بومبيو.. مهندس دبلـــوماسية ترامب يغادر «الخارجيــــــة» بإرث مثير للجدل
استعرض وزير الخارجية الأميركي السابق، مايك بومبيو، الأسبوع الماضي، بنظرة ثاقبة إرثه كقائد لدبلوماسية إدارة ترامب المقيتة، من خلال استشهاده بلحظة حاسمة في تاريخه الشخصي. في عام 1983، عندما كان بومبيو طالباً في الأكاديمية العسكرية الأميركية بويست بوينت، فجرت ميليشيا مرتبطة بإيران ثكنات مشاة البحرية في العاصمة اللبنانية، بيروت، ما أسفر عن مقتل 241 جندياً أميركياً.
وقال بومبيو يوم الثلاثاء، في آخر خطاب عام له في المنصب: «لم تعد حياتي كما كانت بعد تلك الحادثة». لقد حفرت الحادثة عميقاً في مفهوم جندي شاب خلال تدريبه لحماية الولايات المتحدة من أعداء قاتلين.
مرت 35 عاماً، ليصبح بومبيو عام 2018 وزير الخارجية الأميركية السبعين، وتبنى العقلية العسكرية «التفجيرية» نفسها لمواجهة العالم. ووصف السياسات الخارجية بأنها «مجموعات مهام»، وكانت زوجته سوزان «خير معين له لإنجاز تلك المهام»، حيث برعت في خلع الشخصيات البارزة، وموظفي وزارة الخارجية من مناصبهم بإيعاز منها.
لا لدبلوماسية الإقناع
يرفض بومبيو دبلوماسية الإقناع، وبدلاً من ذلك يحاول تسليح الزعماء الأوروبيين بقوة، ويستهزئ بالقادة في الصين وإيران، ويجعل الدكتاتوريين منهم في حالة عدم توازن، بما في ذلك تحبيذه التفاوض مع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، ولكن ليس مع الرئيس الفنزويلي، نيكولاس مادورو.
وبما أنه يرفض الدور التقليدي للدبلوماسية التي يمكن توقعها ويتبنى أسلوب الرئيس ترامب نفسه، فإن استراتيجيته جاءت بنتائج عكسية، وفقاً لمحللي السياسة الخارجية ومجموعة كبيرة في وزارة الخارجية.
وأثناء مغادرته منصبه، يتهمه عدد من المسؤولين والمحللين بأنه أسوأ وزير خارجية في التاريخ الأميركي يتصف بالتمييز. وسيعود ذلك الاتهام ليطارده خلال تفكيره في الترشح للرئاسة في عام 2024 أو السعي للحصول على منصب منتخب آخر، وفقاً للاعتقاد السائد على نطاق واسع.
ويقول رئيس مركز الأمن الأميركي والدبلوماسي السابق، ريتشارد فونتين، الذي كان مستشاراً لحملة السناتور جون ماكين الرئاسية في عام 2008: «الكأس فارغة أكثر بكثير مما هي ممتلئة» في إشارة الى الإحباط الذي سببه هذا الدبلوماسي.
ويعتقد فونتين أن إيران الآن أقرب إلى صنع قنبلة نووية، وأن كوريا الشمالية تمتلك أسلحة نووية أكثر مما كانت عليه في بداية إدارة ترامب. العلاقات الأميركية مع القادة الأوروبيين الرئيسين والأمم المتحدة والتحالفات الدبلوماسية والاقتصادية الأخرى في حالة يرثى لها. الولايات المتحدة لديها مكانة أقل في تعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان في العالم، مما كانت عليه قبل أربع سنوات، وفقاً للعديد من الدبلوماسيين المحترفين.
وأثار بومبيو السخط في دوره لتمكين الرئيس ترامب لعب دور في الظل في شؤون أوكرانيا، ما قوض سنوات من دعم الولايات المتحدة لدرء العدوان العسكري الروسي. الأمر الذي أثار المخاوف بين المشرعين خلال جلسات الاستماع في مجلس النواب في أواخر عام 2019 حول ما إذا كان ولاؤه لترامب يفوق حرصه على الأمن الأميركي.
ليس العسكري الأول
بومبيو ليس أول رجل عسكري يتولى منصب كبير الدبلوماسيين في البلاد، فقد تقاعد كولن باول من رتبة جنرال بالجيش من فئة أربع نجوم، قبل أن يصبح وزيراً لخارجية الرئيس جورج دبليو بوش في عام 2001. لقد كانت فترة باول ملطخة إلى الأبد بالوحل بسبب استشهاده ببيانات استخباراتية خاطئة، للحث على غزو العراق عام 2003 - وهو ما وصفه في ما بعد بأنه «مؤلم» و«وصمة عار» في سجله - لكن يُنظر إليه على نطاق واسع على أنه رجل دولة أكثر من بومبيو.
