الثورة الثقافية الصينية وما صاحبها من أعمال وحشية درس للعالم
المنتصرون هم الذين يكتبون التاريخ.. هذه ملاحظة بسيطة وصحيحة وواضحة تماماً، وربما أدى إغفال هذه القاعدة إلى حجب فهمنا لفصل من أحلك فصول القرن الـ20، وإدراكنا لأعظم قوة صاعدة في الألفية الجديدة.
وقال الكاتب ماثيو بروكر، في تقرير نشرته وكالة بلومبرغ للأنباء، إنه في الفترة من عام 1966 حتى عام 1976، مزقت الصين نفسها في موجة من الفوضى وغياب النظام، وقسوة لا يمكن تصورها تعرف باسم الثورة الثقافية. وانتهى هذا العقد من الجنون فقط بوفاة مهندسه الرئيس، ماو تسي تونغ.
وقال الحزب الشيوعي في حكم رسمي صدر عام 1981، وصف فيه الثورة الثقافية بالكارثة، إن ماو ارتكب أخطاء جسيمة، وانحى الحزب باللائمة على المجموعات المضادة للثورة في استغلال الموقف.
مصلحة ذاتية
وأضاف بروكر أنه بالنسبة للكاتب الصيني يانغ جي شينج، يخدم هذا الحكم مصلحة ذاتية. وتتمثل القضية المركزية في كتابه «العالم ينقلب رأساً على عقب» في أن التاريخ الرسمي للثورة الثقافية كتبه المنتصرون، الذين استغلوا الفرصة لتوزيع المسؤولية الكاملة عن الكارثة على الفصيل الخاسر، وإعلاء وإبراز دورهم. وهذا الأمر له آثار على طبيعة الدولة الصينية اليوم، التي تحولت الآن إلى قوة عظمى، وعلى ما ربما تكون عليه في المستقبل.
ويتمتع يانغ بسلطة أخلاقية فريدة للقيام بعملية إعادة التقييم هذه. وأمضى الصحافي السابق في وكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا) ما يقرب من عقدين في تجميع عمل سابق، وهو سرده لكارثة مبكرة تصورها ماو، التي تمثلت في القفزة العظيمة للأمام، وما أعقبها من مجاعة كبرى، أودت بحياة 36 مليون شخص وفقا لتقديره.
ومن خلال استغلال وضعه عضواً في وسائل الإعلام الرسمية للوصول إلى أرشيفات الدولة، قام يانغ بتجميع بحثه بدقة شديدة وأضاف تعليقات لبحثه «شاهد القبر»، الذي يقع في 1200 صفحة (ونشر بشكل مختصر باللغة الإنجليزية في عام 2012) ويعدّ شرحاً دقيقاً لتلك الكارثة، وهو في الأساس عمل غير قابل للطعن عليه. وأطلق ماو حملة لدعم وترسيخ سلطته (التي أضعفها فشل القفزة العظيمة إلى الأمام)، وأجرى تعديلا للنظام البيروقراطي، واختبر نظريته «الثورة المستمرة» في مسعاه الخيالي لإقامة مجتمع شيوعي فاضل.
وما أعقب ذلك كان طوفان من الشرور والوحشية البشرية التي أفقرت الشعب الصيني وسببت له ألماً شديداً.
وتتضمن السجلات التاريخية للثورة الثقافية أنه في بكين وحدها قبل 14 أكتوبر 1966، تعرض 1772 شخصاً للضرب حتى الموت، وتم نهب 33695 منزلاً.
ووفقاً للتقديرات الرسمية، بلغ العدد الإجمالي للأشخاص المتضررين من الحملات ضد الأعداء السياسيين 100 مليون، أي ثُمن سكان الصين في ذلك الوقت.
ووفقاً لما سرده يانغ، كانت الثورة الثقافية لعبة ثلاثية بين ماو، وفصيل متمرد يساري متطرف أيد بقوة دعوة الرئيس إلى صراع طبقي متواصل، وزمرة بيروقراطية كانت تمثل نظام الحزب الشيوعي الحالي.
مع رحيل ماو، إنهار التوازن غير المستقر بين معسكرين متعارضين بشدة، وهيمنت الزمرة البيروقراطية بالفعل على معظم أجهزة الحكومة.
وتم سحق الفصيل المتمرد، وتم اعتقال ممثليهم الرئيسين، الذين كان اطلق عليهم آنذاك «عصابة الأربعة» سيئة السمعة، بما في ذلك جيانج كينج أرملة ماو.
وتابع بروكر أن السؤال المطروح هو ما علاقة أي شيء من هذا بالصين اليوم، التي تتمتع باقتصاد حديث ومتطور وتنتشر فيها ناطحات السحاب البراقة، وخدمات الدفع الرقمية، وشركات التكنولوجيا العملاقة، ما يجعل الصين تبدو وكأنها عالم بعيد عن الدولة الفقيرة والمتخلفة نسبياً لعام 1976؟ في تلك المرحلة، كان عصر الإصلاح والانفتاح لدينج لايزال يكمن في المستقبل.
