بعضهم لا يستطيعون شراء الدواء.. وآخرون لا يتمكنون من شراء الطعام اللائق

مشكلات اللاجئين السوريين في لبنان أكثر تفاقماً وسط تجاهل دولي

صورة

أجرت منظمة «أطباء بلا حدود» الفرنسية مسحاً لأوضاع اللاجئين السوريين في لبنان، لتسليط الضوء على أبعاد مشكلاتهم الحقيقية، ولفت نظر حكومات العالم والمنطقة، والمنظمات الإغاثية، للتحرك من أجل تقديم الدعم لهم، حيث إنهم يعانون نقصاً في أساسيات الحياة التي تعينهم على تحمل ظروفهم، والصمود في وجه العوز والفقر، والمرض والتشرد. وهذه بعض شهادات من التقت معهم المنظمة، في أكثر من موقع عبر الأراضي اللبنانية:

نهاية الشهر لا يبقى لدينا نقود لشراء الأدوية

يبلغ أحمد 34 عاماً، وهو أب لأربعة أطفال. وصل وعائلته إلى لبنان من فليطة في سورية عام 2015. ويعيش أحمد وعائلته، منذ وصولهم إلى لبنان، في مخيّم غير رسمي بضواحي عرسال، التي تقع شمال سهل البقاع بالقرب من الحدود السورية.

قام أحمد قبل أيام، مع ابنتيه وزوجته، بزيارة إلى عيادة «أطباء بلا حدود» في عرسال. وتم تشخيص ابنته الصغرى زينب البالغة من العمر 18 شهراً بفقر الدم منذ نحو أربعة أشهر. يقول أحمد: «بدت ابنتي مريضة وشاحبة جداً، ولم تأكل سوى القليل من الطعام، وصفت الطبيبة مكملات الحديد لها، ونصحتنا بإطعامها المزيد من الخضار والفاصوليا، لأننا لم نعد قادرين على شراء اللحوم». ويرتبط فقر الدم بنقص الحديد، وهو شائع لدى الأشخاص الذين لا تتوافر لديهم كمية كافية من أنواع معينة من الطعام، مثل: اللحوم أو البازلاء.

عمل أحمد كراعٍ قبل مجيئه إلى لبنان. واضطر إلى التوقف عن العمل بسبب آلام في ظهره، لكنه يساعد عمّه من وقت لآخر في رعاية القطيع بجبال عرسال. وتواجه عائلة أحمد صعوبة متزايدة في شراء المواد الأساسية مع تدهور الوضع الاقتصادي في لبنان. يقول أحمد: «كنت أشتري الكيلوغرام من اللحم بقيمة 17 ألف ليرة لبنانية من قبل، أما الآن فأصبح سعره نحو 60 ألف ليرة. وينطبق الأمر على أسعار الشاي والسكر وحتى الخضار كالطماطم مثلاً. تضاعفت أسعار السلع أربع مرات على الأقل، وتزداد الأمور سوءاً. في نهاية الشهر، لا تبقى لدينا نقود لشراء الملابس أو الألعاب للأطفال، أو حتى لشراء الأدوية. نحن نوفر كل أموالنا لشراء الطعام والوقود، خصوصاً الآن خلال فصل الشتاء». وتقع عرسال على ارتفاع 1500 متر فوق مستوى سطح البحر، وتتدنى الحرارة وتتساقط الثلوج، خلال أشهر الشتاء الباردة.

تتلقى حليمة، زوجة أحمد، المصابة أيضاً بفقر الدم، استشارة طبية مع القابلة، بينما ينتظر أحمد ابنتيه زينب وشقيقتها فاطمة البالغة من العمر ستة أعوام لمقابلة الطبيب. وستلد حليمة طفلهما الخامس بعد شهرين، ما يعني انضمام شخص جديد بحاجة إلى الرعاية في العائلة التي لا تملك النقود الكافية لذلك.

نريد حياةً لائقةً

تعيش فاطمة مع زوجها وابنتها الوحيدة في الهرمل، شمال سهل البقاع. وتتشارك فاطمة وعائلتها غرفة واحدة في منزل أهل زوجها، لأنهم غير قادرين على تحمل تكاليف السكن بمفردهم. وأصبح الصمود يوماً تلو الآخر يشكل تحدياً بالنسبة لهذه المرأة اللبنانية، البالغة من العمر 58 عاماً، وتعاني مضاعفات خطيرة بسبب مرض السكري.