ولأغراض سياسية، كان بومبيو يأمل في أن يتذكره الأميركيون كلاعب رئيس في إدارة ترامب، لكن مهمته اصبحت ملطخة في الخارج أكثر بكثير مما هو عليه مع الجمهوريين المتشددين، الذين لا يهتمون كثيراً بالسياسة الخارجية في الانتخابات. وبعد اقتحام أنصار ترامب مبنى الكابيتول هذا الشهر، سعى عدد متزايد من المسؤولين الجمهوريين إلى النأي بأنفسهم عن الرئيس المغادر.
الجدير بالذكر أن بومبيو لم ينأَ بنفسه، على الرغم من أن أشخاصاً مقربين منه قالوا إنه أصيب بالذهول من الهجوم. وبدلاً من ذلك، استمر في وابل من المشاركات اليومية على «تويتر» بدءاً من الأول من يناير، للتبشير بما وصفه بنجاحاته في السياسة الخارجية، مردداً شعارات حملة ترامب الانتخابية.
طليعة حملة القمع
كان بومبيو في طليعة حملة القمع التي شنتها إدارة ترامب على الصين وإيران وفنزويلا، مستخدماً مزيجاً من العقوبات الاقتصادية والتحولات الاستفزازية في السياسة لإعادة تشكيل الاستراتيجية العالمية ضد كل منها. كما قاد الإدانة العالمية لطموحات بكين التوسعية والقمع في هونغ كونغ وتايوان وبحر الصين الجنوبي. ومع ذلك، رفضت دول أخرى أن تحذو حذو الولايات المتحدة في انسحابها من منظمة الصحة العالمية، التي جردت التمويل من وكالة الأمم المتحدة خلال جائحة الفيروس التاجي، وهو ما أصر بومبيو على تسميته بـ«فيروس ووهان»، مردداً صدى عبارات ترامب مرة أخرى.
الحشد ضد مادورو
وفي تعامله مع فنزويلا، حشد بومبيو نحو 60 دولة ضد مادورو بعد الانتخابات المتنازع عليها، وجرد على الحكومة في كاراكاس سيف العقوبات، لكن مادورو ظل في السلطة.
وفي أوروبا، يعود الفضل إلى بومبيو في المساعدة على تقوية حلف شمال الأطلسي (ناتو) كحصن ضد روسيا، بما في ذلك من خلال زيادة الإنفاق العسكري. ويقول نائب الأمين العام السابق لحلف الناتو، ألكسندر ر. فيرشبو، الذي كان أيضاً سفيراً سابقاً للولايات المتحدة في روسيا وكوريا الجنوبية ومساعداً لوزير الدفاع، إن بومبيو ساعد في حماية الناتو من «ازدراء ترامب للحلفاء وتكتيكاته البلطجية».
كما نشر بومبيو دبلوماسية مكوكية لتعزيز العلاقات بين إسرائيل ودول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا كجزء من اتفاقيات أبراهام، وهي الإنجاز المميز للإدارة في السياسة الخارجية. لكن اتفاقيات السلام تلك تمت بوساطة إلى حد كبير من قبل كبير مستشاري الرئيس وصهره، جاريد كوشنر.
لقد دعم بومبيو إسرائيل بثبات من خلال تحدي الأعراف السائدة دولياً، مثل نقل السفارة الأميركية في إسرائيل إلى القدس، وإعلان السيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان، وشرعية المستوطنات في الضفة الغربية. وبصفته مسيحياً إنجيلياً - وهي مجموعة تشكل جمهوراً سياسياً محافظاً رئيساً - ظل بومبيو يؤطر أحياناً الإجراءات ضد إيران بمصطلحات دينية مرتبطة بإسرائيل ونبوءة توراتية.
كانت اتفاقيات أبراهام جزءاً من حملة ضغط لعزل إيران بالعقوبات والتهديدات العسكرية التي بدأت بعد انسحاب ترامب من الاتفاقية النووية التاريخية لعام 2015 مع طهران في مايو 2018، بعد أسابيع فقط من انتقال بومبيو إلى وزارة الخارجية، بعد أن شغل منصب مدير وكالة المخابرات المركزية (سي آي إيه).
