بولسونارو يسير على خطى ترامب المعادية للديمقراطية
على الأقل لايزال هناك قائد دولة أخرى يصدق ادعاءات الرئيس الأميركي دونالد ترامب اليائسة، أن الانتخابات الأميركية الأخيرة كانت مزورة، إنه الرئيس البرازيلي جايير بولسونارو، الذي يعد آخر رؤساء الدول الذين اعترفوا، على مضض، بانتصار الرئيس المنتخب جو بايدن في الانتخابات الأميركية. لكن بولسونارو ظل مصراً على رأيه أن الانتخابات الأميركية قد سرقت، وأن الانتخابات الرئاسية البرازيلية يمكن أن تسرق، أيضاً، في عام 2022.
وفي الوقت، الذي يعتبر انتقاده للنظام الانتخابي في الدولة مثيراً للجدل (وربما جناية)، إلا أنه لا يشكل مفاجأة، ولا بأي شكل من الأشكال. ولا يكتفي بولسونارو بإظهار إعجابه الشديد بالرئيس الأميركي، إنما يروج ادعاءات كاذبة، ونظريات مؤامرة في البرازيل، تماماً كما يفعل ترامب.
الديمقراطية تتراجع
وتبدو الديمقراطية البرازيلية في حالة تراجع. وإذا لم يبادر قادة الدولة المعتدلون بتشكيل جبهة متحدة لدعم مؤسساتهم الديمقراطية، فإن البرازيل تواجه خطر وقوع أحداث درامية، أكثر خطراً من ما وقع في واشنطن الأسبوع قبل الماضي. وفي الحقيقة، إن الظروف الحالية في البرازيل ملائمة جداً لتدهور الديمقراطية، إذ إن قائد الدولة يحتقر الديمقراطية، والمجتمع المدني، وهناك مجموعة من أنصار بولسونارو مستعدون للقيام بأعمال العنف ضد معارضي الرئيس، كما أن المؤسسة الأمنية تصبح بصورة متزايدة أكثر طواعية بيده. وما يزيد الطين بلة، أن الضوابط والتوازنات في البرازيل أضعف من مثيلتها في الديمقراطيات الأخرى، لهذا يسهل انهيارها.
وحتى قبيل انتخابه عام 2018، لم يكلف بولسونارو نفسه عناء إخفاء مشاعره المناوئة للديمقراطية. ومنذ تسلمه السلطة، تزعم العديد من المسيرات المناوئة للديمقراطية.
مستلهماً أفكاره من مثله الأعلى الرئيس الأميركي، وضع بولسونارو، الذي يعرف بـ«ترامب الاستوائي»، الأساس من أجل تشويه سمعة العمليات الانتخابية في بلاده.
وفي الأسابيع القليلة الماضية، شكك بولسونارو في نزاهة الانتخابات البلدية التي جرت العام الماضي في بلاده، بعد فشل معظم المرشحين المفضلين لديه في الجولة الأولى من الانتخابات. وخلال هذا الأسبوع، أخبر أنصاره بأن الانتخابات الرئاسية في 2022 يجب أن تكون مقتصرة على الأوراق الانتخابية فقط، مدعياً، دون أي إثبات، أن الانتخابات الإلكترونية كانت غير سليمة.
وكما هي الحال لدى ترامب، يبدو أن أبناء بولسونارو، وأقرب مناصريه، مصممون على تقويض المؤسسات الديمقراطية في البرازيل. ويواجه بولسونارو عدداً كبيراً من التحقيقات الجنائية والقانونية، إضافة إلى 54 استئنافاً لعزله من منصب الرئاسة، وعمد مرات كثيرة إلى توجيه انتقادات حادة للمحكمة العليا البرازيلية، والهيئة العليا الانتخابية. وتم توجيه اتهامات إلى ابن بولسونارو الكبير، وهو سياسي، بالفساد. أما ابناه الآخران، وهما مسؤولان منتخبان، فإنهما يواجهان تهمة الإشراف على ما أطلق عليها «حكومة الكراهية» السرية، وهي مجموعة من المستشارين المقربين، الذين يعملون من مكتب رئيس الجمهورية، وينظمون اعتداءات ضد السياسيين والصحافيين المعارضين. وفي الوقت ذاته، إن العديد من أقرباء بولسونارو، والدائرة المقربة منه، يواجهون التحقيق بشأن تلفيق أخبار كاذبة، وتحقيقات جنائية واسعة النطاق. حتى إن أحد أبنائه أوصى بإعادة تنشيط قرار يرجع إلى فترة الحكم الديكتاتوري، وينص على إغلاق الكونغرس الوطني ومجالس الولايات، ومنع التظاهرات السياسية، وفرض رقابة على الأخبار، ووقف الحقوق الدستورية. وقال بولسونارو، لاحقاً، إنه يأسف لما فعله ابنه.