تقول فاطمة: «لطالما كنا فقراء، لكننا كنا قادرين من قبل على تغطية نفقاتنا على الأقل. وفقد زوجي وظيفته منذ شهرين، وكان يعمل في متجر للخضراوات، لكن نظراً لعدد الزبائن القليل، لم يعودوا بحاجة إلى خدماته. كنت أعمل كعاملة نظافة لكني لم أعد أستطيع العمل، لأنني أصبت بمرض السكري قبل خمس سنوات، وساءت صحتي كثيراً منذ ذلك الحين. لقد فقدت البصر في كلتا العينين، وأصبت بإصابة خطيرة في القدم تمنعني من المشي. وأحتاج دائماً إلى ابنتي هبة بجانبي لمساعدتي. وأشعر بألم مستمر في جميع أنحاء جسدي؛ في بعض الأحيان يصبح الألم لا يطاق».

ويقوم فريق «أطباء بلا حدود» بزيارات منزلية، للاطمئنان على صحتي، وتوفير الأدوية التي أحتاجها. وتعمل ابنتنا من وقت لآخر في محل لبيع الملابس بعد المدرسة، ويشكّل راتبها من هذا العمل دخلنا الوحيد. وعادةً نتناول العدس والبرغل والبطاطا؛ ونتناول الكثير من البطاطا. ولا يُعتبر هذا النظام نظاماً غذائياً مناسباً لمرضى السكري، لكن هذا كل ما يمكننا أن نتحمل نفقاته،

أنا لست بخير جسدياً ونفسياً. وأبكي كثيراً، وأشعر بالذنب حيال ابنتي الصغيرة هبة، التي يتعيّن عليها تحمل مسؤوليات تتجاوز سنها والاعتناء بنا».

نحن متعبون للغاية

توفيق لاجئ فلسطيني يبلغ من العمر 70 عاماً. ويعيش توفيق وزوجته هنادي (لاجئة سورية) في مخيّم شاتيلا المكتظ في بيروت. واستقر الزوجان في لبنان مع أسرهما عام 2011، بعد فرارهما من منزلهما في مخيم اليرموك بسورية. وتعتمد عائلة توفيق كلياً على دعم وكالات الأمم المتحدة والمنظّمات الإنسانية، من أجل البقاء على قيد الحياة.

توفيق وهنادي، اللذان فقدا أحد أولادهما بالحرب في سورية، ولم يتلقيا أي أخبار عن ولدهما الآخر منذ 10 سنوات، ولم يعيشا حياةً سهلة. ولم يتوقعا أنه سيتعين عليهما تجاوز المزيد من الصعوبات عندما وصلا إلى لبنان. وقبل سبع سنوات، علم توفيق أنه مصاب بمرض السكري بعد إصابة شديدة في الساق، وأدت مضاعفات الجرح إلى بتر ساقه. ويقول توفيق الذي يعيش في الطابق الثالث من مبنى متداعٍ، مع زوجته وابنهما الأصغر وإحدى بناتهما وطفليها: «عملت بلاطاً في سورية، لكن لا يمكنني تأدية أي عمل لإعالة أسرتي الآن نظراً لحالتي، لا أعرف حتى كيف سنعيش دون المساعدة التي نتلقاها من الجمعيات الخيرية، فجميع أولادنا عاطلون عن العمل».

أدى تضخم الأسعار، أخيراً، إلى زيادة صعوبة الأسرة في تغطية نفقاتها. ويشرح توفيق: «لا تبقى لدينا أي نقود لشراء الطعام بعد دفع الإيجار والكهرباء. ونواجه صعوبة في شراء السلع الغذائية الأساسية، مثل الطماطم والدجاج. نشتري 200 غرام من اللحوم، ونتشاركها مرّة كل أسبوعين. وغير ذلك تتضمن وجباتنا اللبن والجبن والبطاطس فحسب، ونقترض المال في بعض الأحيان للصمود إلى نهاية الشهر».

ترتعش يدا توفيق، وهذا الارتعاش هو أحد أعراض نقص السكر في الدم. ويقول: «يحدث هذا أحياناً، عندما لا نتناول وجبات طعام كافية». يجب أن يتلقى توفيق حقنة أنسولين يومياً، بالإضافة إلى ستة أقراص أخرى من الدواء، للسيطرة على مرض السكري وارتفاع ضغط الدم لديه. وتوفر «أطباء بلا حدود» جميع الأدوية مجاناً لتوفيق، لكن لاتزال حالته الصّحية غير مستقرة.

فترة عصيبة على الجميع

تعيش تيريز (85 عاماً) في الكرنتينا، أحد أحياء بيروت التي هزّها انفجار المرفأ في 4 أغسطس 2020. وأصيبت تيريز بجروحٍ طفيفة، إلا أنّ منزلها دمّر جرّاء الانفجار. وتعطّلت آلة الخياطة التي تملكها، ما حرمها مصدر رزقها الوحيد المتواضع. ومنذ ذلك الحين، تعتمد تيريز على التضامن المجتمعي، والمساعدة الإنسانية، لتلبية احتياجاتها الأساسية.