وعلى مدى العامين التاليين، أزعج مراراً جهود القوى العالمية الأخرى للحفاظ على الاتفاق النووي لعام 2015 سليماً. كان من الواضح أن بومبيو قد اشتبك في مبارزة مع المسؤولين الإيرانيين على «تويتر». وغرد يوم الثلاثاء في رده على وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، الذي وصفه
بـ«وزير الكراهية»، قائلاً له «أنت تعلم أنك كنت إلى جانب الملائكة عندما حدث كل ذلك».
كان بومبيو من بين مستشاري ترامب الذين دفعوا لشن ضربات عسكرية ضد إيران، والتي قاومها الرئيس في يونيو 2019، لكنه سمح في يناير 2020 بقتل جنرال إيراني كبير في العراق. ومع ذلك، عكس بومبيو موقفه في نوفمبر، بين مجموعة من كبار المسؤولين - بمن فيهم نائب الرئيس مايك بنس، والقائم بأعمال وزارة الدفاع، كريستوفر سي ميللر؛ ورئيس هيئة الأركان المشتركة، الجنرال مارك إيه ميلي - والذي رد على طلب الرئيس بخيارات الضربة ضد إيران بتحذير من أنها يمكن أن تتصاعد بسهولة إلى صراع أوسع في الأسابيع الأخيرة من رئاسة ترامب.
تلميذ الواقعية
لقد وصف بومبيو نفسه بأنه تلميذ لـ«الواقعية وضبط النفس والاحترام» - وهو نهج دعا إليه داعمه المالي منذ فترة طويلة، تشارلز جي كوتش، الملياردير المحافظ الذي قدمت شبكته من المانحين مساهمات لحملة بومبيو أكثر من أي مرشح آخر للكونغرس في البلاد في أربعة انتخابات لمجلس النواب من 2010 إلى 2016.
وبصفته وزيراً للخارجية، لم يكن بومبيو متحفظاً بشأن مستقبله السياسي، حيث كان يتطلع أولاً إلى حملة مجلس الشيوخ من ولايته كانساس، ثم غذى التوقعات بأنه قد يرشح نفسه لمنصب الحاكم في عام 2022 أو رئيساً في عام 2024. واتسمت فترته المضطربة في وزارة الخارجية بسلسلة من التحقيقات، بعضها مستمر، بما في ذلك ما إذا كان قد انتهك قوانين الأخلاق من خلال الانخراط في النشاط السياسي أثناء عمله.
ومع ذلك، فإن الدعم المالي المستمر من كوتش غير مضمون على الإطلاق. مع التركيز على دبلوماسية القوة الناعمة بدلاً من الحرب، يقوم معهد تشارلز كوتش بضخ سبعة ملايين دولار في شكل منح جديدة لمجمعي أبحاث يساريين، وهما مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي ومجموعة الأزمات الدولية، والتي لها تأثير في إدارة بايدن.
ويقول نائب رئيس المؤسسة للسياسات والبحوث، ويل روجر، إن دعم بومبيو لتوسيع «الناتو»، وضرب إيران وإبقاء القوات الأميركية في مناطق الصراع لا يمكن أن يُنسى. ويضيف روجر، الذي رشحه ترامب في سبتمبر ليكون سفيراً له في أفغانستان: «لا أعتقد أن الوزير هو شخص واقعي يستطيع أن يضبط نفسه».
وأوضح بومبيو أن الجيش كان له الأولوية القصوى في عهده، وكتب على «تويتر» يوم الخميس: «خلال قيادتي لـ(سي آي ايه) ووزارة الخارجية، ركزت باستمرار على حماية جيشنا العظيم وجميع الأميركيين، لقد عرف أعداؤنا أن من يهاجم جنودنا سيدفع الثمن».
• بصفته وزيراً للخارجية، لم يكن بومبيو متحفظاً بشأن مستقبله السياسي - حيث كان يتطلع أولاً إلى حملة مجلس الشيوخ من ولايته كانساس، ثم غذى التوقعات بأنه قد يرشح نفسه لمنصب الحاكم في عام 2022 أو رئيساً في عام 2024.
• أجّج بومبيو السخط في دوره لتمكين ترامب لعب دور في الظل في شؤون أوكرانيا، ما قوض سنوات من دعم أميركا لدرء العدوان العسكري الروسي. الأمر الذي أثار المخاوف بين المشرعين خلال جلسات الاستماع في مجلس النواب أواخر عام 2019 حول ما إذا كان ولاؤه لترامب يفوق حرصه على الأمن الأميركي.