غرائز الديكتاتورية عميقة
من الواضح أن غرائز بولسونارو الديكتاتورية عميقة، فقد كان مدافعاً لا يكل عن الديكتاتورية العسكرية، طيلة 30 عاماً من وجوده كسياسي هامشي. ووصف شخصين متهمين بارتكابهما أعمال تعذيب وتنكيل، هما: الضابطان العسكريان: كارلوس ألبرتو وبريلهانتيا وسترا، بأنهما بطلان، وتأسف لحقيقة أن الديكتاتورية لم تقتل نحو 30 ألف شخص على الأقل، بدءاً من الرئيس السابق فرناندو هنريك كاردوسو.
وكما هي الحال لدى ترامب، استعدى بولسونارو أنصار الديمقراطية، الذين غضبوا منه قبل وصوله إلى سدة الحكم. وفي عام 2016، اقتحم المتظاهرون المتطرفون، الذين يدعون إلى عودة الحكم العسكري في البرازيل، مبنى الكونغرس الوطني في العاصمة برازيليا، بالطريقة ذاتها التي اقتحم بها أنصار ترامب مبنى الكونغرس الأميركي، الأسبوع الماضي.
ويبدو أن أنصار بولسونارو متسلحون بقوة، وهم مصممون على حماية زعيمهم من المحاكمة، أو الإبعاد عن السلطة. ويعمل هؤلاء الأنصار على بناء ترسانتهم القوية، حيث يدعو بعضهم إلى الاستيلاء على الجيش، إذا قرر الكونغرس الوطني محاكمة الرئيس وعزله. وقبل تسلم بولسونارو الرئاسة، كانت الأولوية الأهم بالنسبة له هي إلغاء التشريعات التي تحد من انتشار السلاح في البلاد. ومنذ تسلمه السلطة، أصدر عدداً كبيراً من الإجراءات القانونية لزيادة انتشار الأسلحة والذخائر، والتقليل من أهمية الجهود الرامية للبحث عن الأسلحة المفقودة. وإضافة إلى جعل الأسلحة نصف الأوتوماتيكية متوافرة للمدنيين، حاول بولسونارو تخفيض الجمارك على واردات الأسلحة المصنوعة في دول أجنبية.
تملك الأسلحة
وبناء عليه، لم يكن من المدهش زيادة تملك الأسلحة النارية في البرازيل إلى نحو 98% عام 2019، وإلى 120% عام 2020. وهذا الأمر مقلق جداً في دولة يحدث فيها ما بين 50 إلى 60 ألف جريمة قتل عنيفة سنوياً، وهي نسبة تعادل ثلاثة أضعاف ما يحدث في الولايات المتحدة، رغم أن تعداد سكان البرازيل يعادل ثلث سكان الولايات المتحدة. وليس من قبيل الصدفة أن يستفيد من ارتفاع معدل بيع السلاح، أكبر شركة مصنعة للأسلحة في الدولة، اسمها «توروس»، إذ ارتفعت أسعار أسهم هذه الشركة نحو 60% عام 2020. وتزايدت واردات الدولة، أيضاً، من الأسلحة المصنعة في دول أخرى، أكثر نحو 100 مرة، عما كانت عليه قبل سنتين.
وبالنظر إلى أن بولسونارو كان ضابطاً سابقاً في الجيش، فقد عمل على عسكرة الحكومة البرازيلية. وهناك 10 وزراء على الأقل عسكريون، من أصل وزراء حكومته البالغ تعدادهم 23 وزيراً، وهو أكبر عدد من العسكريين منذ الحكم العسكري. ووفق مكتب التدقيق الفيدرالي البرازيلي، فقد عين بولسونارو 6157 عسكرياً، منهم من لايزال على رأس عمله، ومن هم في الاحتياط، في مناصب حكومية عدة، أي ضعف ما عينه الرئيس الذي سبقه. ويوجد 1250 عسكرياً في وزارة الصحة وحدها. ويستحضر بولسونارو، دائماً، القوة العسكرية لتهديد معارضيه في البرلمان (الكونغرس الوطني)، وأعضاء المحكمة العليا.