«أملك آلة الخياطة هذه منذ عام 1973، وتوفي زوجي بعد ذلك بعامين. هذه الآلة هي بمثابة شريك حياتي. أحاول إصلاحها منذ الانفجار لكنّها طراز قديم ولم أجد القطع المناسبة.

كسر الانفجار جميع النوافذ في بيتي. كنتُ على الشرفة لحظتها وأوقعني الانفجار أرضاً. كان رأسي ينزف وجرحت ساقي بالزجاج المحطّم. كما أنّ صدمة السقوط فاقمت ألم ظهري. كُسر سريري وبعض الرفوف. أصبحتُ أنام على الكنبة في غرفة الجلوس، وأخزّن الأثاث المكسور في غرفة نومي. أعمل على خياطة ستائر جديدة باستخدام القماش القديم لأبدّل الستائر التي تمزّقت.

كنتُ أتولى قبل الانفجار أعمال خياطة صغيرة، رغم ألم ظهري وقصر نظري. كان ابني يُعيلني أيضاً لكنّ الشركة التي يعمل فيها قلّصت جدول عمله بعد الانفجار، وبات يجني نصف راتبه القديم. عليه إعالة أسرته ولا يمكنه مساعدتي. لديّ بعض المدخرات كما أنني أتلقى مساعدة نقدية من منظمة دولية. وتحضر لي جمعية محلية صناديق غذائية بضع مرات في الأسبوع. ويزورني بعض الأشخاص الذين كانوا زبائني في العمل كي يطمئنوا عليّ. على العموم، أتمكّن من تدبّر أموري.

عندما حضر طبيب من (أطباء بلا حدود)، قال لي إني مصابة بالسكري. لم أكن مصابة بمرض السكري من قبل. واشتدّت حالة ارتفاع ضغط الدم لديّ أخيراً. أعتقد أنّ كلّ هذا مرتبط بالانفجار.

إنها فترة عصيبة على الجميع، لكنني كبيرة في السنّ وعشتُ حياةً جيدة. لكن لا أعلم ما سيحصل للأجيال الأصغر سناً.. علينا التحلّي بالإيمان».


عام دون سمك أو لحوم

وصلت حسناء البالغة من العمر 57 عاماً، مع زوجها حسن البالغ من العمر 65 عاماً، إلى لبنان عام 2012. ويعيش الزوجان السوريان اللاجئان في مبنى قيد الإنشاء بحي فقير في طرابلس، مع ابنهما وزوجته وأطفالهما الثلاثة. ويعمل ابنهما في صالون لتصفيف الشعر، وهو المعيل الوحيد للأسرة.

تعاني حسناء وزوجها حسن ارتفاع ضغط الدم. وتعاني حسناء أيضاً السكري وأمراض القلب. ويتناولان 13 دواءً مختلفاً كل شهر، بما في ذلك حقن الأنسولين. وقدّمت «أطباء بلا حدود» الأدوية لحسناء وزوجها مجاناً على مدار ثماني سنوات، قبل أن تسلّم المنظّمة أنشطتها الطبية في طرابلس إلى وزارة الصّحة. واضطر الزوجان، في الآونة الأخيرة في كثير من الأحيان، إلى اقتراض المال من الجيران لشراء أدويتهما من الصيدلية، لأن بعض الأدوية التي يحتاجونها غير متوافرة حالياً في مراكز الصّحة العامة.

وعلى الرغم من تمكّن الابن من المحافظة على وظيفته خلال الأزمة الاقتصادية و«كوفيد-19»، فإنّ الحصول على الطعام يعد مشكلة للأسرة منذ العام الماضي، خصوصاً بالنسبة لحسناء التي يتعيّن عليها اتباع نظام غذائي صحي، للسيطرة على مرض السكري. وارتفعت أسعار المواد الغذائية اليومية بشكل كبير، خلال الأشهر الأخيرة، في حين بقي راتب معيل الأسرة على حاله. فلا تتضمن وجبات العائلة سوى الأرز والمعكرونة. يقول حسن: «لقد مرّ عام، منذ آخر مرة تناولنا فيها السمك واللحوم».

• تتشارك فاطمة وعائلتها غرفة واحدة في منزل أهل زوجها، لأنهم غير قادرين على تحمل تكاليف السكن بمفردهم. وأصبح الصمود يوماً تلو الآخر يشكل تحدياً بالنسبة لهذه المرأة اللبنانية، البالغة من العمر 58 عاماً، وتعاني مضاعفات خطيرة بسبب مرض السكري.

تويتر