ونجحت إصلاحات دينغ في أن ترفع بشكل مذهل ويثير الدهشة الصين إلى وضع قوة عظمى اقتصادية، والذي قاد الإصلاحات هو الزمرة البيروقراطية التي كانت المنتصر النهائي للثورة الثقافية.
وسيطرت هذه الزمرة على موارد البلاد، وكان عليهم أن يقرروا كيفية استخدامها، وأدى هذا إلى ظهور نخبة اقتصادية، حيث تركزت الثروة في أيدي العائلات البيروقراطية وشبكاتها الممتدة.
ويتمثل إرث نموذج اقتصادي توجهه وتسيطر عليه السلطة الإدارية للدولة في الافتقار إلى العدالة. ودفع يانغ بقوله إنه في ظل هذا النظام، تعتمد القدرة على النجاح في أي شيء على العلاقات مع الاأشخاص الرئيسين الذين يتولون مقاليد السلطة، وأن هذا من شأنه أن يؤدي إلى تفشي الفساد جراء غياب الضوابط والتوازنات.
من جهة أخرى، تطيل هذه النخبة البيروقراطية الراسخة أمد الفوائد التي تعود عليها من خلال إعاقة الإصلاح السياسي.
ورغم الظلم الممنهج، ارتفعت مستويات المعيشة بشكل كبير. ويستمتع العديد من الصينيين بالمكانة الناشئة لبلادهم على الصعيد العالمي، ويبدون سعداء نسبيا بحكومتهم (على الرغم من صعوبة تقييم الرأي العام في دولة يمكن أن تكون كلفة التحدث عنها باهظة).
وذكر بروكر أن تعامل الصين مع فيروس «كورونا» عزز مكانة حكومتها، في حين أن كارثة «كوفيد-19» في أوروبا وأميركا، المقترنة بمحاولات دونالد ترامب لإلغاء نتيجة الانتخابات الرئاسية الأميركية، قد لطخت سُمعة الديمقراطية الغربية.
نظام هش
رغم أن العديد من الصينيين يستمتعون بالمكانة الناشئة لبلادهم على الصعيد العالمي، يبدو نظام الصين هشاً، فحرية التعبير لاتزال مقيدة. ومثل بحث «شاهد القبر» تم نشر كتاب «العالم ينقلب رأساً على عقب» في هونغ كونغ في عام 2016 ولايمكن بيعه أو تداوله بشكل قانوني في البر الرئيسي الصيني.
وبحسب الكاتب ماثيو بروكر، تقلص هامش المعارضة أكثر في ظل حكم الرئيس شي جين بينغ، الذي يؤكد نهجه بشأن مركزية السلطة، وتعزيز عبادة الشخصية، على غرار طريقة ماو على كيف أن نظام الصين لايزال يفتقر إلى الضوابط والتوازنات.
وأوضح بروكر أن هذه التصرفات ليست من خصائص قوة عظمى واثقة بنفسها وتشعر بالأريحية، ومتأكدة من مكانتها في العالم. ومن غير المرجح بدرجة كبيرة أن تكون أي أمة لا تستطيع أن تتصالح مع تاريخها وتسعى إلى قمع المناقشة وحرية الرأي، نموذجاً تقتدي به الدول الأخرى.
وفي الوقت الحاضر، لا تجد دعوات مؤيدي الديمقراطية في الصين صدى ويتم تجاهلها، وربما في يوم من الأيام، قد يرتفع صوتهم مرة أخرى. من جهة أخرى، تعد الثورة الثقافية درساً من التاريخ للعالم.
أطلق ماو حملة لدعم وترسيخ سلطته (التي أضعفها فشل القفزة العظيمة إلى الأمام)، وأجرى تعديلاً للنظام البيروقراطي في مسعاه الخيالي لإقامة مجتمع شيوعي فاضل.
وما أعقب ذلك كان طوفان من الشرور والوحشية البشرية التي أفقرت الشعب الصيني وسببت له ألماً شديداً.
تتضمن السجلات التاريخية للثورة الثقافية أنه في بكين وحدها قبل 14 أكتوبر 1966، تعرّض 1772 شخصاً للضرب حتى
الموت، وتم نهب 33695 منزلاً.
وفقاً للتقديرات الرسمية، بلغ العدد الإجمالي للأشخاص المتضررين من الحملات ضد الأعداء السياسيين 100 مليون، أي ثُمن سكان الصين في ذلك الوقت.
تعامل الصين مع فيروس «كورونا» عزز مكانة حكومتها، في حين أن كارثة «كوفيد-19» في أوروبا وأميركا، لطخت سُمعة الديمقراطية الغربية.