ويحظى بولسونارو بولاء واسع النطاق في منظمات الأمن وحفظ القانون، التي تخضع لقيادة 26 حاكماً للولايات البرازيلية، ومعظمهم مناصرون متحمسون لبولسونارو، فهو الرئيس النهائي لحفظ القانون والأمن، وأصدر العديد من القرارات التي تهدف إلى توسيع حرية استخدام القوة المميتة. وهو أمر مثير للجدل في دولة يتم فيها قتل نحو 6000 شخص، معظمهم من السود الفقراء، على يد أفراد الشرطة سنوياً.
معارضة الإجراءات الصحية
أدت هذه التهديدات، وغيرها، إلى دفع الديمقراطية البرازيلية نحو الهاوية. وعارض بولسونارو الإجراءات الصحية العامة الأساسية، ونشر أخباراً كاذبة عن فيروس كورونا، رغم وفاة 203 آلاف نتيجة المرض، وهو ثاني أكبر عدد وفيات بسبب كورونا في العالم، بعد الولايات المتحدة. ورغم أنه يوجد في البرازيل نحو 2.7% من تعداد سكان العالم، فإنه يوجد فيها 11% من الوفيات الناجمة عن كورونا، رغم أن علماء الأوبئة يعتقدون أن العدد الحقيقي للوفيات أكبر مما هو معلن بكثير.
تردي الاقتصاد
وتفاقم الاقتصاد نحو الأسوأ في ظل حكم بولسونارو، وتقلص الناتج الإجمالي للدولة بأكثر من 9% عام 2020، ودفع الدولة إلى ركود اقتصادي عميق. ويقول بولسونارو إن الدولة مفلسة، وإنه لا يستطيع «فعل أي شيء».
وتخضع الديمقراطية البرازيلية للاختبار. وفي الوقت الذي لاتزال تجري فيه الدولة انتخابات تنافسية، إلا أن «وحدة الإيكونوميست للاتصال الدولي» تصنف البرازيل باعتبارها «ديمقراطية مختلة».
وتتعرض وسائل الإعلام المستقلة والمجتمع المدني للهجمات المستمرة، وتشويه السمعة بصورة كبيرة. ورغم أن معظم البرازيليين يؤيدون الديمقراطية، فإن نصفهم تقريباً يرفضون خطر العودة إلى النظام الديكتاتوري. ويمكن أن يساعد الانقسام والاستقطاب العميقان في الدولة بولسونارو على الفوز في الانتخابات مرة أخرى عام 2022. ورغم تعامله الكارثي مع جائحة «كورونا»، فإن 37% من البرازيليين لايزالون يؤيدون وجهات نظر الرئيس في هذا المجال في نهاية 2020، ويرجع ذلك جزئياً إلى موافقته على تقديم مساعدات إلى الفقراء البرازيليين، بعد رفضه ذلك في البداية. وبخلاف صديقه ترامب، لايزال لدى بولسونارو عامان في فترة حكمه. وإذا لم يستيقظ البرازيليون للتدهور الحادث في ديمقراطيتهم، فسيفوت الأوان على إنقاذها لاحقاً.
• تتعرض وسائل الإعلام المستقلة، والمجتمع المدني، للهجمات المستمرة، وتشويه السمعة بصورة كبيرة.
• كما هي الحال لدى ترامب، استعدى بولسونارو أنصار الديمقراطية، الذين غضبوا منه قبل وصوله إلى سدة الحكم. وفي عام 2016، اقتحم المتظاهرون المتطرفون، الذين يدعون إلى عودة الحكم العسكري في البرازيل، مبنى الكونغرس الوطني في العاصمة برازيليا، بالطريقة ذاتها التي اقتحم بها أنصار ترامب مبنى الكونغرس الأميركي، الأسبوع قبل الماضي.
• يبدو أن أنصار بولسونارو متسلحين بقوة، وهم مصممون على حماية زعيمهم من المحاكمة، أو الإبعاد عن السلطة. ويعمل هؤلاء الأنصار على بناء ترسانتهم القوية، حيث يدعو بعضهم إلى الاستيلاء على الجيش، إذا قرر الكونغرس الوطني محاكمة الرئيس وعزله.
روبرت ماغاه - خبير بالعلوم السياسية وقضايا الأمن والتنمية