان دغلس، إن «سبسطية تتعرض لاستهداف جنوني، وبشكل مكثف من قبل المستوطنين، ضمن مخطط لشق طريق استيطاني يؤدي مباشرة إلى الموقع الأثري، بديلاً للطريق الرئيس للبلدة، المعروف بشارع نابلس – جنين، لضمان تسهيل عملية اقتحامهم للبلدة، والسيطرة على مواقعها الأثرية».
ويشير إلى أن اقتحامات المستوطنين تستهدف مواسم الحج المسيحية، التي تنطلق من مدينة الناصرة، مروراً ببلدة سبسطية، وصولاً إلى مدينة بيت لحم، احتفالاً بعيد الميلاد المجيد.
ويبين مسؤول ملف الاستيطان شمال الضفة الغربية أن ممارسات المستوطنين، وأطماع المحتل المتزايدة لوضع اليد على آثار بلدة سبسطية، تهدف لطمس هويتها الحضارية الأصلية، وتغيير واقع الأماكن الأثرية فيها، والتي تعد من أهم المعالم التاريخية في فلسطين.
أنين حضارات
المعالم التاريخية تنتشر في مواقع عدة داخل بلدة سبسطية، وفي محيطها أيضاً، فمن نوافذ منازل السكان يظهر بشكل جلي قصر الملك عمري، والأعمدة الرومانية، والمدرج الروماني، الذي يقع جنوبه البرج الهلنستي، وفي وسط البلدة التاريخية يتربع «مسجد سيدنا يحيى عليه السلام»، وبالقرب منه يزخر متحف سبسطية بملايين القطع الأثرية القديمة.
واستناداً لهذه الحضارة المتجذرة في أرض كنعان، اختارت وزارة السياحة والآثار الفلسطينية بلدة سبسطية الأثرية ضمن 20 موقعاً تاريخياً، لتكون من ضمن قائمة التراث العالمي، في منظمتي اليونسكو العالمية، وحماية التراث العالمي.
وفي الوقت ذاته، تشتكي سبسطية التاريخية ومواقعها الأثرية من شدة الإهمال، ومنع ترميم وتنظيف آثارها، ومن عمليات الحفر والنهب التي تتعرض لها من قبل تجار قطع الآثار الفلسطينيين الذين يبيعونها للإسرائيليين، وذلك بحسب رئيس بلدية سبسطية.
ويضيف عازم: «بعد اتفاقية أوسلو عام 1994، قسمت أراضي بلدة سبسطية إلى قسمين (ب) ويقع تحت السيطرة الأمنية للاحتلال، والقسم (ج) ويخضع للسيطرة الإدارية والأمنية الإسرائيلية، وبحكم هذا التصنيف أصبح أكثر من 50% من المواقع الأثرية ضمن الأراضي المصنفة (ج)».
ويقول: «أصبحت عمليات الترميم والصيانة للمواقع الأثرية في بلدة سبسطية تقع تحت مسؤولية الاحتلال، الذي لم يمارس أي مهمة تحت هذه البنود، فيما يمنعنا من القيام بأية عمليات ترميم للآثار، أو حتى تنظيفها، وذلك بهدف السيطرة عليها».
عمليات ترميم وصيانة المواقع الأثرية في بلدة سبسطية أصبحت تقع تحت مسؤولية الاحتلال، الذي لم يقم بدوره على الإطلاق.
الاحتلال يغلق المنطقة الأثرية، ويعزلها عن البلدة، فترة اقتحام المستوطنين للبلدة، فيما يمنع السكان من الحركة، ويتم الاعتداء على كل فلسطيني يوجد بالموقع الأثري في سبسطية.